يرفع الحوثيون منذ ظهور حركتهم في التسعينيات من القرن الماضي شعارا مستفزاً يدعو بالموت لأميركا واسرائيل، ولكن الشواهد خلال السنوات الماضية أظهر ان الولايات المتحدة مهتمة بالتنظيمات الجهادية السلفية/الوهابية في اليمن أكثر من أي شيء آخر.
يدرك الأميركيون أن الحوثيين لم يستهدفوا مصالح أميركية وأنهم يشاركونهم العداء للسنة المتوسعين في المنطقة، وثبتت المعارك التي قادها نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح المعارك ضد الحوثيين أنها أكبر مهدد ومستنزف لموارد وطاقات الدولة أكثر من أي فصيل معارض آخر نشط في اليمن، ما دفع الأميركيون على إيقاف الصراع وحث الحكومة اليمنية على تقبل الحوثيون كممثلين سياسيين وتركيز جهودها لتطهير البلاد من تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
من اين جاء شعار الصرخة؟
نشر مركز الجزيرة العربية للدراسات ملفاً مكتوباً كان يوزعه الحوثي هو وأتباعه على الناس تحت مسمى (لا عذر للجميع أمام الله) حيث يقول الحوثي ( كانت إيران بلداً مليئة بالحوزات العلمية ومليئة بالعلماء تحرك واحد منهم) يقصد الخميني عندما ثار وقال في الفتنة في الحرم ص14 (الإمام الخميني الذي عرف الحج بمعناه.. فوجه الإيرانيين إلى أن يرفعوا شعار البراءة من أمريكا، البراءة من المشركين، البراءة من إسرائيل.... فالإمام الخميني عندما أمرهم أن يرفعوا البراءة من المشركين في الحج.. بداية تحول الحج أن يصبح بالصبغة الإسلامية).
وقال في ملزمة: الصرخة في وجه المستكبرين (الكيان الصهيوني المعتدي المحتل الغدة السرطانية التي شبهها الإمام الخميني -رحمة الله عليه- بأنها غدة سرطانية في جسم الأمة يجب أن تُستأصل).
ويقول (مع أن الإمام الخميني قال قبل عشرين سنة أن أمريكا وإسرائيل تخططان للإستيلاء على الحرمين). الشاهد كثرة إعجابه بالخميني واستشهاده بمواقفه وأقواله.
واستلهم الحوثيين شعار صرختهم الذي اصبح معروفاً بـ"الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل ، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام"، ليصبح شعارهم الرسمي.
وظهر شعار الصرخة علناً لأول مرة في عام 2003م، عندما توجه الرئيس السابق علي عبدالله صالح لأداء صلاة الجمعة بأحد مساجد صعدة، وفوجئ بالمصلين يصرخون الشعار الحوثي فاعتُقل يومها 600 شخص فورا وزج بهم في السجون، لإن المعارضة الحقيقية لم تكن لأميركا بقدر ما كانت ضد علي عبد الله صالح وحكومته.
ولم يكن الخطاب المعادي لأميركا وإسرائيل في المنطقة العربية ككل إلا "شاشة دخان" للتغطية على أهداف أخرى إما لشرعنة نظام دكتاتوري أو معارضته.
أهداف حسين الحوثين الحقيقية وأهداف الحركة التي اتخذت اسمه لم تكن واضحة يومها، من خلال خطبه ومحاضراته، وبدا حسين كأي خطيب جمعة في اليمن والمنطقة العربية، لم يشر إلى الإمامة الزيدية ولا إسقاط النظام ولا عن مشروع سياسي واضح يتجاوز "توعية الأمة عن مؤمرات اليهود".
وكان حسين يخطب عن "عمالة الدول العربية لأميركا واليهود" ولم تكن سوى هجوم على علي عبد الله صالح نفسه.
ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم استخدم الحوثيين شعار "الموت لأمريكا"، ليرددوه في مسيراتهم الاحتجاجية، وقيامهم باقتحام مباني او منازل، او قتل معارضيهم، إضافة إلى الصراخ بها في المساجد لإغضاب مناوئيهم.
هل اتفق الحوثيون وأمريكا؟
مع ظهور أنصار الله "الحوثيين" على الساحة اليمنية وسيطرتهم على المشهد السياسي والميداني، مع إدارتهم للبلاد بصورة غير مباشرة وأحيانا مباشرة وصريحة- برزت في الأفق علاقة جديدة وتنسيق قوى بين الولايات المتحدة الأمريكية والحوثيين، الحاكم الجديد لليمن ومن يتحكمون بزمام الأمور، دون مراعاة لشعار الموت لأمريكا.
وأجرى مسئولون أمريكيون اتصالات مع ممثلين عن المسلحين الحوثيين في اليمن، الذين دفعوا الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى الاستقالة، حسبما أعلن جون كيربي متحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" الشهر الماضي.
