أكد الكاتب المصري فهمي هويدي، أن حلب جددت شعورنا بالخزي والخجل. فآلة القتل والفتك الدائرة في سوريا منذ خمس سنوات، جعلتنا نألف الموت ونتعايش مع طقوسه اليومية، كأنما صار جزءًا من حياتنا الرتيبة. إذ ما عادت تؤرقنا صور الدمار أو تفزعنا صور الجثث والأشلاء. وما عادت أسماعنا تلتقط استغاثات الضحايا وحشرجات المكلومين. شوهت الحرب حواسنا وأصابت مشاعرنا بالتبلد.
وأضاف "هويدي" في مقاله بصحيفة الشروق المصرية بعنوان "عارنا في حلب": حتى عار السكوت العربى إزاء ما يجرى لم يعد يفاجئنا. إلا أن الانقضاض على حلب وتحويل «الشهباء» إلى خرائب وأنقاض، بدا مروعًا وفاق قدرة البشر على الاحتمال. فضلًا عن رمزية المدينة التي تعد بين الأعرق في مدن العالم والأجمل بين حواضره، والأهم في بلاد الشام والأكثر حضورًا والأوفر حيوية بين المدن السورية قاطبة. حين أصبح ذلك كله هدفًا للقصف المجنون والبراميل المتفجرة. فإنه أيقظ ما كان كامنًا فينا من مشاعر الخزي والخجل.
وعن أسباب تشديد الهجوم، قال: أريد له أن يحقق ثلاثة أهداف، هي: إضعاف الحاضنة الشعبية للثوار ــ قطع أوصال المعارضة وقطع خطوط إمدادها المفتوحة أمام الدعم التركي ــ إجبار السكان على المغادرة وتفريغ المدينة لتصبح من نصيب الميليشيات، وذكر البعض أن وراء ذلك حسابات مذهبية لصالح العلويين.
في كل الأحوال فإن تشديد الهجوم على حلب هدفه إحداث منعطف في مسار الثورة السورية، يراد به توجيه ضربة موجعة للثوار تغير من موازين القوى على الأرض، ومن شأن ذلك أن يكون له صداه في محادثات الحل السياسي المفترضة، التي يرعاها الأمريكان مع الروس.
وإلى تفاصيل المقال
عارنا في حلب
فهمي هويدي
الشروق المصرية
جددت حلب شعورنا بالخزي والخجل. فآلة القتل والفتك الدائرة في سوريا منذ خمس سنوات جعلتنا نألف الموت ونتعايش مع طقوسه اليومية، كأنما صار جزءا من حياتنا الرتيبة. إذ ما عادت تؤرقنا صور الدمار أو تفزعنا صور الجثث والأشلاء. وما عادت أسماعنا تلتقط استغاثات الضحايا وحشرجات المكلومين. شوهت الحرب حواسنا وأصابت مشاعرنا بالتبلد.
حتى عار السكوت العربي إزاء ما يجرى لم يعد يفاجئنا. إلا أن الانقضاض على حلب وتحويل «الشهباء» إلى خرائب وأنقاض، بدا مروعا وفاق قدرة البشر على الاحتمال. فضلا عن رمزية المدينة التي تعد بين الأعرق في مدن العالم والأجمل بين حواضره، والأهم في بلاد الشام والأكثر حضورا والأوفر حيوية بين المدن السورية قاطبة. حين أصبح ذلك كله هدفا للقصف المجنون والبراميل المتفجرة. فإنه أيقظ ما كان كامنا فينا من مشاعر الخزى والخجل. وأزاح غطاء البلادة الذى ران عليها وسترها، منذ وقفنا متفرجين على سوريا وهى تتآكل وتنتحر، وعلى شعبها وهو يخير بين موت البقاء أو موت الهجرة عبر البحر، وظللنا طوال الوقت عاجزين عن أن نجنب البلد الدمار أو أن نحتضن شعبه ونجنب أبناءه مذلة الغربة والتشرد.
حين طالع الناس صورة طفل ميت ألقاه موج البحر على الشاطئ. اهتزت المشاعر لبعض الوقت ثم نسى الموضوع لاحقا. ذلك أن الناس رأوا الصورة ولم يروا الشعب وتأثروا لموت الطفل ولم يدركوا أنه رمز لكارثة أعظم وأفدح.
