أعادت تصريحات نُسبت إلى العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، بشأن جدوى التحالف الإسلامي، إلى الواجهة النقاش عن فاعلية الآلة الدبلوماسية والإعلامية السعودية في مواكبة التطورات المتسارعة التي تعيشها المملكة وتطور مواقفها في الداخل والخارج.
ونفى الديوان الملكي الأردني صحة ما نسب إلى الملك عبدالله الثاني بأن بلاده انضمّت إلى التحالف الإسلامي، الذي تقف وراءه السعودية، لأنه تحالف “غير ملزم”، وتلميحاته إلى أنه محدود الفعالية والنتائج.
وقال البيان إن “ما تناقلته بعض وسائل الإعلام، وما نسب إلى الملك عبدالله الثاني يهدف إلى الإساءة إلى الأردن وعلاقاته مع دول شقيقة وصديقة”.
وأكّد عمق العلاقات التي تربط الرياض وعمّان، مشددا على دعم الأردن الكامل للتحالف الإسلامي، حيث كانت المملكة من بين أوائل الداعمين والمشاركين في هذا التحالف.
وقال مراقبون إن الأمر، هنا، أعمق من مسألة تشويه التفاصيل أو إيرادها خارج سياقها، وإنه يتجاوز ذلك إلى التساؤل عن وجود آلية سعودية تواكب التحركات السريعة، سياسيا واستراتيجيا، لتوجّهات المملكة منذ تسلم العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم.
ولا شك أن سعي السعودية للعب دور إقليمي فاعل لم يعد يحتمل الأساليب القديمة في إدارة الملفات، مثل إطلاق مواقف أو تبنّي مبادرات وافتراض أن بقية الدول ستتحرك بنفس السرعة لاستيعابها، أو أنّ ما تقصده الرياض سيفهم في السياق.
وتحتاج الرياض إلى أن يكون هناك طاقم من المستشارين ممّن ينقلون وجهات نظرها بشكل دوري إلى الحلفاء الكبار لمنع الالتباس وقطع الطريق على من يحاولون دق إسفين بين السعودية وأصدقائها.
وكانت تصريحات أوردتها بعض وسائل الإعلام الغربية ونسبتها للملك عبدالثاني تقول إن “الهدف من التحالف الإسلامي إظهار أن الدول الإسلامية تحارب تنظيم داعش”، و”أن الأردن وجميع الدول التي انضمت إلى التحالف كان بسبب أنه تحالف غير ملزم”. وذلك خلال لقاء مع وفد من الكونغرس بينهم السيناتور جون ماكين، خلال زيارة العاهل الأردني إلى واشنطن منتصف يناير الماضي.
وأعلنت السعودية، في ديسمبر الماضي، عن تشكيل تحالف إسلامي جديد لمحاربة الإرهاب وقتال تنظيم داعش، يضم 34 دولة.
وليست هذه هي الحادثة الوحيدة التي تدفع إلى إعادة تقييم أسلوب التواصل السعودي، دبلوماسيا وإعلاميا، ليتماشى مع الحجم الذي أخذته المملكة العربية السعودية في السنتين الأخيرتين بسبب معارضتها لتوقيع اتفاق مع إيران لا يحفظ الأمن الإقليمي لدول الجوار، وهو ما قاد إلى برود في العلاقات السعودية الأميركية.
وكان إعلان السعودية عاصفة الحزم في اليمن إيذانا برغبة الرياض في لعب دور إقليمي أكثر فاعلية لمواجهة التمدد الإيراني في المنطقة.
لكن كبر حجم التداعيات لم يقابله تطور في آلية التسويق لها والتعريف بأهدافها داخل المحيط الإقليمي أو على المستوى الدولي، وخاصة في الغرب، حيث ما يزال الإعلام الغربي معاديا للسعودية وباحثا عن التقليل من قدرتها على لعب الدور الجديد الذي باشرت بتنفيذه دون أن تنتظر ضوءا أخضر من أيّ جهة.
وفي ظل تواضع أداء الإعلام المقرب من السعودية، واكتفائه بمربع تغطية المجاملات، يتم تضخيم بعض الأخطاء التي تقع فيها الرياض في اليمن، أو افتعال أزمات من لا شيء لابتزازها لفائدة دوائر خفية.
ولا يقف الأمر عند عقبة الإعلام الغربي، وبعض المنظمات التي ترفع لواء حقوق الإنسان، أو دوائر سياسية معروفة بعدائها للسعودية بوجه خاص أو للخليجيين ككل، فآليات التواصل السعودي على المستوى العربي أثبت في أكثر من مرة محدودية تأثيرها في خلق رأي عام داعم أو على الأقل متفهم لدواعي التحركات والمواقف السعودية.
وعكست الأزمة الأخيرة مع حزب الله هذه الحقيقة، فرغم أن الموقف السعودي يهدف إلى تحرير الموقف اللبناني من الهيمنة الإيرانية، وهو موقف في صالح مختلف الدول العربية، إلا أنّ بعضها تلكّأ في تصنيف الحزب منظمة إرهابية، أو صوّت للتصنيف ثم خرج ليقول إن التصنيف لا يلزمه بأيّ موقف عملي.
ولم تحصل بعض هذه الدول من إيران على مشاريع أو قروض أو هبات، فيما تتمتع طيلة عقود بدعم سعودي وخليجي مالي واستثماري كبير، وهذا التناقض يعكس في العمق أزمة آليات التواصل السعودي مع العمق العربي، فالدعم المالي والاستثماري لا يلزم الحاصلين عليه بأيّ مواقف، على عكس ما هو معمول به بين مختلف دول العالم حيث يتحكم الدعم في الموقف الدبلوماسي ويكيّفه وفق مصالح الداعمين. ولا يتعلق هذا التناقض بموقف الدول فقط، فعلى المستوى الشعبي هناك ميل واضح في دول عربية لحزب الله وشعاراته ولإيران في مواقع مواجهتها مع السعودية مثل سوريا واليمن، وهو أمر لا يفسّره سوى تضاؤل التأثير الذي كان يفترض أن يصنعه الإعلام السعودي في العقود الماضية، وأن السعودية الجديدة تحتاج إلى إعلام جديد وبآليات جديدة تقطع مع أسلوب الصمت وتعمّد عدم إبداء الرأي في الملفات المختلفة.