نظمت اللجنة العربية لحقوق الإنسان وعلى هامش أعمال الدورة 31 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف أمس فعالية حول الأرصدة المنهوبة في اليمن من قبل الرئيس المخلوع على عبدالله صالح ومعاونيه وطبيعة التأثير السلبي والمدمر لذلك على حياة الشعب اليمني.
وقدمت الدكتور وسام أبوبكر باسندوة دراسة معمقة حول هذه القضية وأكدت في مقدمتها ان الفساد السياسي هو جوهر ولب هذه القضية، حيث ان الحديث ليس عن مجرد أرصدة وحسابات بنكية وصفقات مشبوهة، وإنما عن أرصدة ضخمة لرئيس دولة من أفقر دول العالم وهذا يعني أنه لم يكن هناك تجاوز في استخدام السلطة فحسب بل جريمة في استخدام السلطة والشعب. وأشارت أيضاً إلى ان الحديث في الدراسة ليس عن فساد مسؤول ما أو موظف عام وإنما فساد رأس الدولة ومن يفترض أن يكون القيِم والحامي على الدستور والقانون وأموال الشعب.
وقالت الدكتورة وسام أن أول ما خطر وهي تعد الدراسة وتجمع وتدقق معلوماتها والأرقام المفزعة هو كيف كان الرئيس السابق يشكل اللجان والهيئات لمكافحة الفساد وكيف كان الكثير من اليمنيين مضللين بهذه الأقاويل وكيف كان البسطاء يثقون به وينتظرون نتائج هذه اللجان. وأضافت أن التوقف أيضا أمام كيف كان يتحدث عن التنمية والديمقراطية والمستقبل وهل هناك عائق في وجه التنمية أكبر من الفساد وكذلك هل هناك ما ينخر ويفت في عضد الدولة ويقوض مؤسساتها وينسف القيم الديمقراطية أكثر من الفساد.
ونوهت إلى أن ذلك الأمر يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالصعوبات التي تواجه عملية البحث والتقصي عن هذه الأرصدة وملاحقتها لكونه الرجل الأول بالدولة ومن له كامل الصلاحيات الممكنة فكل شيء عنده كان قابلاً للتغييب بحيث تتم عمليات الفساد دون أدلة أو أوراق تثبته. وقالت إن ما كان يعتقده الشعب اليمنى من قبيل المبالغات لم يكن كذلك حتى أن الأرقام الحقيقية تفوق قدرة المواطن اليمني العادي من متوسطي الدخل على استيعابها فكيف بمن لا يجد قوت يومه وهم الغالبية من الشعب.
وذكرت أن الحديث بدأ عن أن هناك مؤشرات على عمليات سحب على دفعات يقوم بها المخلوع الذي كان ما زال في سدة السلطة من احتياط النقد الأجنبي من المصرف المركزي كما قام بسحب الاحتياطيات النقدية من فروع المركزي في المحافظات وإلغاء بعض الصفقات التي أبرمت باسم الدولة وتحويلها إلى أرصدته الشخصية في الخارج.
وفي الوقت نفسه صدرت تقارير غير رسمية من بعض المؤسسات المحلية والأجنبية المتخصصة بالمجال الاقتصادي تتحدث عن أن صالح جمع ثروة قد تصل إلى 60 مليار دولار عن طريق الفساد خلال الثلاثة عقود التي حكم فيها البلاد، وبما يعني أن على عبد الله صالح قد جير أموال وثروات وموارد البلد الفقير لصالحه وعائلته. كما تحدثت التقارير عن صفقات مشبوهة لبيع الأراضي كان صالح يحصل بموجب هذه الصفقات على نسبة 25% من الدخل غير المشروع لكل شخص يسهم في تسهيل الصفقات له. وقالت مقدمة الدراسة ان صفقات بيع الغاز تبقى النموذج الأبرز لهذا الفساد إذ جرى بيع الغاز اليمني على مدى 20 عاماً بأسعار رخيصة تنازل فيها صالح عن فوارق أسعار ضخمة. كان قد النظام السابق متعاقداً على صفقة لبيع المليون وحدة حرارية من الغاز لإحدى الشركات بسعر دولار واحد كما وقع اتفاقية لبيع الغاز لشركة أخرى بسعر 3.2 دولار، في حين كانت أسعار المليون وحدة حرارية آنذاك نحو 12 دولاراً.
