تستمرّ معاناة غالبيّة طلّاب اليمن المبتعثين للدراسة في عدد من دول العالم، بعد أشهر من توقّف تحويل مستحقّاتهم الماليّة، رغم أنّ اللّجنة الوزاريّة المكلّفة بإيجاد حلول لهم، قد بدأت فعليّاً بتسليم مستحقات بعض الطلّاب في عدد من الدول، وإن لم تنتهِ المشاكل والمعوقات التي تؤدي إلى تأخير صرفها لآخرين.
يعيش الطالب عثمان وأسرته في المغرب، التي قصدها لإتمام دراسة الدكتوراه في كليّة الحقوق في جامعة عبد المالك السعدي في طنجة، وقد حصل قبل عامين على منحة تبادل ثقافي من قبل وزارة الخدمة المدنيّة. لكن منذ صدور قرار الإجازة الدراسيّة في نهاية ديسمبر/ كانون الأول في عام 2015، لم يحصل على مستحقّاته المالية. يقول لـ "العربي الجديد": "نفّذنا وقفات احتجاجيّة واعتصامات عدّة، ولم نحصل إلا على وعود من قبل وزارة التعليم العالي"، مشيراً إلى أنّ طلاب التبادل الثقافي هم أكثر المتضرّرين، كونهم لم يحصلوا على حقوقهم حتى الآن، على غرار آخرين.
وعن الحالة المعيشيّة، يقول عثمان: "وضعي المالي والنفسي سيّىء للغاية. أنا طالب دكتوراه ولا أستطيع شراء كتاب واحد. وما استدنته بالكاد يكفي لتوفير الطعام لي ولأسرتي المكوّنة من خمسة أشخاص". ويلفت إلى أنّ الأمل الوحيد هو أن تسلّم الحكومة الشرعية في عدن مستحقّات الطلاب اليمنيّين في الخارج كما وعدت.
في السياق نفسه، اعتصم طلاب يمنيّون في العاصمة الباكستانية إسلام آباد، داخل سفارة بلادهم، للمطالبة بالحصول على مستحقّاتهم المالية، الأمر الذي دفع بالسفارة إلى الاستعانة بالشرطة الباكستانية لإخراجهم منها. ويؤكّد الرئيس السابق لاتّحاد الطلّاب في باكستان، سياف عامر، أن الطلاب يدرسون الخطوات المقبلة للمطالبة بحقوقهم، بعدما استجابوا لدعوات وزارة الخارجية بتعليق الإعتصام لفترة محدودة. ويضيف لـ "العربي الجديد": "يعاني الطلاب في هذا البلد من مشاكل كثيرة، أهمّها تأخّر المستحقات المالية لمدة تزيد عن سبعة أشهر، بالإضافة إلى مشكلة الرسوم الدراسيّة التي يدفعها الطلاب من جيوبهم، والتي تتراوح ما بين 1200 و1800 دولار سنوي. ويلفت إلى أنّ الطلاب كانوا على تواصل مستمرّ مع السفارة لمتابعة مشاكلهم، وقد أبلغوها قبل نحو أسبوعين بأنهم ينوون الاعتصام بهدف الضغط على الحكومة لصرف مستحقاتهم. إلّا أن السفارة لجأت إلى الاستعانة بالشرطة الباكستانيّة لفض الاعتصام، وقد اقتيد بعض الطلاب إلى السجن للتحقيق معهم.
ويشير عامر إلى أنّ عدد الطلاب اليمنيّين في باكستان هو 246 طالباً، من بينهم 92 طالباً يتلقون مساعدات مالية من الحكومة، فيما يدرس البقيّة على نفقتهم الخاصة. ويوضح أنّ "إهمال الحكومة لمناشدات الطلاب المستمرة أدى إلى تدهور أوضاعهم الدراسية والنفسية والمادية"، مضيفاً أن "باكستان بلد يقطنه 200 مليون نسمة، ما يجعل الحصول على فرص عمل أمر شبه معدوم".
حل جزئي
وعن وضع طلاب اليمن في الخارج، يؤكّد طالب الدكتوراه في جامعة الإسكندريّة، وعضو اللّجنة التنسيقيّة لطلاب اليمن في الخارج، علي البطاح، أنّ مشكلة تحويل المستحقّات المالية للطلاب اليمنيين في الخارج ما زالت قائمة، رغم تشكيل لجنة وزاريّة لمعالجتها. ويوضح أنّ معالجة مشاكل الطلاب في الخارج بطيئة، ما اضطرهم للاعتصام في دول عدة تلبية لدعوة اللجنة التنسيقية لطلاب اليمن في الخارج. ويقول لـ "العربي الجديد": "من المؤسف أيضاً أن الحكومة عاجزة حتى اليوم عن إيجاد حل جذري لهذه المشكلة، وصرف مستحقات الربع الرابع من العام 2016، وقد حل موعد الحصول على مستحقات الربع الأول".
ويؤكّد البطاح أنّ مشكلة صرف مستحقات الطلاب حُلت جزئياً في خمس دول فقط، هي ألمانيا وماليزيا وروسيا والأردن، علماً بأنه بدأ الصرف في مصر، موضحاً أن الأمر محصور بموفدي التعليم العالي، في وقت ما زال فيه موفدو الجامعات اليمنية ووزارات الصحة والداخلية والدفاع والثقافة والتعليم الفني من دون مستحقات. أما باقي دول الابتعاث، على غرار المغرب والهند وتركيا والصين وباكستان وغيرها، فلم يحصل طلابها المبتعثون فيها بعد على مستحقّاتهم.
