أثارت تأكيدات خبراء أمنيين مصريين لوكالة “اسوشيتدبرس” الأمريكية عن تنسيق مصر والسعودية لضرب الحوثيين في اليمن، وتهديدات سابقة من رئيس هيئة قناة السويس بأن هناك قوة مصرية خاصة للتدخل في باب المندب “مستعدة للتدخل” لو سيطر عليه الحوثيون أو أثروا على الملاحة في قناة السويس.
وجاء إعلان السعودية عن إغلاق سفاراتها وإجلاء رعاياها بعد ساعات قليلة من تقرير وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، وإعلان الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية أن وزراء الخارجية بدول المجلس سيعقدون اجتماعًا استثنائيًا بالرياض (اليوم) السبت لبحث تداعيات الانقلاب الحوثي في اليمن والموقف الخليجي والدولي المطلوب إزاءه، لا سيّما بعد فشل مجلس الأمن الخميس (12-2) التوصل إلى قرار بسبب معارضة روسيا لتحميل الحوثيين المسؤولية، ليطرح المزيد من التساؤلات حول ما إذا كانت كل هذه الخطوات مقدمات لحرب إقليمية قادمة.
ونقلت وكالة أسوشيتد برس عن مسؤولين أمنيّين مصريين لم تكشف هويتهم قولهم إن: “مصر تنسق مع السعودية لرد فعل عسكري مشترك في اليمن، وفقًا لتطورات الوضع بعد سيطرة الحوثيين الشيعة على مقاليد الأمور هناك“.
وبحسب المسؤولين المصريين، أسّست مصر قوة انتشار سريعة خاصة تستطيع التدخل إذا هدّد الحوثيون الممرات الملاحية في البحر الأحمر ذات الأهمية الاستراتيجية، وسط مخاوف من سيطرة الحوثيين على مضيق باب المندب.
وسبقت السعودية في إغلاق السفارة وإجلاء رعايا كلٍّ من دول “الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا“، حيث أعلنوا في وقت سابق من هذا الأسبوع، إغلاق سفاراتهم في صنعاء، كما قررت بتينا موشايت، سفيرة الاتحاد الأوروبي، بالعاصمة اليمنية، مغادرة البلاد، ما يؤشر لتوقع هذه الدول تدهورًا خطيرًا في الوضع أو اندلاع حرب أهلية تُشارك فيها قوات سعودية ومصرية تدعم سُنّة اليمن وخاصة قبائل “مأرب“، مقابل دعم إيراني للحوثيين.
وتأتي تلك الخطوة من السعودية وباقي الدول الكبرى، في وقت يشهد فيه اليمن، فراغًا سياسيًا ودستوريًا، بعد استقالة الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته في الـ22 من الشهر الماضي، وإعلان جماعة الحوثي، الجمعة الماضية؛ ما أسمته “الإعلان الدستوري“الذي جعل لهم الولايتين الدينية والسياسية، ووصفته أغلب القوى السياسية بالانقلاب المسلح على الشرعية الدستورية في اليمن.
هل يكرر السيسي تجربة ناصر؟
بحسب “وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية، قال ثلاثة مسؤولين أمنيين مصريين لها، إن مصر أسست قوة انتشار سريعة خاصة تستطيع التدخل إذا هدد الحوثيون الممرات الملاحية في البحر الأحمر ذات الأهمية الاستراتيجية، وسيطروا على مضيق باب المندب، وأن هناك قوة مُشكَّلة من الجيش الثالث الذي يجري عمليات أمنية ومخابراتية في منطقة البحر الأحمر من مقارّه في السويس.
وبحسب المسؤولين المصريين للوكالة الأمريكية أيضًا: “المصريون والسعوديون ينسقون لرد فعل عسكري مشترك للتعامل مع احتمالات تطور الوضع في اليمن“، وأن “مصر والسعودية شكلتا روابط عسكرية وطيدة منذ تولي السيسي، وتقومان بمناورات حرب مشتركة، بما في ذلك خوض تدريبات بحرية مشتركة في البحر الأحمر“.
وسبق هذا تأكيد الفريق مهاب مميش، رئيس قناة السويس، 7 فبراير الجاري، أن: “مصر لن تقبل بإغلاق مضيق باب المندب في اليمن، بأي حال من الأحوال، وسوف تتدخل عسكريًّا إذا تم ذلك”، وقوله: “لن يستطيعوا غلقه“.
