وعادت الحياة إلى مدينة المكلا (عاصمة حضرموت) عقب دحر تنظيم القاعدة الإرهابي في عملية قوية شاركت فيها ببسالة قوات إماراتية وسعودية خاصة إلى جانب القوات اليمنية، وبغطاء من طائرات التحالف.
ويعد هذا الانتصار بداية الطريق لإنهاء استغلال الإرهابيين الفراغ الأمني نتيجة الحرب التي يشنها الحوثيون، فمن راهن على عدم قدرة التحالف على مجابهة الإرهاب في اليمن خسر الرهان مع تقهقر الإرهابيين وهربهم إلى جحورهم للاختباء، وبهذه الضربة النوعية قطع التحالف المصدر الأساسي لتمويل التنظيمات الإرهابية المعتمدة على فرض الضرائب والتمركز في المؤسسات الحكومية.
ويرسل هذا الانتصار رسالة إلى كل من يدعم الإرهاب ويؤكد مسؤولية دول المنطقة في التصدي للإرهاب والفوضى.
وبينما تسعى الحكومة الشرعية لتعزيز دعائم الأمن والاستقرار بالمدينة.. مدّت دولة الإمارات سريعاً يد العون للمدينة وأهلها لتطبيع الحياة المدنية والاهتمام بالجوانب الخدمية والمعيشية.
مثَّلَ تحرير مدينة المكلا من سيطرة تنظيم القاعدة ضربة قاصمة وقوية للإرهاب في اليمن في وقتٍ تعهدت فيه قوات التحالف العربي بمواصلة جهودها بالتعاون مع القوات اليمنية في إطار مكافحة الإرهاب وتطهير اليمن من تلك التنظيمات جنباً إلى جنب ودعم الحكومة الشرعية في اليمن.
وتبزغ العديد من التداعيات والنتائج المترتبة على عملية تحرير المدينة لاسيما على الصعيدين السياسي والاستراتيجي خلال المرحلة المقبلة، وسط تطلعات لطبيعة الخطوات التالية في سبيل استثمار عملية التحرير لتنمية المدينة، يترافق معها إشادات واسعة بالدور الذي لعبته القوات الإماراتية المسلّحة في تلك العملية وما تلاها من تقديم مساعدات.
ضربة قوية
ورصد محللون وخبراء في تصريحات متفرقة لـ«البيان» أبرز التداعيات والنتائج المترتبة على تحرير المكلا من قبضة تنظيم القاعدة، معتبرين أن عملية التحرير تعتبر ضربة قوية للإرهاب على مختلف الأصعدة والمستويات (المحلي والإقليمي والدولي) خاصة في ظل اعتماد «القاعدة» على المكلا بصورة كبيرة خلال العام الماضي منذ السيطرة عليها وجني من ورائها ملايين الدولارات مستغلاً كونها مدينة غنية بالنفط إلى جانب طبيعتها الساحلية، ما جعلها مركزاً مهماً ورئيساً للتنظيم وعناصره ومركز قوة محلياً وإقليمياً ودولياً.
كما رصد محللون وسياسيون تداعيات تحرير المكلا على جماعة الحوثي والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، مؤكدين وجود علاقة بين حلف صالح والحوثي مع تنظيم القاعدة في المكلا، وهو ما ظهر جليًا من خلال رفض صالح والحوثي تأييد عملية تحرير المكلا، في إشارة إلى ارتباط وثيق بينهما مع القاعدة، لاسيما وأن صالح والحوثي كانا يستغلان الإرهاب في اليمن كفزاعة..
فيما ثمن المحللون الدور الحاسم لقوات التحالف العربي لاسيما الإمارات التي كان لها دور عظيم في تحرير المكلا، مؤكدين أن الدعم الذي قدمته الدولة بالتعاون مع دول التحالف العربي كان فعّالًا وإيجابيًا وظهرت تداعياته سريعاً على الأوضاع الميدانية في اليمن.
قاصمة ظهر
ويقول رئيس دائرة التوجيه المعنوي في الحكومة اليمنية الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء محسن خصروف إن تحرير المكلا بمثابة قاصمة الظهر بالنسبة للإرهاب سواء المحلي أو الإقليمي أو الدولي أو حتى القوى التي تتستر خلف الإرهاب بمسميات وعناوين القاعدة.
