الرئيسية > اخبار وتقارير > إيران والقاعدة .. «براغماتية» المصالح المعمدة بدماء الأبرياء

إيران والقاعدة .. «براغماتية» المصالح المعمدة بدماء الأبرياء

إيران والقاعدة .. «براغماتية» المصالح المعمدة بدماء الأبرياء

ظلت علاقة تنظيم القاعدة بإيران محل كثير من الكتابات والتوثيق، نظراً للخلاف العقدي والفكري بين الطرفين، ولكن مع ذلك كانت هناك الكثير من الشواهد على العلاقة البراغماتية (النفعية) التي تجمعهما، والتي كان آخرها إعلان الولايات المتحدة، الأسبوع الماضي، فرض عقوبات على ثلاثة مسؤولين في «القاعدة» يتخذون من إيران مقراً لهم ويشتبه في تقديمهم الدعم «المالي واللوجيستي» للتنظيم، ونقل «المال والسلاح» في الشرق الأوسط وفي باكستان، ما فتح الباب مجدداً للحديث عن العلاقة بين الطرفين، والتي بدأت منذ اجتياح الولايات المتحدة لأفغانستان ولجوء بعض قادة التنظيم إلى إيران، مروراً بأيام العلاقة بينهما أثناء غزو العراق، والتي كشفتها رسائل الظواهري إلى أبو مصعب الزرقاوي قائد التنظيم في العراق، إضافة إلى ما كشفته الوثائق التي أفرجت عنها واشنطن مؤخراً، بعد أن عثرت عليها في منزل زعيم التنظيم أسامة بن لادن بعد مقتله في «أبوت آباد» في باكستان.
لكن يظل قرار فرض وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على قيادات من القاعدة مقيمين في إيران هو الأبرز، لجهة الكشف عن هذه العلاقة المريبة بين «القاعدة» وإيران، خاصة أن الشخصيات التي فرضت عليها العقوبات تمثل الجيل الثاني من قيادات التنظيم، وهو ما يوضح بجلاء أن إيران تستخدم القاعدة إلى اليوم كورقة لخلط الحسابات السياسية في الشرق الأوسط، وبطاقة ضغط على الولايات المتحدة ودول المنطقة.
كانت الولايات المتحدة فرضت الأسبوع الماضي عقوبات على 3 مسؤولين في التنظيم يتخذون من إيران مقراً لهم. وبحسب بيان صدر عن وزارة الخزانة الأمريكية، فإن هؤلاء القياديين مسؤولون عن تحويل الأموال وتنظيم حركة المتطرفين من دول آسيا الجنوبية إلى الشرق الأوسط.

والأشخاص الثلاثة الذين شملهم القرار، هم: السعودي فيصل جاسم محمد العمري الخالدي، والمصري محمد إبراهيم بيومي، والباكستاني أبو بكر محمد محمد غمين.
قاد العمري(31 عاماً) كتيبة تابعة للقاعدة، وعمل رئيساً للجنة العسكرية للتنظيم في مايو/‏‏‏أيار 2015، وكان همزة وصل منذ 2011، بين مجلس الشورى في «القاعدة» وفرع حركة «طالبان باكستان»، ووصفت الخزانة الأمريكية العمري بأنه «أحد عناصر الجيل الجديد» من أعضاء القاعدة.
أما المصري محمد إبراهيم بيومي (48 عاماً)، فهو عضو في تنظيم «القاعدة» منذ العام 2006، ويعيش في إيران منذ العام 2014. وقال بيان الخزانة الأمريكية إنه كان لبيومي، منذ منتصف العام 2015، دور في إطلاق سراح عناصر من القاعدة في إيران، وفي بداية العام 2015 كان وسيطاً مع السلطات الإيرانية، وقبل عام من ذلك جمع تبرعات للتنظيم، وأرسل هذه الأموال إلى تنظيم «جبهة النصرة» فرع «القاعدة» في سوريا.
وقال البيان عن الباكستاني غمين، إنه «مسؤول عن التمويل والأمور التنظيمية لعناصر القاعدة الموجودين في إيران، وقبل انتقاله إلى إيران، من وزيرستان في باكستان، كان يعمل ضمن جهاز الاستخبارات التابع للقاعدة».

