يواجه "حزب الله" اللبناني "الشيعي المسلح" مستقبلًا مظلمًا، بحسب مراقبين، نتيجة لتورطه في سوريا، عقب خروجه عن دوره النمطي الذي عرفه العالم العربي في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وفقد الحزب جزءًا كبيرًا من قوته المادية، والبشرية في المعارك المستعرة بسوريا منذ 2012، وتزامن مع فقدانه قوته المادية، فقدانه لظهيره الشعبي العربي، بعد افتضاح خيانته للعروبة بقتله الشعب السوري، وتهجير وحصار القرى السنية في محاولة لتغيير الديموغرافية السورية، تمهيدًا لسيناريو التقسيم..
وكشف تقرير صادر عن "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى"، أن خسائر الحزب البشرية، رغم حرص الحزب على إخفائها، تخطت الـ850 قتيلًا، مشيرًا إلى أن العدد الحقيقي تم إخفاؤه، لافتًا إلى أن تلك الخسائر دفعت الحرس الثوري الإيراني للتدخل في سوريا، خوفًا من فقدان الحزب توازنه العسكري، وتواجده في لبنان.
وأشار مراقبون إلى أن الخسائر البشرية للحزب ليست هي الخسارة الأكبر، بل وضعه نفسه في مواجهة الغالبية العربية السنية في المنطقة، وتحوله ليصبح "كومبارس" بسبب ارتباطه الاستراتيجي بإيران، مما يجعل مستقبله لا يختلف عن مستقبل الحزب الشيوعي السوري، الذي انتهى بخروجه عن خريطة الأحداث السياسية والمهمة في المنطقة.
الجنازات تكشف عظم خسائر الحزب
وأشار معهد واشنطن في تقرير تحليلي للباحث المهتم بشؤون الجماعات الشيعية علي ألفونة، تناول أخبار جنائز قتلى حزب الله في لبنان، إلى أنها تقدم معلومات كبيرة عن خسائر الحزب، خاصة أن حزب الله اللبناني حريص على إخفاء العدد الحقيقي لقتلاه بسوريا.
وقال "ألفونة": إن "إعلانات جنازات قتلى الحزب في سوريا، وتحديدًا الموجودة على موقعي (جنوب لبنان)، وموقع (يا صور)، تقدم نظرة مفيدة للطبيعة الفعلية لمشاركة الحزب".
وحول ما تقوله البيانات عن خسائر حزب الله قال تقرير معهد واشنطن، إن 865 عنصرًا من الحزب قتلوا خلال الفترة من 30 سبتمبر 2012، وحتى 16 فبراير 2016، في إحصاء أدنى، وسط إخفاء قيادة الحزب لمزيد من القتلى.
وأضاف التقرير أن الفترة المشار إليها رافقتها تقارير كثيرة حول موت الكثير من الشباب اللبنانيين بحوادث السيارات، أو جلطات القلب المفاجئة، فيما قد يكون محاولة لإخفاء الأعداد الحقيقية للحزب. ناقلًا ما أبرزته مصادر الوفيات أن على الأقل 49 عنصرًا من القتلى المشار إليهم وصفوا بـ" "القائد الشهيد"، في إشارة إلى عملهم ضباطًا أو قادة ميدانيين، لتفريقهم عن جنود الصف.
وحول كيفية الحصول على معلومات توضح كيفية مقتل جنود الحزب في سوريا، قال التقرير: إن من بين الـ865 المعروفين، كان الأمر معروفًا لما يقارب الـ32 فقط، وفي بعض الحالات كانت البيانات تأخذ من مواقع باللغة الفارسية، بدل اللبنانية.
وقام معهد واشنطن بتحليل تواريخ حالات القتل التي نقلها من المواقع اللبنانية، مؤكدًا أن التصاعد في القتل "حالات الوفاة"، حتى إن لم تكن معلنة، ترافقت مع معارك كبيرة في سوريا.
مستقبل الحزب يدفع الحرس الثوري للتدخل
وقارن تقرير معهد واشنطن بين قتلى حزب الله والحرس الثوري الإيراني في سوريا، مشيرًا إلى أن الفرق بينهم يكشف تغيرًا في سياسة إيران التكتيكية في سوريا. موضحاً أن إيران فضلت في بداية الأزمة مشاركة مباشرة للحزب في سوريا، بدلًا من نشر قوات كبيرة من الحرس الثوري الإيراني، ما أدى لارتفاع قتلى حزب الله مقابل قتلى الحرس الثوري.
