أعلنت الحكومة الشرعية في اليمن أخيراً استعدادها لصرف رواتب موظفي الدولة في كل المحافظات اليمنية، بما فيها المحافظات الواقعة تحت سيطرة الميليشيات الحوثية، بعد حل مشكلة السيولة النقدية واستلام البنك المركزي في مدينة عدن 200 مليار ريال يمني، كدفعة أولى من أصل 400 مليار ريال تمت طباعتها في روسيا.
وتؤكد مصادر سياسية يمنية أن تسلّم هذه الأموال جاء بعد ترتيبات وتفاهمات توصلت إليها الحكومة اليمنية مع البنك وصندوق النقد الدوليين، وفي رعاية الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وبريطانيا، وقالت المصادر لـ «الحياة» أن الحكومة التزمت مقابل ذلك بصرف رواتب موظفي الدولة في كل مناطق اليمن، وعدم استخدام هذه الأموال للأغراض العسكرية.
بيد أن الاشتراطات والإجراءات القانونية التي أعلنت عنها الحكومة اليمنية المدعومة للبدء بعملية الصرف، ستواجه، وفق توقعات الكثير من المصادر، بالرفض من جانب ميليشيات الحوثي وحليفها الرئيس السابق علي صالح، الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى عرقلة جهود الحكومة الرامية إلى صرف الرواتب، وفي أحسن الأحوال تأخرها.
وتشترط الحكومة على لسان رئيسها أحمد عبيد بن دغر «رفع يد الميليشيات الانقلابية عن الموارد الوطنية، والسماح لهذه الموارد بالانسياب إلى البنك المركزي، وفرعه في صنعاء، وعدم التدخل في شؤونه»، وأكد بن دغر أن الحكومة وبعد ترتيبات ناجحة مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، «ستبدأ بصرف الرواتب لكل الموظفين دون استثناء، وستلتزم بالموازنات التشغيلية في الصحة والتعليم والمياه والكهرباء والنظافة وغيرها من الخدمات».
وقال رئيس الحكومة أن «الإدارة المالية الموحدة للبلاد ضرورة وطنية تعلو فوق كل اختلاف»، مشيراً إلى أن التوجيهات صدرت «للبدء الفوري بربط جميع مؤسسات الدولة المدنية بالبنك المركزي في كل أنحاء البلاد، كما وجهت وزارة المالية ومحافظ البنك المركزي ومركزه عدن بصرف الرواتب لجميع مرافق الدولة استناداً إلى موازنة 2014، وابتداء من شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي».
وفي السياق ذاته، أصدرت وزارة الخدمة المدنية والتأمينات تعميماً لجميع الوزراء ومحافظي المحافظات بسرعة موافاة الخدمة المدنية بكشوفات الرواتب لشهر كانون الأول 2016 للوحدات والمؤسسات والهيئات التابعة كافة وفقاً لكشوفات رواتب الشهر ذاته من عام 2014.
وأكد نائب رئيس الوزراء وزير الخدمة المدنية عبدالعزيز جباري «أن صرف رواتب الموظفين في العاصمة صنعاء، والمحافظات التي تسيطر عليها الميليشيات الانقلابية، مرهون بتسليم كشوفات الرواتب»، وأشار جباري إلى أنه لن يتم تسليم رواتب الموظفين باختلاف مستوياتهم المعينين من الميليشيات الانقلابية لعدم قانونية توظيفهم، ونفى جباري القيام بصرف رواتب الأشهر الأخرى المتأخرة، وقال: «الحوثيين نهبوا البنك المركزي وعليهم تسليم تلك الرواتب».
وعلى رغم مرور أكثر أسبوع على مطالبة الحكومة بموافاتها بكشوفات الرواتب، إلا أن تحالف الانقلاب في صنعاء (الحوثي - صالح)، لم يتفاعل مع هذه الدعوة، وأكدت مصادر مقربة من المجلس السياسي وهو أعلى سلطة مشكلة من جانب الانقلابيين، عدم اتخاذ أي إجراءات عملية لجهة توفير الكشوفات وإرسالها إلى الحكومة في العاصمة الموقتة عدن.
وقالت المصادر لـ «الحياة» أن المجلس السياسي «ليس لديه علم بمضمون التفاهمات التي تمت مع البنك وصندوق النقد الدوليين في رعاية أميركا وروسيا وبريطانيا»، وأشارت المصادر إلى أن ممثلي صالح والمؤتمر الشعبي العام في المجلس، «غير مطلعين على أي تفاصيل بهذا الخصوص، ويعتقدون أن شركاءهم الحوثيين شاركوا في هذه الترتيبات أو على الأقل لديهم تفاصيلها، لكنهم يتكتمون عليها، ولم يكشفوها لممثلي صالح وحزب المؤتمر».
وأوضحت المصادر ذاتها أن أعضاء في المجلس السياسي حاولوا طرح موضوع الرواتب مع قيادات تابعة لميليشيات الحوثي، وحضّها على التعامل الإيجابي مع هذه الخطوة، لتجاوز مشكلة الرواتب والتخفيف من الأعباء المعيشية التي تثقل كاهل موظفي الدولة، إلا أن تلك القيادات رفضت التعاطي مع هذه القضية أو حتى مناقشتها.