علاقة قديمة

تعود تفاصيل إنشاء المجلس المركزي للقاعدة في إيران إلى أواخر عام 2001، عندما لجأ إليها كثير من قيادات التنظيم إثر انهيار نظام طالبان في أفغانستان مع بدء الغزو الأمريكي للأخيرة، بحسب تقرير لمجلة «فورين أفيرز» الأمريكية.

وحينما كانت القوات الأمريكية وحلفاؤها من قوات التحالف الشمالي الأفغاني في طريقها إلى كابول في الأشهر الأخيرة من ذلك العام لإطاحة حكومة طالبان، اختارت الحكومة الإيرانية بقيادة الرئيس محمد خاتمي آنذاك أن تدعم التحالف. لكن المرشد الإيراني علي خامنئي كان قلقاً من وجود قوات أمريكية على حدود بلاده الشرقية، وأرسل مبعوثين إيرانيين إلى قندهار، معقل طالبان آنذاك، لفتح قناة اتصال، وتقديم بعض الدعم. لكن الوقت كان متأخراً، فلم تكن طالبان بحاجة إلى الأسلحة أو المال، ولكن إلى وسيلة آمنة للخروج من أفغانستان، ووافقت إيران على أن توفر لهم ذلك.

توجه زعيم التنظيم السابق أسامة بن لادن والزعيم الحالي أيمن الظواهري شرقاً إلى باكستان، في حين توجه العديد من قيادات التنظيم مع أسرهم غرباً، إلى إيران. ومن بين من توجهوا إلى إيران أسرة أسامة بن لادن، ومسؤول الأمن في التنظيم سيف العدل، وكذلك ياسين السوري، الذي كان يعرف بأنه مسؤول الإمدادات والتجنيد في التنظيم، ومحمد المصري الذي كان أحد مخططي الهجمات على السفارتين الأمريكيتين في شرق إفريقيا عام 1998، وسليمان أبو الغيث وهو كويتي الأصل وزوج ابنة ابن لادن، وقد هرب إلى تركيا عام 2013.

مد وجزر

اتسمت سياسة إيران مع قيادات التنظيم بالمد والجزر والتي كان مسؤولاً عنها فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، فبعد اعتقال طهران لكل قيادات التنظيم ووضعهم قيد الإقامة الجبرية، سمحت إيران في العام 2002 مع إرهاصات غزو العراق، لتنظيم القاعدة على أرضها بتأسيس «المجلس المركزي»، وهو عبارة عن مجلس للتنسيق والتشاور كلفه ابن لادن، وضم المجلس كلاً من سيف العدل وسليمان أبو الغيث وأبو الخير المصري وأبو محمد المصري وأبو حفص الموريتاني، وظل هؤلاء القادة الخمسة فاعلين ومتنفذين على مدى السنوات اللاحقة، واحتفظوا بعلاقات جيدة مع إيران.
ومن بين أبرز هؤلاء الخمسة كان سيف العدل الذي ساعد أيضاً في تنظيم المجموعات المقاتلة التي حاربت نظام الرئيس الأفغاني السابق حامد قرضاي، ونفذت هجمات إرهابية في الرياض في مايو/‏‏‏ أيار 2003.
وبعد تزايد الضغوط الأمريكية على إيران بضرورة ترحيل قادة التنظيم الموجودين على أراضيها، والذي رفضته طهران، قامت بدلاً عن ذلك في أوائل العام 2003، باعتقال كل أعضاء المجلس الإداري للتنظيم ومساعديهم ممن ظلوا في إيران. وبعد أن هدأت الأوضاع وخفت الضغوط السياسية عليها، قامت إيران مرة أخرى بالسماح لهم بحرية الحركة عام 2005 ضمن شروط، كان من بينها الامتناع عن التخطيط لشن هجمات إرهابية انطلاقاً من إيران، والامتناع عن استهداف الحكومة الإيرانية وعدم الظهور العلني، وإذا التزم التنظيم بهذه الشروط، ستسمح طهران لهم بمزيد من الحريات، خصوصاً جمع التبرعات والاتصال مع قيادة التنظيم المركزية في باكستان وقيادات التنظيم في مناطق أخرى من العالم، وكذلك انتقال المقاتلين التابعين للتنظيم عبر إيران.
وفي عام 2010، هربت ابنة بن لادن من مقر إقامتها الجبرية في طهران، ولجأت للسفارة السعودية، وقد سمح لها في آخر الأمر أن تغادر إيران، لكن ليس قبل إخلاء سبيل حشمت الله عطر زاده، الذي كان قد خطف في باكستان قبل ذلك.

