خصصت مجلة "لوبوان" الفرنسية ملفها الرئيسي في عددها الصادر بتاريخ 21 يناير، للحديث عن المملكة العربية السعودية، وصفت فيه الرياض بأنها الحليف الرئيسي لباريس بالمنطقة العربية، غير أنها انتقدت "سياساتها الغامضة"، وتحدثت فيه عن النفط وكيف أنه يعتبر نقطة قوة المملكة وضعفها في نفس الوقت.. كما تطرقت خلال الملف للحديث عن الصراع بين الشيعة والسنة والتغيبر في المجتمع السعودي، وحرب اليمن والتنافس مع إيران، ونشرت موضوعًا عن الأمير محمد بن سلمان تصفه بالرجل القوي في المملكة..
وصفت "لوبوان" السعودية بأنها الحليف الأفضل لفرنسا في المنطقة، وقالت في مقدمة الملف: "إنها مملكة الغموض التي لديها علاقات غير واضحة مع الحركات الجهادية، ويعتبر النفط سلاحًا ذو حدين بالنسبة لها، فهو نقطة قوتها وضعفها في نفس الوقت، وفي بعض الأحيان تعمل على توتر المنطقة، كما تفعل في حرب اليمن، وتساعد على تأجيج الصراع السني الشيعي لمحاربة إيران، ومناهضة عودة الأخيرة إلى الساحة الدولية بعد التوقيع على الاتفاق النووي".
وأشارت المجلة الفرنسية إلى أن "هناك بعض التغييرات التي تجري في السعودية، ولكن هذا التغيير يجري بخطوات بطيئة جدًا داخل مجتمعها المحافظ والرافض للقيم الغربية في كثير من الأحيان، لنجد أنفسنا أمام صديق عجيب له قوة كبيرة، ورغم ذلك فإنه يبدو بالغ الهشاشة! الأمر الذي يثير قلق الجميع".
نموذج لم يعد قابلًا للحياة
وضمن هذا التحقيق أجرى الصحفي "أرمين أريفي"، حوارًا مع الباحث الأمريكي المتخصص في الشأن السعودي "توماس ليبمان"، تحت عنوان: "النموذج السعودي لم يعد قابلًا للحياة"، حسب تعبيره.
وحول سؤال عن خطورة تنظيم "الدولة الإسلامية" على المملكة، وهل هو قادر على إسقاطها، قال "ليبمان" إنه لا يعتقد ذلك، موضحًا أنه في عام 2003، قامت شبه انتفاضة من قبل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، إلا أنها فشلت بسبب فعالية قوات الأمن السعودية، إضافة إلى عدم وجود حاضنة شعبية كبيرة للتنظيم.
وأضاف أن نفس الظروف تنطبق على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، متابعًا أنه رغم أن غالبية السعوديين يميلون إلى الفكر السلفي، إلا أنه هذا لا يعني أنهم يدعمون أعمال العنف التي يقوم بها التنظيم.
ومن جانب آخر أشار الكاتب الأمريكي إلى الخصومة التي تفرق بين السعودية وإيران، وإلى أن العلاقة المتوترة بين البلدين قادت الرياض في بعض الأحيان إلى اتخاذ قرارات خاطئة، بحسب وصفه، كلفتها الكثير سياسيًا واقتصاديًا، مثل قرار تدخلها في اليمن في مارس 2015، وعدم حسمها للمعارك هناك حتى هذا الوقت.
وأكد "ليبمان" أن ما أسماها بـ "الحرب الباردة" بين طهران والرياض، هي حرب سياسية بالدرجة الأولى تستهدف بسط النفوذ على ثروات المنطقة والتحكم في سياساتها، وتقوم أسباب هذه الحرب على أسس اقتصادية وسياسية وليس طائفية، إلا أن قادة البلدين يحاولون إظهارها بالمظهر الطائفي لإبعاد الأنظار عن أطماع كل منهما.