فى العام الأول للثورة السورية ظلت حلب خارج الصورة حتى أثير لغط كبير حول موقفها، لكن التفجير الكبير الذى استهدف بعض مواقع السلطة في العام الثاني كان بداية انخراط حلب في المعركة، الأمر الذي حولها إلى إحدى جبهات الصراع. فسيطر الثوار على المناطق الشرقية من المدينة، في حين أحكمت السلطة سيطرتها على المناطق الغربية. وبسبب قرب الشرق من الحدود التركية فإن ذلك وفر للثوار خطوط إمداد مفتوحة عززت من خلالها مواقعهم. وإذ تغيرت موازين القوى في الآونة الأخيرة بعد تدخل الطيران الروسي فإن نظام دمشق الذى أفشل المفاوضات في جنيف سعى لانتهاز الفرصة لكى يوجه ضربات قوية ليس لمواقع الثوار فحسب ولكن أيضا للبنى التحتية في المناطق التي يسيطرون عليها، بالتالي ففي حين تولى الطيران القصف من الجو فإن القوات المتمركزة على الأرض كثفت من هجومها على التجمعات المدنية التي استهدفت مراكز الخدمات وأبرزها مستشفى القدس الذي دمر على رءوس أطبائه ومرضاه. وقيل في هذا الصدد أن تشديد الهجوم أريد له أن يحقق ثلاثة أهداف هي: إضعاف الحاضنة الشعبية للثوار ــ قطع أوصال المعارضة وقطع خطوط إمدادها المفتوحة أمام الدعم التركي ــ إجبار السكان على المغادرة وتفريغ المدينة لتصبح من نصيب الميليشيات، وذكر البعض أن وراء ذلك حسابات مذهبية لصالح العلويين.
حين قصفت قوات النظام مواقع الثوار فإنهم ردوا عليهم بالمثل. وترتب على ذلك أن استمرت عملية التدمير في شرق المدينة وغربها. من ناحية أخرى فإن الثوار بدوا في موقف حرج لأنهم أصبحوا يحاربون على ثلاث جبهات هي: النظام السوري، والوحدات الكردية التي تسعى إلى التمدد لإقامة منطقة للحكم الذاتي متاخمة للحدود التركية ــ ثم تنظيم الدولة الإسلامية المسيطرة على المناطق المتاخمة.
في كل الأحوال فإن تشديد الهجوم على حلب هدفه إحداث منعطف في مسار الثورة السورية، يراد به توجيه ضربة موجعة للثوار تغير من موازين القوى على الأرض، ومن شأن ذلك أن يكون له صداه في محادثات الحل السياسي المفترضة، التي يرعاها الأمريكان مع الروس، ولأن الأولين مشغولون بالانتخابات الرئاسية، فإن كفة الروس ستظل راجحة حتى تفيق واشنطن وتصبح في موقف يسمح لها بتوجيه بعض الاهتمام للشرق الأوسط ولمحادثات جينيف، وهو ما يتوقع له البعض أن يحدث في ربيع العام المقبل، وحتى ذلك الحين فإن الصراع لن يتوقف على الأرض، وسوف ينتهز الروس الفرصة لتعزيز التغيير في موازين القوى، خصوصا بعدما دفعت إيران لأول مرة منذ قيام الثورة بوحدات من جيشها النظامي لمساندة نظام الأسد، وهو تحليل إذا صح فهو يعنى أن الثوار السوريين سيظلون في موقف يزداد حرجا، كما يعنى أن معاناة السوريين سوف تستمر وصمودهم سيصبح صعبا ومكلفا، وبموازاة ذلك كله سيظل شعورنا بالخزي والخجل مستمرا، لأن أنظمة العرب وجامعتهم وقمتهم ستظل الغائب الأكبر عن المشهد والعاجز الأكبر عن أى فعل إيجابي. أما شعوب العرب فلا يكفى أن يكفكفوا الدمع ويبتهلوا إلى الله أن يزيل الغمة عن سوريا، وإنما يظل مجتمعهم المدني ــ إن وجد ــ مطالبا بأن يؤدى دورا فاعلا في استيعاب المهاجرين ورعايتهم والدفاع عن حقوقهم المهدورة في الأقطار العربية. إذ من البؤس المخجل أن ترتفع بيننا الأصوات داعية المجتمع الدولي لأن يتحمل مسئولياته إزاءهم، لأن من حق أي مسئول أو مواطن في المجتمع المذكور ان يتساءل: لماذا لا يقدم العرب بما عليهم قبل أن يطالبوا غيرهم بذلك؟!