وقوله أيضًا: “إن هناك قوة عسكرية جاهزة للتدخل إذا حاولت الجماعات المتطرفة في اليمن إغلاق المضيق“، مضيفًا أن: “إغلاق الممر المائي يؤثر بشكل مباشر في قناة السويس، وفي الأمن الوطني لمصر“، رغم توقعه ألا يؤثر غلق “باب المندب” على قناة السويس.
وقول مصدر أمني مصري أيضًا الأربعاء 4 فبراير الجاري: “إن الجيش المصري مستعد للتدخل جوًّا وقصف مناطق المتطرفين أو الجهات التي تقوم بإغلاق المضيق وبالصواريخ بعيدة المدى إن اقتضت الحاجة؛ لأن القاهرة ستدافع عن مصالحها مهما كلف الأمر“.
وأثارت الأخبار الواردة حول وجود تحركات عسكرية لعناصر حوثية باتجاه مضيق باب المندب للسيطرة عليه -بعد الإعلان الدستوري للحوثيين- موجة من القلق بالأوسط المصرية المختلفة، وسط أنباء غير مؤكدة عن إرسال الحوثيين مبعوث لمصر لطمأنتها على عدم غلق باب المندب قبل إعلانهم الدستوري الذي اعتبر انقلابًا كاملًا في اليمن.
وتخشى أوساط شعبية وسياسية مصرية أن تتورط مصر للمرة الثانية في حرب في اليمن للمرة الثانية بعد الحرب التي شارك فيها عام 1962، وكانت سببًا في استنزاف الجيش والتأثير على روحه المعنوية وأدت لهزيمة 67، وكانت أيضًا تدخل ضد شيعة اليمن والحكم الملكي الإمامي، على نحو مشابه من تدخلها الحالي ضد نفس الفصيل السياسي/ الديني اليمني.
فمنذ قرابة خمسة عقود تدخلت مصر في صراع على السلطة في اليمن بقيادة الرئيس السابق جمال عبد الناصر في عام 1962، حيث تدخل الجيش المصري بـ 70 ألف مقاتل لنصرة مشايخ القبائل الذين كانوا على خلاف مع الملك الإمام بدر (شيعية إمامية مثل الحوثيين الحاليين) الذي ورث الحكم من أبيه الذي كان يختلف مع شيوخ القبائل، وكان الموقف المصري يتسق مع موقف الاتحاد السوفيتي تجاه القضية اليمنية.
واستمرّ الصراع لسنوات طويلة تكبد الجيش المصري فيها خسائر كبيرة وضخمة بين صفوفه؛ إذ وصل عدد الضحايا إلى 26 ألف قتيل مصري، وكانت مصر هي الخاسر الأكبر من هذه الحرب، التي أضعفت مصر قبيل نكسة 67 التي تعرضت لها.
ولكن خبراء عسكريين مصريون قالوا إنه لا يوجد نية للتدخل العسكري في اليمن، وإنه لا مخاوف من سيطرة الحوثيين على باب المندب، لا سيما أنه مؤمن دوليًا.
حيث يقول اللواء زكريا حسين، رئيس هيئة البحوث العسكرية، ومدير أكاديمية ناصر العسكرية العليا السابق، إنه لا توجد نية للتدخل العسكري المصري في اليمن ولا استعدادات لمثل تلك الخطوة، وأن هذا خيال لا يمكن تنفيذه على أرض الواقع.
وأكد “حسين” أن مضيق باب المندب مؤمن دوليًا، وأن هناك قوات أمريكية ودولية متمركزة بالقرب من المضيق، وجاهزة للتدخل إذا اقتضى الأمر، كما قال إنه لا أحد يستطيع إغلاق هذا المضيق.
بينما قال اللواء أركان حرب طلعت مسلم، الخبير العسكري والاستراتيجي، إن فرص التدخل المصرية في اليمن تكاد تكون معدومة، وإن إغلاق المضيق درب من الخيال، ولكن في حالة حدوث ذلك ستكون القوات الدولية جاهزة لإعادة فتحه.