وقال جون كيربي: إن هذه "المحادثات" لا تتعلق باتفاق لتقاسم المعلومات الاستخبارية حول القاعدة في اليمن.
وأضاف: "نظراً إلى الفوضى السياسية، من الصواب القول: إن مسئولين حكوميين أمريكيين هم على اتصال مع مختلف الأطراف في اليمن حيث الوضع السياسي متحرك جداً ومعقد جداً".
وأوضح: "من الصحيح القول أيضاً: إن الحوثيين سيكون لهم بالتأكيد أسباب للتحدث مع الشركاء الدوليين ومع الأسرة الدولية عن نواياهم والطريقة التي ستتم فيها العملية".
المصالح تطغى على الأيديولوجيات
فيما يبدو أن شعار "الموت لأمريكا" الذي يرفعه الحوثيون لا يزعج الإدارة الأمريكية التي تدرك جيدا أهمية تقديم المصالح دون مراعاه لشعارات لا تثمن ولا تغني من جوع، وقد تستخدم لكسب النفوذ والرضى الشعبي ليس أكثر من ذلك، فقد جاء اعتراف المتحدث باسم البنتاجون بحوار المسئولين الأمريكيين مع الحوثيين؛ ليؤكد تصريحات مساعد وزير الدفاع الأمريكي لشئون الاستخبارات، مايكل فيكرز، من الشهر ذاته، عن وجود تنسيق قوي بين الحوثيين والأمريكان لا يستبعد أن يكون بدعم ووساطة إيرانية.
وخلال جلسة استضافها "مركز الأطلسي" للأبحاث في العاصمة واشنطن، وردًّا على سؤال عما إن كانت لبلاده "خطوط تنسيق استخباراتية" مع جماعة الحوثي في اليمن، جاءت تصريحات مساعد وزير الدفاع الأمريكي لشئون الاستخبارات بالإيجاب.
وكان هناك تنسيق قوي بين إدارة الرئيس الأمريكي بارك أوباما أن أشار في الماضي، مراراً، إلى ما اعتبره نجاح نموذج تعاون حكومته مع الحكومة اليمنية في مواجهة الإرهاب، أي "تنظيم القاعدة" حصراً من دون الحوثيين. لكن مع انهيار الحكومة اليمنية، حليفة واشنطن، أمام الحوثيين- لم تر إدارة أوباما ضرورة بناء تحالف دولي أو استخدام مقاتلاتها لمصلحة الحكومة الشرعية اليمنية، على غرار ما فعلت الولايات المتحدة دفاعاً عن الحكومة العراقية في وجه تنظيم "الدولة الإسلامية". بل أن واشنطن قطعت صِلاتها بالحكومة اليمنية الشرعية المنهارة، في وقت أكد فيكرز أن العلاقة الاستخباراتية الأمريكية مستمرة مع الحوثيين، في الغالب لمواجهة "تنظيم القاعدة" في اليمن. ولا يبدو أن شعارات الحوثيين القائلة بـ"الموت لأمريكا ولإسرائيل ولليهود" تزعج أوباما أو فريقه.
وكان السفير الأمريكي السابق في اليمن جيرالد فايرستاين كشف في تصريح له عام 2012، أن شعار الحوثيين ليس إلا أقاويل يطلقها اعضاء الجماعة.
وقال "إن الولايات المتحدة لم تقم بإدراج جماعة الحوثي ضمن قائمة المنظمات الإرهابية لأنهم لم يصلوا إلى المرحلة التي توجب اعتبارهم منظمةً إرهابية. مستطرداً بالقول " فإذا ما أضفنا كل من يتفوه بأشياء سخيفة لقائمة الإرهاب، فعندها سيُضاف الكثير من الناس إلى هذه القائمة". مؤكدا أن الولايات المتحدة تحكم على الأفعال وليس على الأقوال."
تحقيق مصالح
الحوثيون عُرفوا بعدم الثبات على مواقفهم، وتغيير تحالفاتهم بحسب ما تقتضيه مصلحتهم، لكن الصحيح أيضاً أنهم استغلوا حالة الإرباك وسوء الإدارة التي تصرّف بها خصومهم، الذين تعاملوا على أساس رد الفعل، وهو أسلوب مرشح للتغيير حال قيامهم بمراجعة سياساتهم وأساليبهم.