وأكد أن السعودية تواجه في الوقت الحالي تحديات جديدة ليست مثل تلك التي واجهتها في العقود الماضية، حيث تواجه لأول مرة انخفاض أسعار النفط بشكل يؤثر على اقتصادها سلبيًا، حيث تحول النفط في هذه الأيام إلى نقطة ضعف للملكة، بسبب اعتمادها عليه بنسبة كبيرة، وعدم تنويع اقتصادها بالشكل المأمول، إضافة إلى الوضع المعقد في كل من سوريا واليمن، وتقلب الأوضاع في دول الربيع العربي.
وأشار إلى الموقف السعودي في سوريا، وكيف أنه لا يمكن التوفيق بين السياسات السعودية والروسية، حيث يعمل الروس على الدفاع عن نظام بشار الأسد وإبقائه في السلطة لأطول فترة ممكنة، فيما تسعى السعودية إلى إسقاطه باعتباره امتدادًا للمشروع الإيراني.
وحول إيران، أوضح أن "الكثير من الإيرانيين غير راضين بنظام الملالي، وأنه ربما يودون إبطال أو إلغاء الثورة الإيرانية، لأنهم غير راضين عن الوضع الحالي القائم الآن، ولا يريدون العيش في حالة عداء مع جيرانهم الخليجيين".
هل ما زالت تمول الجهاديين؟
وتحت هذا العنوان قالت المجلة الفرنسية إن الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، أعلن الحرب على تنظيم "داعش" وسار الملك سلمان على خطاه في هذا الموضوع، إلا أن بعض السعوديين يؤيدون التنظيم وعددًا من الحركات الجهادية الأخرى، ويقدمون لها الدعم للتأثير على ملفات داخلية وخارجية.
وقالت المجلة إن هجمات باريس فرضت على الفرنسيين أسئلة كثيرة كانوا يتغاضون عنها في السابق، لاسيما المتعلقة بأقرب حليف لفرنسا في الشرق الأوسط، ومدى دقة المعلومات التي تتحدث عن اتهام المملكة العربية السعودية بدعم تنظيم "الدولة الإسلامية"، الذي يشترك معها في الرؤية المحافظة للإسلام.
غير أن المجلة أشارت إلى رد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير على ذلك، بقوله إن تهديد تهديد داعش بالاستيلاء مكة المكرمة والمدينة المنورة، وعدم اعترافها بحكم آل سعود وسعيها لنشر أفكارها داخل المملكة، هو أكبر دليل للرد على من يقولون بتمويل الرياض للتنظيم.
وأشارت المجلة إلى أن السعوديين في مجملهم يعتبرون أن عدوهم الأول هو "إيران"، وليس تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".
محمد بن سلمان الرجل القوي بالمملكة
ونشرت "لوبوان" ضمن الملف أيضًا موضعًا خاصًا عن الأمير محمد بن سلمان ولي ولي عهد السعودية، ووزير الدفاع، وصفته بالرجل القوي في البلاد، ولديه طموحات كبيرة، ويضع أعداءه في الداخل والخارج نصب عينيه، ويسعى لأن يكون القائد الأقوى في الشرق الأوسط.
وقالت إن بن سلمان أمسك بوزارة الدفاع، وفي نفس الوقت يدير أكبر شركة نفط عالمية "أرامكو"، وأضافت أن الأمير السعودي، يُعد أصغر وزير دفاع في العالم، حيث تولى منصبه وهو لم يتجاوز الثلاثين من عمره.
أوضحت المجلة أن أي ضيف يريد مقابلة الملك سلمان، يجب عليه أن يمر أولًا على نجله محمد، مشيرة إلى أن هذه هي سر قوته التي تنبع من اعتماد والده عليه، وكلما كان ملازمًا له في كل خطوة، كلما ارتفع في التسلسل الهرمي للحكم في عائلة "آل سعود"، منذ أن ازداد نفوذه بعد أشهر قليلة من تولي والده حكم المملكة.