الرئيسية > اخبار وتقارير > هـادي.. رئيس بـلا رئاسـة

هـادي.. رئيس بـلا رئاسـة

هـادي.. رئيس بـلا رئاسـة

في الذكرى الثالثة لتعيينه رئيساً للجمهورية اليمنية، كان الرئيس هادي محاصراً في منزله الكائن في شارع الستين الغربي من قبل ميليشيات الحوثي.. ولم تكد تمر ساعات المساء الأولى حتى فر الرجل من بين أيدي الميليشيات وأعلن وصوله إلى العاصمة الاقتصادية عدن.

لم يستطع هادي هذه المرة الاحتفاء بمرور ثلاثة أعوام على وصوله إلى كرسي الحكم، بعد بقائه في ظل الرئيس السابق علي عبدالله صالح لمدة 17 عاماً، دون صلاحيات.. إذا كان عليه التفكير طويلاً كيف الخلاص من الميليشيات التي سحبت الكرسي من تحت أرجله، وسطت على السلطة والجيش خلال أيام معدودة.

في 21 من فبراير 2012م، توجه أكثر من 7 ملايين يمني إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية المبكرة لاختيار الرئيس عبدربه منصور هادي، رئيساً توافقياً للفترة الانتقالية لمدة عامين خلفاً للرئيس السابق علي عبدالله صالح.

خلال العام الأول من صعود الرئيس هادي إلى السلطة، كان يمثل لدى معظم الجماهير اليمنية رجل المرحلة وحظي بإجماع محلي وإقليمي ودولي لم يحصل عليه أي رئيس من قبله، لكن جبروت السلطة أخذ الرجل إلى غير المهمة التي من المفترض أن يحملها فوق كتفيه.

عبدربه منصور هادي، عاش فترة طويلة في ظل صالح ونائباً له بشكل ديكوري، لم يكن يتوقع أن تضرب به الأقدار إلى رأس هرم السلطة، فعندما خرجت المسيرات المليونية تطالب بإسقاط نظام صالح، لم يكن لدى القوى السياسية أي خيار بديل لصالح، فوقعت أعين القوى المحلية والإقليمية على هادي الذي كان متوارياً في منزله، حيث وجد نفسه من حيث لا يحتسب زعيماً توافقياً لأغلب المكونات في البلد.

وخلال 35 شهراً من فترة حكم الرئيس هادي، حدثت في اليمن أحداث متسارعة وتطورات دراماتيكية، لم يكن أحد يتوقع أن تحدث، بل إن المشهد اليمني خلال هذه الفترة كان غائماً عائماً ولم يستطع أن يربط أحداثه المتناقضة رواد المحللين ومراكز الدراسات العالمية.

وبالنسبة للرئيس هادي فقد عاش ثلاثين يوماً تحت الإقامة الجبرية منذ 18 من يناير الفائت وحتى 21 من فبراير.. ثلاثين يوماً قضاها تحت وطأة المرض والحصار الشامل عليه من قبل ميليشيات الحوثيين، لكنه استطاع أن ينجو بأعجوبة كما نجا سابقاً من حرب 86 الجنونية في جنوب اليمن.

سيرة عسكرية خالصة

تحمل سيرة الرئيس هادي الكثير من التغيرات التي طرأت على حياة هادي، الذي بدأ حياته من مدرسة عسكرية أهلته لاحقاً للعمل بالجيش اليمني.

ينحدر هادي من عائلة شهيرة معظم رجالها كانوا مناضلين ضد الاستعمار البريطاني في عدن، منتصف القرن الماضي، حيث ولد في 1945م في قرية نائية اسمها «ذكين» بمديرية الوضيع التابعة لمحافظة أبين، جنوبي البلاد.

وفي مطلع ستينيات القرن الماضي، اختارته المملكة المتحدة ضمن 4 من أفراد الجيش، وابتعثتهم للدراسة في الكلية الملكية العسكرية (ساند هيرست)، أحد أعرق الكليات العسكرية في بريطانيا.