واليوم يسعى الحوثيون عبر البوابة الأمريكية من أجل تحقيق مصالحهم بحكم اليمن، أو اليمن الشمالي في ظل سياسة المصلحة أولا، وهو ما وضح من التواصل مع الإدارة الأمريكية
ويرى تشارلز شميتز، وهو خبير في شئون الحوثيين وأستاذ في جامعة توسون، أنهم يختلفون عن جماعة حزب الله اللبنانية المدعومة من إيران والتي تقاتل بنشاط نيابة عن الرئيس السوري بشار الأسد، مشيراً إلى أن تركيز الحوثيين ينصب على الظروف المحلية، وأن جذورهم في اليمن تعود إلى آلاف السنين.
ويضيف شميتز أن الحوثيين أصبحوا العام الماضي القوة العسكرية والوطنية المهيمنة في اليمن نتيجة للتمويل الإيراني، ولكن هذا لا يعني أنهم سيغدون بيدقا في يد إيران.
شواهد على الأرض
يحاول الحوثيين تكذيب تحالفهم مع الولايات المتحدة من خلال تصريحات متكررة عن ان امريكا هي العدو الأول لهم، لكن الشواهد على ارض الواقع تثبت عكس ما يقولونه.
كان الحوثيون إلى ما قبل دخولهم صنعاء يهاجمون الولايات المتحدة ويصفونها بـ"الشيطان الأكبر"، ورغم لقاءات سرية كشفت للرأي العام لعدد من قيادات الحوثيين مع مسؤولين امريكيين، إلا ان الحوثيين كانوا يقولون انها تحركات شخصية لا تعبر عن الجماعة.
لكن بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، ظهر على ارض الواقع تعامل الحوثيين مع امريكا، فالجماعة التي كانت تدعوا إلى طرد السفير الأمريكي واقتحام سفارة الولايات بصنعاء، صارت اليوم هي من تحمي السفارة بمسلحيها، بل وشنت حملات مداهمة واسعة لمن تعتقد انتمائهم لتنظيم القاعدة في محيط السفارة وقامت باعتقالهم.
كما ان سيطرة الحوثيين على صنعاء في 21 سبتمبر من العام المنصرم، أظهرت بلا شك التعاون بين الطرفين، حيث لم تعلن امريكا اغلاق سفارتها او سحب دبلوماسيها، وبقيت السفارة وجميع السفارات الأجنبية مفتوحة.
وحاول الحوثيين تبرير ذلك بقولهم، إنهم يعملون على محاربة عملاء السفارات الاجنبية من اليمنيين، قبل ان تقوم بطرد السفراء الاجانب من البلاد.
وفي حروب الحوثيين التي شنت اخيراً في البيضاء ضد تنظيم القاعدة والقبائل المسلحة، ساعدت الولايات المتحدة الحوثيين باستخدام الطائرات بدون طيار لقصف مسلحي القاعدة والقبائل.
اضف إلى ذلك فقد تزايدت عمليات القصف بالطائرات بدون طيار خلال الاونة الأخيرة، رغم معارضة سابقة للحوثيين لاستخدام الطائرات.
ويبدو أن أمريكا وجدت في الحوثيين الشريك الأفضل والأكثر فاعلية في مواجهة تنظيم القاعدة بالبلاد والقضاء عليه في ظل التجارب السابقة مع النظام الحاكم؛ لذلك أصبح اليوم الحوثيون هم الحصان الرابح في اليمن مع النفوذ المتصاعد بدعم غير مباشر من القوى الإقليمية والدولية، فالقرار في اليمن من خلال الحوثيين وهو ما يعني أن الأمور تشير لمزيد من سيطرة عبد الملك الحوثي، زعيم الحوثيين الرجل القوي في اليمن، ويضمن نفوذ ومصالح الدول الأخرى. ويؤكد أن هناك اتفاقا قد تم بين الحوثيين والإدارة الأمريكية بشأن الملفات المختلفة وفي مقدمتها القاعدة وشكل الدولة.
ولم يكن تصريح الخارجية الأمريكية بشأن اعلان الحوثيين "الاعلان الدستوري" الذي انتزع الحكم من يد الرئيس هادي، واضحا، واكتفت بقولها انها تعتبر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي هو الرئيس الشرعي لليمن، مشددة على أن مستقبل البلاد بيد الشعب اليمني.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الامريكية جين بساكي ان بلادها على اتصال بجميع القيادات السياسية في اليمن، مضيفةً أن "الحوثيين مكون من مكونات الشعب اليمني ولهم الحق في ان يكونوا ضمن السلطة".
وتغيرت اللهجة التي تستخدمها جماعة الحوثي في تصريحاتها، وكان عبدالملك الحوثي في خطابته يتهم صريحاً الولايات المتحدة بمساعدة القاعدة في التوسع بالبلاد، وادخال اليمن في الفوضى.
وفي اخر خطاب له يوم الجمعة الماضية، لم يتحدث الحوثي عن امريكا ولم يذكرها في خطابه، واكتفى بالقول ان القاعدة صنيعة استخبارات اجنبية.