إلى ذلك، لا تقتصر مشاكل الطلاب اليمنيّين في الخارج على عدم صرف مستحقّاتهم المالية. ويوضح البطاح أنّهم يواجهون مشاكل أخرى منها الرسوم الدراسيّة التي لم تستطع الحكومة حتى اليوم البت فيها، علماً بأن الفصل الدراسي الأول قارب على الانتهاء، مما سيحرج الطلاب مع جامعاتهم ويهددهم بالطرد. ويضيف أنّ "المشكلة الأخرى هي أن موفدي التبادل الثقافي لم يحصلوا على أية مستحقات منذ عام، ولم تنجح الحكومة في حل مشاكلهم رغم الوعود المتكرّرة".
ويطالب البطاح اللّجنة الوزاريّة المكلّفة بمعالجة مشاكل الطلّاب في الخارج وإيجاد حلول سريعة تتناسب وحجم معاناتهم، إذ أن المشكلة تتفاقم، والطلاب لا يجدون ما يسدّ رمقهم. كما أن معضلة الرسوم الدراسيّة ما زالت تؤرّق الجميع".
إنجاز
وكانت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة المالية قد تنصّلتا من مسؤوليتهما بتسليم المستحقات المالية للطلاب، ما دفع الحكومة الشرعية في عدن إلى تولي الأمر.
ويوضح نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية ورئيس اللجنة الوزارية لمعالجة أوضاع الطلاب المبتعثين في الخارج، عبد الملك المخلافي، أن جماعة أنصار الله (الحوثيين) توقفت عن دفع رواتب موظفي الحكومة في الداخل، وعجزت عن تحويل مخصصات الطلاب في الخارج للعام 2016 قبل أن تنقل الحكومة الشرعية البنك المركزي إلى مدينة عدن. ويضيف لـ "العربي الجديد" أن الطلاب بدأوا الاعتصام أمام السفارات اليمنيّة في الخارج، وقد أمر بعدم الصدام معهم واحتوائهم والحوار معهم.
ويوضح المخلافي أنّ قضايا المساعدات الماليّة تقع ضمن مسؤولية وزارتي التعليم العالي والمالية اللتين تعملان من خلال ملحقين ثقافي ومالي، مؤكداً أن علاقة الخارجية بهما هدفها "التنسيق". مع ذلك، وبهدف التخفيف من معاناة الطلاب، طرحت القضية على رئاسة الجمهورية لإعطائهم الأولويّة. ويؤكّد أن الحكومة أعطت الأولوية لمعالجة المشاكل المالية التي يعاني منها الطلاب في الخارج، رغم أنه لم تصرف رواتب الدبلوماسيين منذ الربع الثالث من العام الماضي.
ويضيف المخلافي أنّ وزارتي الماليّة والتعليم العالي وضعتا خطّة للصرف من خلال لجان، بدءاً من الدول التي تضم أكبر عدد من الطلاب اليمنيين، وهي ماليزيا وروسيا وألمانيا ثم مصر والأردن، لافتاً إلى أنّ مستحقاتهم صرفت فعلاً. وفي حال برزت قضايا مماثلة لطلاب مبتعثين من بعض الجهات غير وزارة التعليم العالي، فستجري معالجتها. ويلفت إلى أنّ عمليّة صرف مستحقات الطلاب في الخارج تعدّ أول عمل تقوم به الوزارات التي تقودها الشرعية من عدن. كما أن الطلاب يُعتبرون أول جهة مدنية تولت الحكومة مسؤوليتها من الناحية المالية، رغم أن الالتزامات المالية الخاصة بالطلاب كبيرة، والوضع المالي للحكومة ومواردها والبنك المركزي لم تستقر بعد.
ويتحدّث عن الوضع في بقية البلدان، لافتاً إلى أنه "يفترض مواصلة صرف المستحقات في جميع البلدان المتبقية من دون استثناء، إلا أن المالية لم تقم بذلك لعدم وجود موارد. مع ذلك، "تابعت صرف المستحقات في بقية البلدان". ويختم المخلافي حديثه قائلاً إن الوضع في اليمن "ليس طبيعياً، وإن اليمنيين لم يحصلوا على رواتبهم حتى اليوم. لذلك، يرى أن إعطاء الأولوية للطلاب إنجاز كبير يجب أن يكون محل تقدير". ويتوجه إلى الطلاب الذين لم يحصلوا على مستحقاتهم حتى اليوم، قائلاً إن "المعاملة جارية لتحويل المستحقات لطلاب التعليم العالي. وبالنسبة للقطاعات الأخرى، فإنه في طور المعالجة".
ويبلغ عدد الطلاب المبتعثين في الخارج 5342 طالباَ وطالبة بحسب إحصائية لوزارة التعليم العالي الخاضعة للحوثيين في صنعاء، قبل سحب المنح من مئات الطلاب في الربع الثالث من دون مبرر قانوني، ما أدى إلى موجة من الاحتجاجات. أما الطلاب المبتعثون من مؤسسات حكومية أخرى، فلا يعرف عددهم.