الرئيسية > اخبار وتقارير > الخطف والاحتجاز بالسياسة الإيرانية.. ابتزاز دولي وتغييب داخلي

الخطف والاحتجاز بالسياسة الإيرانية.. ابتزاز دولي وتغييب داخلي

ما بين خطابٍ يبدو "معتدلاً"، وعمليات خطف تمارسها إيران مع العالم الخارجي، تتبين حالة التخبط الداخلي الذي يعاني منه النظام، كاشفاً عن مغزى عمليات الخطف التي لا تعدو كونها خطاً مصطنعاً موجهاً للاستهلاك المحلي ليس أكثر.

تأتي الولايات المتحدة الأمريكية على رأس الدول المتعرضة للتحرش الإيراني بحق رعاياها، وجددت الخارجية الأمريكية دعوتها في 28 أبريل/نيسان الجاري، إيران إلى إطلاق سراح جميع الأمريكيين المحتجزين لديها "على الفور"، معربة في الوقت نفسه عن "شديد قلقها" من اختفاء أمريكيين في إيران؛ من بينهم المواطن الأمريكي سياماك نامازي، والذي تم اعتقاله في إيران منذ أكتوبر/تشرين الأول 2015، وأبيه باقر نامازي، البالغ من العمر 81 عاماً، منذ فبراير/شباط 2016، بحسب بيان الخارجية.

الخبير في الشؤون الدولية والاستراتيجية، أنس القصاص، أشار في حديث لـ"الخليج أونلاين" إلى أن "الأحداث التي تلت الثورة الإيرانية أثرت في مسار ومسيرة سياسة الجمهورية الإسلامية منذ تأسيسيها حتى الآن، وفي القلب من هذه الأحداث حادث احتجاز رهائن السفارة الأمريكية في طهران (عام 1979)".

القصاص أضاف قائلاً: إن "هذه الحادثة أثبتت للشباب الثائر عدة حقائق؛ من بينها أن النظام الدولي لا يساعد سوى أولئك الذين يساعدون أنفسهم؛ وهو ما دفعهم إلى الضغط على قوة عظمى كالولايات المتحدة بسلوكيات تتناقض مع مسلمات الدبلوماسية الدولية".

وأكد القصاص أن "السياسة الإيرانية بعد هذه الأحداث شقت مسيرة هجينة تضغط تارة عبر قنوات الشرعية الدولية، وأحياناً أخرى عبر استعراض القوى، أيهما أقرب نفعاً، ولنا في الحوادث المتكررة في الخليج وغيره خير مثال"، وأن "هذه السلوكيات الإيرانية، إضافة إلى نبذ المنظومة الدولية لطهران لعقود طويلة، شجعا السياسة الإيرانية نحو مزيد من السلوك البراغماتي عن طريق تبني سياسات شفير الهاوية بمترادفاتها كافة".

- حوادث سابقة

وفي 12 يناير/كانون الثاني 2016، احتجزت طهران زورقَين أمريكيين على متنهما 10 بحارة أمريكيين، كانوا في رحلة بين الكويت والبحرين، ثم تم الإفراج عن البحارة في غضون 24 ساعة.

عام 2007، اختتطفت طهران قاربَين مطاطيين في مياه الخليج العربي، حيث تكرر الأمر نفسه، وتم إطلاق سراح الزورقين بعد ثمانٍ وأربعين ساعة فقط.

وفي أبريل/نيسان 2017، أيدت محكمة الاستئناف الإيرانية عقوبة السجن لمدة خمس سنوات على الصحفية البريطانية من أصل إيراني، نزانين زغاري راتكليف، بتهمة المشاركة في تظاهرات معادية للنظام خلال عام 2009، وهو ما نفته الصحفية البريطانية.

ورفعت عائلة عميل وكالة المباحث الاتحادية السابق روبرت ليفنسون، في مارس/آذار 2017، دعوى أمام محكمة في واشنطن ضد الحكومة الإيرانية تتهمها فيها باختطافه وتعذيبه، والذي اختفى خلال زيارة لإيران في مارس/آذار 2007.

ورغم إنكار طهران معرفتها بمصير المواطن الأمريكي في بداية الأمر، إلا أن تلفزيونها الرسمي أعلن بعد ثلاثة أسابيع من اختفائه أنه معتقل لدى السلطات بدعوى التجسس.

