«لم يعد شهر رمضان بالنسبة لنا، شهر الصيام، لسبب بسيط هو أننا صائمون طوال العام، لشحة المواد الغذائية وانعدام أبسط مقومات الحياة في تعز»، هكذا اختزل الحاج أحمد سرحان الشرعبي، أحد سكان مدينة تعز التي تعاني الحرب والحصار من قبل المتمردين الحوثيين منذ مطلع العام الماضي.
وأوضح لـ(القدس العربي) «كنا نستقبل شهر رمضان بفرح غامر طوال حياتنا لاتخاذه موسما للعبادة ولأفضل الوجبات الشهية، غير أن المتمردين الحوثيين حوّلوا حياتنا إلى جحيم.. يحاصرون مدينتنا تعز من كل الجهات ويمنعون عنها المواد الغذائية والتموينية، علاوة على القصف المستمر لأحياءها السكنية منذ أكثر من 15 شهرا، فكيف سننعم بشهر رمضان في ظل هذا الوضع القاسي الذي تتساوى فيه الحياة والموت». واشار إلى أن شهر رمضان بالنسبة لسكان تعز، وسط اليمن، أصبحت مجرد ذكرى مؤلمة، لأنهم لن يستطيعوا الاستمتاع بروحانية هذا الشهر الفضيل ولا بوجباته الشهية، لوقوعهم تحت القصف الحوثي المستمر، الذي لا يرحم أحدا ولا يعطي احتراما لأي مقدس، وقال «خير دليل على ذلك المجزرة البشعة التي ارتكبتها ميليشيا الحوثي وقوات المخلوع صالح قبيل رمضان بيومين، والتي سقط خلالها العشرات من المدنيين بين قتيل وجريح، جراء القصف الكثيف بالقذئف الصاروخية على الأحياء السكنية لمدينة تعز.
وأضاف أن «لقمة العيش في تعز أصبحت عزيزة وغالية، حيث أصبح رب الأسرة لا يجد ما يطعم به أطفاله وأسرته في الأيام الاعتيادية، للحصار الجائر على المدينة ولا نعدام مصادر الدخل للسكان الذين خسروا وظائفهم وأعمالهم».
الى ذلك قال مسئول مبادرة (قاوِم) الخدماتية في تعز طارق الزبيري لـ(القدس العربي) حلّ رمضان هذا العام والشعب اليمني يعاني كثيرا بسبب تبعات الانقلاب على الشرعية وما ترتب عليه من حرب دامية وركود اقتصادي، وكان نصيب محافظة تعز الأكبر من هذه التبعات الصعبة، ولمحافظة تعز شأن آخر في هذا الجانب.
ووصف حالة مدينة تعز مع حلول شهر رمضان بأنها «صعبة للغاية والموت يترصد أهلها في كل حين بسبب القذائف والصواريخ التي تسقط على رؤوسهم كل يوم تقريبا وبسبب الحصار الخانق الذي تفرضه مليشيا الحوثي والمخلوع صالح على المدينة وما ترتب عليه من شلل تام في الحياة الاقتصادية، أنهكت المواطنين وقضت على ممتلكاتهم ومدخراتهم».
وبمرارة بالغة قال «حلّ علينا شهر رمضان هذا العام والجيوب خاوية من المال والأسواق فارغة من البضائع ومع ذلك فالناس صامدون ومعنوياتهم مرتفعة ويترقبون يوم النصر ودحر الانقلاب».
وغير بعيد عن تعز، يعيش السكان في محافظة عدن أوضاعا صعبة للغاية أيضا مع حلول شهر رمضان، إثر انقطاع الخدمات العامة عن سكان المدينة وفي مقدمتها خدمة الكهرباء والتي زادت من معانات سكانها بسبب الحر الشديد مع حلول الصيف.
وقال الكاتب الصحافي المقيم في عدن رضوان فارع لـ(القدس العربي) «يعيش سكان عدن اوضاعا صعبة وازمة خانقة في كل شيء وفي مقدمتها المواد الغذائية والخدماتية».
وأوضح أن الحياة صارت صعبة للأسر في عدن جراء غلاء المعيشة وتردي الخدمات وتأخر رواتب الموظفين بعد تحرير عدن، وزاد من معاناة الاسر العدنية انقطاع الماء على كثير من احياء المدينة.
وذكر أن «رمضان هذا العام يمثل مصفوفة من الأزمات التي تتوالى على الناس في محافظة عدن من المواصلات إلى انقطاع خدمات الماء والكهرباء إلى عدم توفر الوقود والمشتقات النفطية وغلاء المعيشة ما يجعل مائدة الافطار فقيرة كغير عادتها إلا من وجبة إلى وجبتين وكثير من الاسر الفقيرة لاتجد ما تفطر به».