عاد الطالب هادي إلى عدن بعد سنتين من الدراسة في لندن، وكان الصراع والقتال وقتئذٍ بين الجبهة القومية وجبهة التحرير في عدن على أشده، لكن الشاب الذي انخرط في النضال الوطني واصل دراسته العسكرية، ولم ينغمس في الصراع ولم تطله لعنة الحرب الأهلية إذ ذاك والتي أودت بآلاف القيادات العسكرية الجنوبية عام 1986.

وعرف عن هادي شغفه الكبير بالقراءة خاصة في مجالي الفلسفة والتاريخ، ويجيد اللغتين الإنجليزية والروسية، لكنه لا يحب الظهور ويرفض الحوارات الصحفية خلال فترة بقائه نائباً لصالح.

في عام 1976م، ابتعث هادي إلى روسيا الاتحادية في دورة متخصصة في القيادة والأركان أربع سنوات، وعمل قائداً لفصيلة المدرعات إلى أن تم الاستقلال سنة 1967م، وبعد الاستقلال تم تعيينه قائداً لسرية مدرعات في قاعدة (العند) في المحور الغربي للجنوب، ثم مديراً لمدرسة المدرعات، ثم أركان حرب سلاح المدرعات، ثم أركان حرب الكلية الحربية، ثم مديراً لدائرة تدريب القوات المسلحة.

سنة 1972م انتقل هادي إلى محور (الضالع)، وعُين نائباً ثم قائداً لمحور (كرش)، وكان عضو لجنة وقف إطلاق النار، ورئيس اللجنة العسكرية في المباحثات الثنائية التالية للحرب مع الشمال، ثم استقر في مدينة عدن مديراً لإدارة التدريب في الجيش، مع مساعدته لرئيس الأركان العامة إدارياً، ثم رئيساً لدائرة الإمداد والتموين العسكري بعد سقوط حكم الرئيس سالم ربيع علي، وتولي عبد الفتاح إسماعيل الرئاسة.

بعد إبعاد عبدالفتاح إسماعيل عن الحكم في الجنوب، تولى علي ناصر محمد الرئاسة خلفاً له، وظل هادي في عمله إبّان فترة صراع دموي ريفي في شمال اليمن بين النظام في شمال اليمن والجبهة المدعومة من نظام جنوب اليمن.

رُقي هادي إلى درجة نائب لرئيس الأركان لشؤون الإمداد والإدارة معنياً بالتنظيم وبناء الإدارة في الجيش عام 1983م، وكان رئيس لجنة التفاوض في صفقات التسليح مع الجانب السوفياتي، وتكوين الألوية العسكرية الحديثة.

في عام 1986م اشتعلت شرارة الحرب الأهلية في اليمن الجنوبي آنذاك، نتيجة لرغبة أنصار الرئيس السابق عبدالفتاح إسماعيل في الإطاحة بحكومة علي ناصر محمد، ودارت الحرب شهراً واحداً وخلفت عشرات الآلاف من الضحايا بين الطرفين، ونتيجة لذلك فر علي ناصر محمد وعدد من قادة الجيش منهم عبدربه منصور هادي إلى شمال اليمن.

وقد عمل هادي مع عدد من زملائه الذين فروا من الجنوب، على لملمة شمل الألوية العسكرية التي نزحت معهم إلى الشمال، وإعادة تجميعها إلى سبعة ألوية، والتنسيق مع السلطات في الشمال لترتيب أوضاعها مالياً وإدارياً، وأطلق عليها اسم ألوية الوحدة اليمنية، وظل في شمال اليمن حتى يوم 22 مايو 1990م، تاريخ تحقيق الوحدة اليمنية.