المحاكم توثق

في التاسع من مارس/‏‏‏ آذار 2016 أصدر القاضي الفيدرالي الأمريكي في المحكمة الجزئية بمانهاتن في نيويورك جورج دانيلز حكماً بإلزام إيران بدفع 10.5 مليار دولار تعويضات لضحايا أحداث 11سبتمبر 2001. الحكم بالتعويض جاء بعد خمس سنوات من الحكم الذي دان إيران بتورطها المباشر -شراكة مع حزب الله اللبناني-بتخطيط وتنفيذ عمليات تفجير واختطاف وقتل أمريكيين في لبنان. ومنذ صدور حكم الإدانة بتاريخ 15 /‏‏‏ 12 2011 حتى صدور حكم التعويض لم تستطع إيران أن تبرئ ساحتها أو تكذب الأدلة المقدمة ضدها.

وفي حكم تاريخي بني على حقائق دامغة أصدرت المحكمة الاتحادية الجزئية في مانهاتن بنيويورك في ديسمبر 2011 حكمها القاضي بأن «إيران وحزب الله متورطان بشكل مادي مباشر في دعم تنظيم القاعدة لتنفيذ هجمات 11 سبتمبر 2001، ومسؤولان قانونياً عن الأضرار التي لحقت بمئات من أسر ضحايا المدّعون في القضية».
ومباشرة بعد اجتماع الخرطوم 1993، الذي ضم «بن لادن» و»عماد مغنية» ورئيس هيئة الأركان في الحرس الثوري آنذاك - الجنرال محمد باقر ووالذي دعا له وحضره زعيم الاسلاميون في السودان «حسن الترابي» والذي وضع اساس التعاون بين ايران و»القاعدة» بدأ بن لادن إرسال عملاء إرهابيين إلى معسكرات تدريب حزب الله التي يديرها مغنية في لبنان وإلى إيران لكي يتدربوا على أيدي قوات الحرس الثوري، وتم إخبار أعضاء تنظيم القاعدة أن التنظيم يجب أن «يتجاوز عن خلافاته مع التنظيمات الإرهابية الشيعية بما في ذلك حكومة إيران»، لكي يتمكنوا من التعاون معاً «ضد العدو المشترك المتمثل في الولايات المتحدة وحلفائها»، وذلك وفقاً لما قاله جمال أحمد أبو الفضل لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي. كان أبو الفضل أحد الرجال الذين يحظون بثقة بن لادن خلال الفترة لجوء بن لادن في السودان، ثم انشق عنه وفر إلى الولايات المتحدة في صيف 1999.

مصالح متبادلة

الوثائق التي كشفت عنها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)،وقالت إنها حصلت عليها من منزل زعيم «القاعدة» بن لادن، عقب مقتله في مدينة أبوت آباد بباكستان 2011، والتي نشر التنظيم نسختها الأصلية باللغة العربية، بينما ترجمت «سي آي إيه» الوثائق ال 133 التي كشفت عنها إلى اللغة الإنجليزية، أثارت المزيد من اللغط حول العلاقة بين «القاعدة» وإيران.

وكان من أبرز المراسلات تلك التي بعث بها بن لادن إلى «الأخ توفيق»، الذي يُعتقد أنه قيادي من جماعة «الجهاد» المصرية، بحسب أصوليين في لندن، حيث كان من اللافت تركيز عدد كبير من هذه الوثائق - التي كتبها بن لادن أو قيادات بالتنظيم - على إيران وطرق التعامل معها، باعتبارها ممراً «آمناً للرسائل والأموال والأسرى».