موضحًا أن تحرير كامل مدينة المكلا وكامل ساحل حضرموت في ميناء المكلا والشحر وميناء الضبة النفطي ومنطقة غيل باوزير جاء بفضل جهود التحالف العربي والتعاون الممتاز مع قوات الجيش اليمني في المنطقة العسكرية الأولى التي يترأسها اللواء عبدالرحمن الحليلي، إذ أمنت الوحدات منطقة وادي سر ومنع الإمدادات للإرهابيين إلى المكلا وفي الوقت ذاته منع أي هجوم محتمل من هذا الاتجاه.
وأردف قائلاً إنّه «سوف يترتب على تحرير المكلا أيضاً خسارة كبرى للإرهاب على المستوى الإقليمي لأن حضرموت كانت من أهم الملاذات للإرهاب في منطقة الجزيرة العربية..
وقد كانت جبال المراقشة في أبين وجبال شبوة هي الملاذات الوحيدة، وانضمت إليهما في العام الماضي حضرموت، وأصبح للقاعدة أهم معسكرات التدريب في حضرموت قبل أن يتم تحريرها في ضربة موجعة للإرهاب على المستويات المحلية والإقليمية والدولية».
وحول انعكاسات تلك العملية على الحوثي وصالح، ذكر المسؤول اليمني أن «كل أهالي حضرموت يعلمون أن الوحدات العسكرية التي كانت توالي صالح في المكلا ومحيطها تلقت الأوامر بأن يخلعوا الزي العسكري الرسمي وأن ينضموا إلى القاعدة ويرتدوا الملابس التي عرف بها التنظيم ويطلقوا اللحى ويعلنوا السيطرة على المكلا وحضرموت الساحل..
وليس أدل على ذلك التماهي الحادث بين الحوثي وصالح والقاعدة سوى واقعة رفض تحالف صالح - عفاش والحوثي إصدار بيان لتأييد عملية تحرير المكلا عندما طلب ممثل الأمم المتحدة من المتحاورين في الكويت أن يصدروا بياناً حول العملية.
ومن ثم أعلن ذلك التحالف صراحة أنهم وتنظيم القاعدة واحد».
دعم كبير
وواصل رئيس دائرة التوجيه المعنوي في الحكومة اليمنية الشرعية اللواء محسن خصروف تصريحاته لـ«البيان» قائلًا: «حظي المقاتلون اليمنيون والمقاومة الشعبية وقبائل حضرموت بدعم غير عادي وكبير من قبل قوات التحالف العربي وكانت مشاركة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات على وجه التحديد إيجابية وفعالة في إتمام عملية تحرير المكلا».
وتابع خصروف: «قوات المنطقة العسكرية الأولى تم إعدادها وتدريبها بخبرات فعالة، وكان لهذا الإعداد نتائجه الملموسة في ميدان المعركة.. التسليح كان تسليحا جيداً، بل أكثر من جيد، مهد الطريق للنجاح». وأردف إنّ «التكامل الذي حدث هو العنوان الأبرز في عملية المكلا في الحرب العربية ضد الإرهاب أو تكامل الأدوار العربية في مواجهة الإرهاب».
وتحدّث عن أبرز الخطوات التالية للحفاظ على تحرير المكلا، حيث رأى أن «جعل هذا الانتصار دائماً وفاعلاً ومؤثراً هو أن تحل مؤسسات الدولة محل الميليشيات الإرهابية»، مشيراً إلى أن غياب مؤسسات الدولة الفاعلة وغياب الخدمات والمشاريع الخدمية جعل التنظيم يعود إلى أبين والمكلا.
تحرك متواز
ولم يتوقف الدور الإماراتي ضمن التحالف العربي في إطار عملية تحرير المكلا، بل إن الإمارات أرسلت أطناناً من المساعدات الإنسانية لحضرموت عقب تحرير عاصمتها.
ووصلت قوافل المساعدات الإماراتية الجمعة بالفعل إلى حضرموت، في الوقت الذي حرص فيه أهالي المحافظة على تقديم الشكر للدولة ولدورها الفاعل في التحرير ومن ثم الدعم المقدم بعد عملية التحرير.
وثمن أهالي محافظة حضرموت ومدينة المكلا الدعم الإماراتي الهائل، في ظل اهتمام واسع من الدولة بتسيير قوافل المساعدات للمحافظة عقب التحرير، استكمالًا للدور الإماراتي الرائد في دعم أشقائها العرب ودعم الشرعية في اليمن.