وأضاف: أن "ارتفاع قتلى حزب الله في سوريا، هدد بإخلال التوازن العسكري في لبنان، واستعداء الأطراف الأخرى، ونقل المعركة إلى لبنان، ما دفع الحرس الثوري الإيراني إلى نشر المزيد من قواته في سوريا".
حزب الله يواجه الغالبية العربية والسنية
بدوره أكد الكاتب السوري عبد الباسط سيدا، أن الخسارة الأكبر التي مني بها "حزب الله" في سوريا منذ انطلاق الثورة السورية في 2011، ليست في خسارته لمقاتليه فحسب، ولكن تتمثل في فقدانه تأييد الشعوب العربية والإسلامية، التي وجدت فيه أيام معاركه مع جيش الاحتلال الإسرائيلي- وهي المعارك التي تمحورت حول قضية تحرير الجنوب اللبناني- مخلّصاً في زمن التراجعات والانهيارات في مختلف الميادين.
وقال "سيدا" في مقالته "السقوط الأخلاقي لحزب الله" إن "حزب الله تمكن بفعل معارك الجنوب، والهالة الإعلامية التي أُحيطت بها، إلى جانب تمكّن هذا الحزب من دغدغة المشاعر بخطابه العاطفي الإيثاري الزاهد، من كسب قلوب العامة من العرب والمسلمين، وكان في طريقه نحو كسب عقول النخب أيضاً، على رغم إدراك هذه الأخيرة، أن موضوع حزب الله برمته يدخل في إطار حسابات الاستراتيجية الإيرانية في مرحلة ما بعد الشاه".
وتابع: أن "الحزب المعني لم يتمكّن من الحفاظ على هذا المستوى من التأييد، نتيجة ارتباطه بالاستراتيجية الإيرانية، التي وضعته في حلف غير مقدس مع النظام السوري". وأشار إلى أن الحزب اتخذ مواقف في مواجهة اللبنانيين الذين كانوا قد تجاوزوا خلافاتهم، والإرث الثقيل لخصوماتهم وصراعاتهم السالفة، وتوافقوا على ضرورة الخلاص من نير النظام السوري.
وأكد "سيدا" أن الحزب بدأ بفقد رصيده الشعبي والقيمي في لبنان، وفي المحيط القريب من لبنان، وهو المحيط المدرك لأبعاد الدور الحقيقي المناط بحزب الله.
وأضاف أن وضع حزب الله الآن، مشابه لوضع الحزب الشيوعي السوري قبل وبعد حافظ الأسد، مشيرًا إلى أن الحزب الشيوعي كان يستمدّ قوته الأساسية لا من عدد المنتسبين إليه، وإنما من القيم التي كان يجسّدها، ومن الحاضنة الشعبية التي كان يحظى بها. وتابع: "ولكن مع سيطرة حافظ الأسد على مقاليد الأمور في سوريا بعد الانقلاب الذي قاده في 16 نوفمبر 1970، وتعطيله لدور الأحزاب الموجودة في المجتمع السوري، بعد هذه التطورات، تحوّل الحزب الشيوعي إلى جزء هامشي من السلطة، بخاصة أنه كان قد انقسم على ذاته، وفقد احترامه لدى الناس، وابتعدت منه النخب".
وقارن بين حالتي كل من حزب الله والحزب الشيوعي السوري، لافتًا إلى أن الجهة الراعية الموجهة، بل والآمرة، هي الاتحاد السوفيتي السابق في حالة الحزب الشيوعي، وإيران في حالة حزب الله.
وتابع مقارنته مشيرًا إلى تحول الحزب الشيوعي لـ"كومبارس"، على حد وصفه، مضيفًا أن "الأمر ذاته هو ما يحصل لحزب الله حاليًاً، فهو قد فقد قلوب الشعوب العربية والإسلامية".
وأكد أن حزب الله تحول لمجرد قوة عسكرية تفتقر إلى مشروع سياسي يطمئن اللبنانيين، على اختلاف انتماءاتهم وتوجهاتهم، بمن فيهم أبناء الطائفة الشيعية نفسها، الذين يشعرون بأنهم قد أُقحموا في معركة لا تخصّهم، مضيفًا أنه "يواجه اليوم بقوة السلاح، الغالبيّتين العربية والسنية في المنطقة، ولم تعد حججه قادرة على إقناع أحد".