وتعتقد مصادر متطابقة أن ميليشيات الحوثي تسعى إلى إقناع البنك والصندوق الدوليين، بسحب بقية الأموال المطبوعة في روسيا والمقدرة بـ200 مليار ريال، أسوة بالحكومة الشرعية، وأنها ستلتزم بصرف رواتب الموظفين في المناطق اليمنية الخاضعة لسيطرتها، وعدم إنفاق هذه الأموال لتمويل المواجهات المسلحة التي تخوضها مع القوات الداعمة الشرعية، غير أن هذه المساعي وفقاً للمصادر التي تحدثت إلى «الحياة»، باءت بالفشل. مصادر اقتصادية يمنية تتوقع عدم تفاعل الميليشيات الحوثية مع جهود الحكومة الشرعية الساعية إلى صرف الرواتب في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وتقول المصادر التي تحدثت إلى «الحياة» أن «مطالبة الحكومة برفع يد الميليشيات عن الإيرادات، وعدم التدخل في إدارة البنك المركزي وأعماله في صنعاء، وتوحيد العمل المصرفي، أمور مهمة ومنطقية، لأنه من غير المعقول صرف الرواتب من البنك المركزي في محافظة عدن، والإيرادات العامة في مناطق سيطرة الميليشيات تنهب ولا تورد للبنك».
وترى المصادر أن موضوع «الإيرادات، والالتزام بكشوفات الرواتب التي كانت معتمدة في شهر كانون الأول 2014، تمثلان أهم عقبتين أمام صرف رواتب موظفي الدولة في المحافظات والمناطق التي يسيطر عليها تحالف الانقلابيين، لأن هذا التحالف لن يقبل بهما على الإطلاق، بخاصة ميليشيات الحوثي، لأنها تعتمد في تمويل حروبها على هذه الإيرادات، وستعجز – في حال التخلي عن الإيرادات - عن صرف مستحقات المجاميع التي قامت بتوظيفها خلال العامين الماضيين، سواء في الجهاز الإداري للدولة، أو في مؤسستي الجيش والأمن وبأعداد كبيرة جداً».
ولفتت المصادر إلى الأوضاع التي كانت سائدة في محافظة صعدة، قبل خروج الحوثيين منها عام 2014، وقالت: «عندما كانت محافظة صعدة تحت سيطرة الميليشيات، ظلت الزكاة وإيرادات الضرائب والجمارك وغيرها من الموارد بأيديهم، في الوقت الذي كانت الدولة تقوم بواجباتها في دفع رواتب الموظفين، وتحول بجميع النفقات التشغيلية للسلطة المحلية التي كانت بأيديهم أيضاً».
ودعا محاسبون في عدد من المؤسسات اليمنية حكومة الدكتور أحمد بن دغر إلى البحث عن بدائل مناسبة تمكن الحكومة من صرف رواتب الموظفين مدنيين وعسكريين في المدن والمناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيات، وعدم الاكتفاء بالمطالبات أو انتظار الكشوفات التي من المفترض أن ترسلها قيادات الميليشيات إلى عدن، لأن ذلك لن يحدث.
وقال المحاسبون في أحاديث إلى «الحياة»، إذا كانت الحكومة الشرعية «جادة في صرف الرواتب، وتستشعر مسؤوليتها تجاه موظفي الدولة، وما يعانونه نتيجة تأخر صرف رواتبهم، فلن تعدم الوسيلة في الحصول على الكشوفات المطلوبة وبأي طريقة كانت»، مشيرين إلى أن الحكومة تستطيع «التواصل مع وزراء ورؤساء المؤسسات والمصالح الحكومية الذين كانوا معينين من جانب السلطات الشرعية، قبل اجتياح الميليشيات العاصمة صنعاء وبقية المحافظات الواقعة تحت أيديهم، وطلب الكشوفات من هذه القيادات، أو الحصول عليها من خلال وزارة المالية في صنعاء ومكاتبها في المحافظات، بالتواصل والتنسيق مع بعض الموظفين المختصين فيها، أو إلزام المصارف والبنوك التجارية بموافاة الحكومة بكشوفات وأرقام حسابات موظفي الجهات التي كانت تصرف رواتب موظفيها من طريق تلك البنوك».
ويرى حقوقيون وسياسيون يمنيون أن نجاح الحكومة الشرعية في صرف رواتب موظفي الدولة وضخها إلى الحسابات البنكية للموظفين، وعبر البريد وشركات الصرافة لمن ليس لديهم حسابات في البنوك والمصارف، من شأنه أن يسحب البساط من تحت أقدام الميليشيات، ويبطل مفعول آخر أوراق الضغط التي تستخدمها لإرهاب الموظفين، وإجبارهم على العمل معها، أو إلغاء أرقامهم الوظيفية وتوظيف بدلاء عنهم.
وأكد حقوقيون وسياسيون في أحاديث إلى «الحياة» أن مثل خطوة كهذه «تعكس جدية الحكومة، وتبعث رسائل تطمين إلى الموظفين في كل مرافق الدولة، مفادها أن رواتبهم وأرقامهم الوظيفية مصانة، وغير معرضة للقرصنة من جانب قيادات الميليشيات، في حال رفضهم مزاولة الأعمال والمهمات غير القانونية، أو تنظيم الإضرابات والاعتصامات، بالتالي فإن قيام الحوثيين بتهديد الموظفين بالطرد من أعمالهم واستبدالهم بآخرين ستفقد قيمتها».
وأشار الحقوقيون والسياسيون إلى ما حدث مع بعض المعلمات اللاتي أضربن عن العمل للمطالبة بصرف رواتبهن، وتم سحب أرقامهن الوظيفية من جانب المشرفين الحوثيين واستبدالهن بأخريات، وهو ما دفع كل موظفي الدولة للرضوخ للأمر الواقع، وعدم المطالبة بحقوقهم المالية وفي مقدمها الرواتب، حتى لا يتعرضوا للفصل من وظائفهم وأعمالهم، بخاصة أن أي محاولة للمطالبة بتلك الحقوق كانت تواجه بعنف شديد ويتهم من يطالبون بها بالخيانة الوطنية، بالتالي يستحق العقاب بالفصل من الوظيفة.