واضاف فارع أن اليوم الأول من رمضان هذا العام في عدن شهد ركودا كبيرا في الحياة، بل تكاد تكون الحركة متوقفة إثر شحة سيارات النقل والتي يضطر بسببها البعض إلى الوقوف لوقت طويل تحت حرارة الشمس الشديدة بإنتظار وسيلة مواصلات من أجل الذهاب للتسوق او إلى مكان العمل.
واشار إلى أن «حرارة الصيف وانطفاء الكهرباء قللت من فرحة الناس بحلول شهر رمضان، كما أن بعض الأسر اضطرت إلى الانتقال إلى مناطق أقل حرارة لقضاء شهر رمضان خصوصا التي يعاني بعض افرادها من امراض الضغط والسكر».
وأوضح أنه بسبب انعدام مادة الديزل توقفت المشافي في عدن وكذا توقف عمل المؤسسات العامة، كما أن الخدمة الكهربائية تنقطع عن مدينة عدن لنحو 16 ساعة. مؤكدا أن الاسعار ارتفعت بشكل كبير جدا مع انعدام المواد الأساسية وارتفاع تكاليف نقل البضائع إلى المدينة.
وفي محافظة الحديدة الساحلية، غربي اليمن، قال الصحافي عبدالحفيظ الحطامي لـ(القدس العربي) يعيش سكان الحديدة اوضاعا مأساوية هذا العام، حيث حلّ عليهم شهر رمضان في هذا الصيف القائض الذي تصل فيه درجة الحرارة إلى 45 درجة مئوية وهم بلاكهرباء وقرابة 3 مليون نسمة يعيشون بين الحر والظلام.
وأوضح أن الكثير من المصالح الخاصة والاعمال تعطلت بسبب استمرار الحوثيين الانقلابيين في قطع الكهرباء عنهم وعدم قدرتهم على شراء المازوت المشغل للكهرباء، حيث فقد جراء ذلك الالاف من السكان وظائفهم وتفاقمت المأساة مع تدهور المعيشة لعشرات الآلاف من الاسر في الريف والمدينة بعد انهيار العملة وارتفاع الاسعار التي ضاعفت من توسع دائرة الفقر في هذه المحافظة.
واضاف الحطامي ان «رمضان حلّ علينا هذا العام في ظل انهيار الخدمات الصحية وتفشي الاوبئة وانهيار خدمات الصرف الصحي والنظافة العامة وارتفاع اسعار الوقود ادى إلى انهيار الزراعة وتكبد المزارعين خسائر فادحة بعد ان صار الوقود سوقا سوداء تديره عصابات ومافيا فساد تابعة للحوثيين».
واشار إلى أن هذه العوامل كلها تضافرت في مجموعها لتوسع من دائرة الفقر التي تعصف بسكان محافظة الحديدة والتي تسببت في ارتفاع معدلات البطالة وتفاقم نسبة الفقراء والمحتاجين وارتفاع اعداد المتسولين اضافة إلى نزوح بعض السكان إلى محافظات مناخها معتدل هروبا من الحر، وبالتالي حلّ شهر رمضان في ظل هذه المعاناة الشديدة التي تضاعفت مع متطلبات هذا الشهر الفضيل.
ووفقا للعديد من المتابعين تظل المحافظات التي تقع تحت سيطرة ونفوذ الحوثيين وفي مقدمتها العاصمة صنعاء أقل تأثّرا من تبعات الحرب، نظرا لأنها بعيدة عن آلام الحرب إلا فيما ندر، كما أن أغلب المساعدات الانسانية الخارجية تتحول إلى تلك المناطق بحكم وصول أغلب المعونات عبر موانئ تسيطر عليها الميليشيا الحوثية، والتي تقوم بالاستيلاء عليها ونقلها للمناطق التابعة لها، بل واستخدامها في دعم المجهود الحربي، كما تشير العديد من التقارير التي تكشف تواطؤ المنظمات الانسانية الدولية العاملة في اليمن والتي تركز خدماتها في المناطق الحوثية أكثر من أي منطقة أخرى، رغم أنها أكثر احتياجا لتلك المساعدات.
وأوضح سكان محليون لـ(القدس العربي) أن الحياة في العاصمة صنعاء شبه طبيعية مع حلول شهر رمضان، حيث تسير الأعمال بشكل اعتيادي وعمليات التسوق طبيعية والمواد الغذائية متوفرة بشكل كبير، مع الفارق أن هذا العام حل شهر رمضان على سكان صنعاء متزامنا مع انهيار سعر العملة اليمنية وارتفاع اسعار المواد الغذائية جراء ذلك.
شهر رمضان يضاعف معاناة الناس في ظل استمرار الحرب والحصار
(مندب برس- القدس العربي)