عُين هادي قائداً لمحور البيضاء، وشارك في حرب 1994م التي اشتعلت بين قيادة الحزب الاشتراكي في الجنوب بقيادة علي سالم البيض، والرئيس السابق علي عبدالله صالح في الشمال، وكان هادي هو المحرك الرئيسي للجيش الشمالي وانتهت بانتصار الشمال، الأمر الذي دفع صالح بإصدار قرار جمهوري بتعيين عبدربه منصور هادي وزيراً للدفاع.

لم يستمر هادي وزيراً للدفاع إلا عدة أشهر، حيث أصدر صالح قرارا جمهوريا بإبعاده من الدفاع وتعيينه نائباً لرئيس الجمهورية، لكن دون صلاحيات واسعة، حيث اقتصر دوره على حضور الفعاليات الرسمية التي كانت تناقش أموراً سياسية في الغالب، ونادراً ما كان صالح يبعثه في مهمات رسمية خارجية.

حياة الفرار

ظل هادي منذ 94 إلى 2011م نائباً للرئيس صالح، ويبدو واضحاً أنه لم يكن صاحب طموحات إذ كان قدره أن يظل نائباً للرئيس، وهو منصب كافٍ بالنسبة لهادي، ولذلك كان مفاجئاً لهادي أن يتم اختياره من قبل الكثير من القوى السياسية والمجتمع الدولي كرئيس توافقي للفترة الانتقالية بعد صالح.

وما بين عام 1986م، و2015م.. تمثل سنوات من النضال والأضواء والخفوت التي عاشها هادي، حيث فر من عدن هارباً من أحداث الحرب التي جرت في 86م، وعاد إليها هارباً بعد حصار منزله من قبل الميليشيات الحوثية.

ولم يستطع هادي خلال فترة حكمه أن يحدث تغييراً في المشهد السياسي اليمني، حيث شهدت المرحلة حراكاً سياسياً وشعبياً، بدءاً من ثورة الشباب التي صعد بموجبها إلى الحكم، ومرورا بتوغل حركة الحوثيين التي حصلت على تساهل واضح من هادي حتى وصلت إلى بوابة قصره في صنعاء، فضلاً عن التحركات الشعبية في الجنوب المطالبة بفصل الشمال عن الجنوب، وزيادة توغل القاعدة في أكثر من مدينة ووصولها إلى معقل الجيش اليمني في مبنى وزارة الدفاع بالعاصمة صنعاء.

وفي إطار حزب المؤتمر الشعبي العام الذي ينتمي إليه هادي، فقد أحدث هادي نفسه فجوة كبيرة في الحزب بعد محاورات إعلامية هجومية بين الرجلين، انتهت بإقالة هادي من منصبه الحزبي كنائب للمؤتمر الشعبي العام وأميناً عاماً للحزب، لكن هادي رفض هذا القرار وشق الحزب إلى نصفين نصف مع صالح وآخر مع هادي.

الأوضاع الأمنية والاقتصادية في اليمن خلال حكم هادي لم تشهد أيضا تغييراً، في ظل اقتصاد ريعي يعتمد على صادرات النفط لم يشهد نموا أو تغييرا في معدلات الفقر والبطالة، ووضع أمني بات أكثر تعقيدا مع استمرار وجود القاعدة على الأرض رغم الضربات المتلاحقة لها، أضف إليها حالة انفلات أمني زادت تعقيدا في ظل مؤسسة أمنية وعسكرية خارت قواها أمام الفتوحات الحوثية في المحافظات اليمنية.

لم تنته قصة هادي بعد، فلايزال معترفاً به من قبل أغلب مكونات الشعب اليمني كرئيس شرعي بعيداً عن الانقلاب الحوثي، لكن بعد وصوله إلى عدن وإعلانه بطلان قرارات الحوثيين، لا أحد يدري ما الذي يخبئه القدر لليمن ولهادي.. ربما أن أيام هادي مازالت حبلى بالمفاجآت.

 

/نقلا عن الوطن القطرية/

 

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)