وفي يناير/كانون الثاني 2017، كشف المعارض الإيراني أبو الحسن مجتهد زاده، الذي كان ممثلاً للمعارضة الإيرانية في تركيا قصة اختطافه على يد السفير الإيراني في إسطنبول عام1988، والتي حدثت بعد عشرة أيام فقط من مجزرة السجناء السياسيين التي راح ضحيتها ثلاثون ألف بريء في سجون نظام الملالي، حسبما ذكرت قناة الإخبارية السعودية.

ومع تكرار تلك الحوادث، يشير المحلل السياسي، الصغير سلّام، إلى أن إيران تعيش حالة من عدم الاتزان داخل أركان حكمها، خاصة بين ما يعرف بـ"الصقور" و"الحمائم"، وإن كان هذا التقسيم "يختفي في كثير من الأحيان ويتبناها التياران مع بعضهما في حال بُعد مؤسسة الملالي أو الحرس الثوري عن الواجهة"، وفق ما نقل عنه موقع العين الإخباري في يناير/كانون الثاني 2016.

سلام أشار إلى أن الخطاب المعتدل الإيراني "لم ينجح في الاستمرار، بل موقف اعتقال البحارة كشف النقاب عن طبيعة النهج المتشدد الذي تتبعه طهران في سياستها العدوانية، وهو ما بدا ممَّا قاله قائد الجيش الإيراني، حسن فيروز آبادي، بعد حادثة اختطاف البحارة الأمريكيين بأنها "درس" لأعضاء الكونغرس المعادين لإيران".

وبالعودة لتاريخ سياسة الخطف والاحتجاز بالاستراتيجية الإيرانية، فقد شهدت بداية تأسيس أركان حكم الملالي وبين 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1979 حتى يناير/كانون الثاني 1981، وقوع ما يعرف بأزمة رهائن إيران، وهي أزمة دبلوماسية حدثت بين إيران والولايات المتحدة عندما اقتحمت مجموعة من الطلاب الإيرانيين السفارة الأمريكية دعماً للثورة الإيرانية واحتجزوا 52 مواطناً أمريكياً لمدة 444 يوماً.

وبعد فشل محاولات الولايات المتحدة للتفاوض على إطلاق سراح الرهائن قامت الولايات المتحدة بعملية عسكرية لإنقاذهم في 24 أبريل/نيسان 1980، ولكنها فشلت وأدت إلى تدمير طائرتين ومقتل ثمانية جنود أمريكيين وإيراني مدني واحد. وانتهت الأزمة بالتوقيع على اتفاقات الجزائر يوم 19 يناير/كانون الثاني 1981. وأفرج عن الرهائن رسمياً في اليوم التالي، بعد دقائق من أداء الرئيس الأمريكي الجديد، رونالد ريغان، اليمين.

وُصفت الأزمة بأنها حادثة محورية في تاريخ العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، ويعتقد بعض المحللين السياسيين أن الأزمة كانت سبباً في هزيمة الرئيس الأمريكي، جيمي كارتر، في الانتخابات الرئاسية.

وفي إيران عززت الأزمة من وضع الخميني، وكانت أيضاً بداية فرض عقوبات اقتصادية أمريكية على إيران.

- "حيل خبيثة" بالمياه الإقليمية

واعتادت طهران رفع شعار الدفاع عن المياه الإقليمية وسيادتها الإقليمية لتكون سبباً وجيهاً في الاعتقال، غير أن الواقع يوصفه بأنه "حيل خبيثة" تصطنعها المؤسسة العسكرية والحرس الثوري لإحداث تشتيت للرأي العام عن بعض الأزمات الداخلية، حسبما أشار سلام.

يستكمل القصاص حديثه لـ"الخليج أونلاين" مقدماً وصفة تُظهر نية "غير استعراضية" لا تتجرأ إيران على تنفيذها، بقوله: "لو كان لنا من لقطة نموذجية للسياسات الإيرانية، فهي في نمط مواجهة حاملات الطائرات الأمريكية في مياه الخليج العربي، عن طريق قوارب ولانشات بحرية الحرس الثوري التي تقوم بالاقتراب من تلك الحاملات، لدرجة تتسبب في حرج لقيادة هذه الوحدات البحرية الضخمة، واضطرارها لأحد خيارين إما مواجهة هذه اللانشات وتصفيتها وإشعال مواجهات مفتوحة مع طهران، أو الانسحاب من مواقع تمركز بحرية الحرس الثوري".

واختتم القصاص تصريحه لـ"الخليج أونلاين" بالقول: "باختصار إيران تنظر للمنظومة الدولية الحالية بمنظور شديد الواقعية، ترتكز في رؤيتها تلك على القوة ومراكمتها طريقاً نحو المكانة الدولية".

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)