رسائل متعددة
ورأى الناشط السياسي عضو الحوار الوطني اليمني حمزة الكمالي أن تحرير المكلا بعث بعددٍ من الرسائل الهامة، فهو في البداية مثّل رسالة مهمة وفي توقيتها من الحكومة الشرعية اليمنية والتحالف العربي بأنهما ماضون نحو استئصال جميع المتطرفين والميليشيات، كما أن الأمر يعتبر رسالة هامة وواضحة للخارج أيضاً بأن الحكومة الشرعية وقوات التحالف لن تسمح بنشاط أو تواجد لتلك الجماعات الإرهابية في اليمن.
وحول تأثر صالح والحوثي بتلك العملية، قال لـ«البيان»، إنه بالتأكيد تأثر الحوثيون وصالح بتحرير المكلا بصورة سلبية، لاسيما وأن علاقة الطرفين بتلك التنظيمات الإرهابية ليست جديدة وأثبتتها تقارير أممية مختلفة، وبالتالي فإن تحرير المكلا من تنظيم القاعدة يعد ضربة قوية للحوثي وصالح ويؤثر سلباً عليهما.
صالح والحوثي
ورأى المحلل السياسي اليمني عبدالله إسماعيل أن تحرير المكلا خطوة في غاية الأهمية قامت بها الحكومة الشرعية بالتعاون مع قوات التحالف العربي لاسيما مع سيطرة تنظيم القاعدة على المدينة، معتبرًا أن تلك العملية أسقطت مبررات الحوثيين وصالح وزعمهم محاربة الإرهاب إذ كانوا يتعمدون استخدام القاعدة فزاعة.
وحول تأثير ذلك على المفاوضات اليمنية في الكويت قال إسماعيل – المتواجد حاليًا في الكويت لمتابعة المفاوضات - لـ«البيان» إنه كان من المفترض أن يلقي تحرير المكلا بظلاله على المفاوضات، غير أن ذلك لم يحدث بما يكشف الارتباط الحادث بين الطرفين ويؤكد وجود علاقة بينهما.
محاربة الإرهاب
وذكر الخبير في شؤون الجماعات المتطرفة ماهر فرغلي أن هنالك العديد من التداعيات الإيجابية لتحرير المكلا سواء على الصعيد السياسي أو العسكري والاستراتيجي، لاسيما وأن تلك الجماعات كان يستخدمها الحوثيون وعلي عبدالله صالح كفزاعة ويدّعون أنهم يحاربون الإرهاب ويتهمون الحكومة اليمنية الشرعية بترك الساحة للإرهاب وأن المناطق التي يتم تحريرها تترك فريسة للإرهاب من القاعدة بعد ذلك.
وأشار فرغلي لـ«البيان» إلى أن تحرير المكلا يؤكد قدرة التحالف والحكومة الشرعية على محاربة الإرهاب وتطهير اليمن منه، وتعتبر رداً قوياً على الحوثيين، في الوقت الذي يشير فيه مراقبون من داخل اليمن – وفق فرغلي - إلى أن هناك تعاوناً وثيقاً بين صالح و«القاعدة»، وأن هنالك جيوباً تابعة لصالح كانت موجودة في المكلا من أجل أن تشغل قوات التحالف العربي بتحركاتها.
تربة خصبة
وفي سياق الوضع السياسي والاستراتيجي عقب تلك العمليات وتداعياتها، أفاد مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية اللواء الطيار أركان حرب هشام الحلبي بأن حالة الفوضى في اليمن مثلت تربة خصبة للجماعات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة.
وذكر مستشار أكاديمية ناصر العسكرية أن ملف اليمن انتقل من المربع العسكري للمربع السياسي على خلفية النجاحات التي حققتها قوات التحالف العربي، حيث تم تقليص القدرات العسكرية للحوثيين. ورأى أنّ نجاحات التحالف العربي أجبرت الحوثيين على الجلوس على طاولة المفاوضات.
خطوات للتنمية
تتخذ الحكومة اليمنية الشرعية، بدعم من الإمارات، خطوات للتنمية، حيث حضّ محافظ حضرموت اللواء أحمد سعيد بن بريك المديرين العامين للمرافق والمكاتب الحكومية على تقديم التصورات والاحتياجات العاجلة التي تسهم في تحسين مستوى الأداء الإداري والخدمي وخدمة المواطنين. وسيتم العمل على تطوير مرافق المطار والميناء وتعزيز دور الأمن العام والدفاع المدني بدعم سخي من دول التحالف وبخاصة دولة الإمارات.