أثبتت وثائق «سي آي إيه»، ومنها الوثيقة التي كتبها بن لادن إلى «الأخ توفيق»، أن التعاون المشترك بين إيران و«القاعدة»، طال لسنوات عدة، وحث فيها بن لادن على عدم فتح جبهة ضد الدولة الشيعية، حيث طلبت إيران من القاعدة حماية المراقد الشيعية في العراق، وأنها ليست ضمن الأهداف المراد ضربها، وأن ما يحدث هو نتيجة التخبط الحاصل هناك، وأن «العمدة» - يقصد به بن لادن وأصحابه - غير راضين عن استهداف تلك المراقد، وأن الإيرانيين أصبحوا غير راضين عن أي شيء في العراق، عن طريق الموالين لهم أو بطريق مباشر، ويريدون التعاون، ولكن بعد الحصول على تطمينات.

في العام 2004، وجه زعيم التنظيم في العراق، أبو مصعب الزرقاوي رسالة إلى الظواهري يشكو فيها من إيران، فرد الأخير عليه برسالة في منتصف العام 2005 قال فيها«إن الشيعة ليسوا هدفاً للتنظيم». وجاء في رسالته«هل تناسى الإخوة أن لدينا أكثر من 100 أسير، كثير منهم من القيادات المطلوبة، في بلادهم، لدى الإيرانيين؟ وهل تناسى الإخوة أن كلاّ منا والإيرانيين في حاجة إلى أن يكف كل منا أذاه عن الآخر في هذا الوقت الذي يستهدفنا فيه الأمريكيون؟»

كل ذلك يعكس بجلاء العلاقة الملتبسة بين إيران وتنظيم القاعدة طوال سنوات القرن الماضي والحاضر، لذلك يرى كثير من المراقبين أن سابقة تعامل إيران مع التنظيمات التي تصفها ب«التكفيرية والإرهابية» لايمنع القول من أن قادم السنوات يمكن أن يكشف وجود علاقة بين طهران وتنظيم داعش الإرهابي.

عداء العلن ..تعاون السر

يكشف إعلان وزارة الخزانة الأمريكية بفرض عقوبات على 3 من قادة القاعدة المقيمين في طهران عن تورط إيران في دعم القاعدة التي طالما وصفها المسؤولون الإيرانيون بالتنظيم التكفيري، كما يميط اللثام عن علاقة إيران بجبهة النصرة في سوريا، واللذان يظهران العداء لبعضهما بعضاً في العلن، ولكن الآن تكشّف أن إيران سمحت للمصري بيومي بنقل الأموال إلى فرع التنظيم في سوريا، في وقت تكثر فيه طهران من تبرير تدخلها في سوريا بأنها تكافح الإرهاب، والذي يتضح الآن أنه كذب بواح، إذ كيف تسمح بنقل الأموال لتنظيم تحاربه.

مغنية وبن لادن وضعا أسس التعاون 1993

قال المرشح الجمهوري لمجلس الشيوخ السابق كينيث تيمرمان «في شهادته» التي قدمها إلى المحكمة في 10 مايو/ أيار 2010، إنه في عام 1993، شارك الممثل الرسمي للجمهورية الإسلامية - رئيس هيئة الأركان في الحرس الثوري آنذاك - الجنرال محمد باقر ذو القدر في الاجتماع التاريخي بالخرطوم مع (الزعيم الإسلامي السوداني الراحل الأمين العام للمؤتمر الشعبي العربي والإسلامي حسن الترابي) و(القائد العسكري في حزب الله اللبناني الذي اغتيل في دمشق عماد مغنية)، وأسامة بن لادن، وهو الاجتماع الذي وضع الأساس للتعاون المكثف بين إيران والقاعدة بما يشمل التدريب، والاستخبارات والأمن وتسهيل السفر وتوفير الملجأ الآمن، وهو ما أسفر في النهاية عن هجمات 11 سبتمبر2001.

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)