الدراسة التي قدمت امام الفعالية على هامش أعمال مجلس حقوق الإنسان في جنيف أضافت أن هناك من يعترف بوجود أرصدة مبالغ فيها لصالح لكنهم لا يرجعون كل هذه المبالغ لفترة توليه السلطة بل يرون أن جزءاً من هذه الثروة تشكل في مرحلة ما قبل وصوله للرئاسة عام 1978 حين كان ضابطاً صغيراً يشرف على عمليات تهريب المشروبات الروحية في منطقة باب المندب، وهو ما كان يُدرّ عليه دخلاً كبيراً لكن العودة للأرقام التي تحدثت عنها تقارير لجنة العقوبات بالأمم المتحدة تكشف أن الأمر يفوق ذلك بكثير. وتقول الدكتورة وسام باسندوة إن المعلومات جميعها تشير إلى أن عملية جمع الأرصدة تم عبر عملية فساد متوحش ومنظم في آن معا حيث يجنى من أموال الفقراء المنهوبة وبما وصل لحد وضع اليد على المساعدات الطبية والغذائية وبيعها في الأسواق المحلية ومنظم لأنه كان يتم بطرق منظمة مؤسسة على قواعد منظمة لعملية إدارة هذا الفساد.
وحول الوسائل التي تم من خلالها عملية جمع الأرصدة تفيد الدراسة بأن هناك أسسا محددة تم من خلالها إدارة عملية الفساد منها أنه لم يكن هناك موازنة مالية ثابتة ومعروفة للدولة في اليمن كما كان النفط غير مدرج في حسابات الدولة في المصرف المركزي وكان منصب وزير المالية مرتبطا بصالح مباشرةً ولا صلة له برئيس مجلس الوزراء ثم إن له عمولة خاصة من كل صفقة تعقدها الدولة اليمنية مع طرف خارجي في النفط والغاز والإنشاءات والسلاح وهي متعارف عليها باسم حصة الرئيس ولا يمكن لأي صفقة أن تعرف طريقها إلى التنفيذ من دون دفع الحصة مسبقاً فيما كان يتم أحياناً التحايل ليُجرى دفع الحصة عدة مرات. ونوهت الدراسة التي تتناول ما قام به الرئيس المخلوع على عبد الله صالح وعائلته من عمليات نهب في اليمن إلى أنه وإضافة إلى التورط في تهريب وبيع السلاح إلى اليمن ومنه إلى الخارج، فإنه كان هناك عدد من التقارير الصحفية التي أشارت لذلك عبر تهريب الأسلحة إلى الفصائل المتقاتلة في الصومال وبعض دول القرن الإفريقي حيث كان يستخدم وزارة الدفاع كواجهة لإبرام عقود أسلحة لاستيرادها بشكل رسمي ولكن لصالح تجار يعملون لصالحه.
وقد كشفت الكثير من التقارير أن صالح وأقرباءه وتجار السلاح جنوا ملايين الدولارات من تهريب الأسلحة وبيعها في دول القرن الإفريقي والداخل اليمني.
ولفتت إلى ان أكبر دليل على ذلك قضية السفينة التي أثيرت عام 2009 والتي كانت تحمل أسلحة تم شراؤها من روسيا بأوراق رسمية ومعتمدة من وزارة الدفاع في حين أن ملكية حمولتها تعود لعدد من تجار السلاح في اليمن ما أثار العديد من التساؤلات عن الدور الذي يلعبه ضباط كبار في وزارة الدفاع في تسهيل استيراد صفقات السلاح بهذه الطريقة وقد ظلت هذه السفينة راسية في ميناء الحديدة لأيام بعد أن نُشر رسميا القائمة السوداء لتجار السلاح في اليمن والتي سُمي فيها بعض رجالات صالح.
وقالت الدكتورة وسام باسندوة أمام الفعالية ان لجنة العقوبات إلى شكلها مجلس الامن وقفت على معلومات جاءت فى تقريرين لفريق الخبراء الداعم للجنة العقوبات والمشكل وفقا لقرار مجلس الامن رقم 2140 حيث كان التقرير الأول بمثابة استعراض للمعلومات التي جمعت والترجيح والمفاضلة بينها لاختيار المعلومات التي ربما تكون الأقرب للدقة ليجري التحقق منها، وهو بالفعل ما يؤكده التقرير الثاني والأخير الذي جاء غنيا بالمعلومات ومحددا في النتائج التي توصلت إليها اللجنة خلال فترة عملها بعرض الشبكة المالية لكل من الرئيس السابق ونجله وتحديد الدول التي تدخل في إطار عمل هذه الشبكات، بل والوصول إلى اتخاذ إجراءات حقيقية بتجميد أموالها.
وفي استعراضها للتقرير الأول الصادر عن اللجنة قالت الدكتورة باسندوة إن التقرير الذي قدمه الخبراء في يناير 2015 جاء فيه أنها لم تتمكن من الحصول على أية معلومات تتعلق بأرصدة مملوكة لعبد الخالق الحوثي أو عبدالله يحيى الحكيم. أما حالة علي عبدالله صالح فهي حالة مختلفة إذ تبحث اللجنة، فيما يثار حول وجود أرصدة تتراوح بين 32-60 بليون دولار ما بين النقدي والعيني موزعة بين 20 دولة ويعتقد أن معظمها نقل إلى الخارج تحت أسماء مستعارة أو أسماء أشخاص آخرين مالكين لهذه الأصول نيابة عنه. كما تلقى الفريق معلومات تفيد بأن علي عبدالله صالح كان منذ زمن على علاقة بخمسة رجال أعمال يمنيين بارزين على الأقل يساعدونه في إخفاء ما يملكه من أصول وحيث لا تزال تحقيقات الفريق جارية بشأن تلك العلاقات ومع أفراد آخرين يعتقد أنهم يساعدون عائلة صالح في سحب الأموال من المصارف في اليمن وإيداعها في مصارف ما وراء البحار.