وأضاف “مسلم“: علينا أن نسأل أنفسنا؛ هل هذا المضيق مصري أم عربي أم دولي؟ في إشارة إلى أنه في حالة غلق المضيق لن تتضرر مصر وحدها، كما أنه في أسوأ الأحوال سيكون الفعل المصري متناسبًا مع كم التضرر فقط.
مخاوف سعودية
كما أثارت أخبار تحركهم بالقرب من الحدود السعودية لضرب قبائل مأرب، قلق السعودية، ونشرت تقارير يمنية وغربية أن السعودية بدأت تسلح بالفعل قبائل موالية لها عبر حدودها الجنوبية، كما تتجهز مصر بوحدة عسكرية للتدخل إذا لزم الأمر. وقال مسؤولون يمنيون إن السعودية، “ترسل أسلحة وتمويل إلى رجال قبائل في محافظة مأرب لتعزيز قدراتهم في مواجهة الحوثيين“.
وكررت السعودية في الشهور الأخيرة مخاوفها من قبضة الحوثيين على مقاليد الأمور داخل اليمن، لكنها لم تؤكد أو تنفِ تمويلها قبائل يمنية لمحاربة المتمردين الشيعة.
ويذكر أن مأرب من المحافظات ذات الهيمنة السنية، وتقع في منطقة صحراوية على الحدود مع السعودية، حيث ترتبط القبائل بعلاقات وطيدة طويلة الأمد مع السعودية، كما أنها موطن لعدد ملحوظ من أحد فروع القاعدة؛ العدو اللدود للحوثيين.
وعلى مدى عقود، يتلقى زعماء القبائل في مأرب، وأماكن أخرى، مساعدات سخية من الرياض، بل إن بعضهم من الحاملين للجنسية السعودية، ويقول المحلل اليمني ماجد المدهج إن: “مأرب هي قلب القوة القبائلية السنية“.
وقالت صحيفة “فايننشال تايمز” في تقرير نشرته الخميس، إن اليمن ينزلق نحو الحرب الأهلية، بعد أشهر من سيطرة الجماعة الشيعية الحوثية على العاصمة صنعاء، وأشارت إلى تحذيرات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون التي قاله فيها إن: “اليمن ينهار أمام أعيننا، فيما يقف العالم يتفرج“.
وهناك تقارير تشير إلى أن المتمردين المدعومين من إيران توجهوا نحو الأقاليم الجنوبية والشرقية، مما أدى إلى ردة فعل من الجهاديين وزعماء القبائل السنية المدعومة سعوديًا، وزاد في حالة الفوضى قيام تنظيم القاعدة بالسيطرة على قاعدة عسكرية في جنوب البلاد.
ويواجه الحوثيون معارضة من القبائل السنية ومقاتلي القاعدة، وكذلك من الحركات الثورية الشبابية التي ظلت تظاهرتها حتى الآن سلمية، ويضاف إلى هذه العوامل عامل آخر، وهو الحركة الانفصالية الجنوبية، التي تطالب بالانفصال عن الشمال.
وترى “فاينانشال تايمز” أن انهيار السلطة المركزية في اليمن سيؤثر على الاستقرار في اليمن، وكذلك على موقف تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، الذي له وجود في المناطق البعيدة عن المركز.
ويتوقع التقرير أن يتم تهديد ناقلات النفط، التي تنقل يوميًا عبر مضيق باب المندب أربعة ملايين برميل نفط في اليوم لو اندلعت حرب أهلية وولادة دولة فاشلة جديدة مثل الصومال، وإغلاق مضيق باب المندب.
ويرى المحللون أن توسع النزاع في اليمن محتمل؛ فقد شن المعارضون للحوثيين في الأيام القليلة الماضية سلسلة من الهجمات ضدهم في العاصمة، وتعرضت نقاط التفتيش التي أقامها الحوثيون للحرق، مما أدى إلى عمليات انتقالية.
وتختم “فايننشال تايمز” تقريرها بالإشارة إلى انتشار العنف في أنحاء البلاد مع تقدم الحوثيين في المناطق الريفية مثل البيضاء، التي تقع جنوب شرق البلاد، وأعلن الجهاديون يوم الخميس الماضي سيطرتهم على معسكر تابع للفرقة الـ19 في بيهان، التي تبعد 300 كم عن العاصمة، وأعلنت جماعة أنصار الشريعة في اليمن مسؤوليتها عن الهجوم.
/كلمتي/