وتضيف صاحبة المداخلة ان الفريق تلقى أيضاً معلومات من مصدر سري تفيد بأن لدى عبدالله صالح جوازات سفر بهويات بديلة زودته بها دولة أخرى وبما قد يسهم في تحديد الأصول وفي تجميدها وتشير إلى أن فرق العمل المعنية بالإجراءات المالية عرفت الرئيس المخلوع السابق علي عبدالله صالح بأنه شخصية سياسية مكشوفة سياسيا والشخصية المكشوفة سياسياً وفق التقرير هو فرد عهد إليه أو قد يعهد إليه بمهمة عامة بارزة وبسبب ما يتمتع به الأشخاص المكشوفون سياسياً من مكانة ونفوذ فإنهم يشغلون مواقع قد يساء استخدامها في جرائم غسل أموال وسرقة ورشاد ورشوة بالإضافة إلى القيام بأنشطة ذات صلة بتمويل الإرهاب.
وحول التقرير الثاني قالت الدكتورة وسام باسندوة إنه وفي يناير 2016 صدر التقرير النهائي لفريق الخبراء برسالة موجهة إلى رئيس مجلس الأمن وأهم ما جاء بالتقرير بهذا الشأن إنه حدد الشـبكة الماليـة التي أسسـها علـي عبـدالله صـالح وأسـرته وتتـألف الشبكة مـن عمليـات تجارية وشركات وأفراد في بلـدان بأمريكـا الشـمالية وأوروبـا وجنـوب شـرق آسـيا ومنطقـة البحر الكاريبي والشرق الأوسط وحيث تتبعت اللجنة أصولا قيمتها 48800000 دولار تابعة لشخصين تحت العقوبات هما علي عبد الله صالح وأحمد علي عبد الله صالح كما حددت شبكتين ماليتين تم استخدامها للالتفاف على تجميد الأصول.
وحول الصعوبات التي تواجه رصد الارصدة المنهوبة من اليمن فى عهد الرئيس المخلوع إن عملية تتبع أرصدة صالح واستردادها هي عملية معقدة فعلا لذا فإن العمل الذي قامت به اللجنة والنتائج التي توصلت إليها يعد عملاً ضخماً بالنظر إلى التعقيدات التي يعاني منها الموضوع وأهم هذه التعقيد أن عملية الفساد التي جنيت منها هذه الأموال كانت عملية منظمة يقوم بها الرجل الأول في الدولة وهو قادر على إخفاء الكثير من الأدلة بل واستخدام مؤسسات الدولة لتمرير هذه الصفقات المشبوهة بالإضافة إلى إدارة الأنشطة والحسابات من خلال أسماء أخرى مختلفة بعضها من أفراد أسرته وأسماء أخرى لتجار عرب ويمنيين يصعب إثبات العلاقة بينهم وبين صالح.
وقالت الدكتورة وسام باسندوة حول الصعوبات التي تواجه متابعة ما نهب من اليمن في الوقت الحالي وعلى الصعيد اليمني هو افتقاد حكومة اليمن إلى آلية لاتخاذ قرار بتجميد الأرصدة بموجب القرار 2140، وأن الأمر يخضع لسلطة المدعي العام عند الضرورة بموجب قانون الجرائم والعقوبات وهو ما يجعله خاضعا للسلطة التقديرية للمدعي العام وبالتالي فإن هناك تحدياً قانونياً اضافة إلى التحدي العملي حيث أن اليمن الآن مختطفة بيد صالح والحوثيين.
وأشارت معدة الدراسة إلى أنه برغم الجهود المبذولة من قبل اللجنة الدولية المختصة بهذا الصدد والجهود المبذولة من قبل الدولة اليمنية ممثلة بسلطتها الشرعية إلا أن هذه العملية لاتزال تسير ببطيء خاصة مع عدم تجاوب بعض الدول مع عمل اللجنة وهذا يعني منح المزيد من الوقت لكل يستفيد من يعمل باسم صالح بالتصرف في هذه الأموال أو نقل ملكيتها أو حتى التصرف بالأصول ما يعني مزيداً من الهدر في مقدرات الشعب اليمني والذي يعاني الأمرين من جراء الفقر والإفساد المتعمد وحيث يتطلع اليمنيون لاستعادة هذه الأموال المنهوبة لتكون مصدراً مهماً من مصادر إعمار اليمن بعد الحرب.