يعتبر البعض أن الحرب الحالية في اليمن تسببت في إيجاد شرخ في المجتمع، وخلقت حالة من الخصومة بين نخبه السياسية، ليس فقط على مستوى أكثر من حزب، بل داخل الحزب الواحد، كما هو حاصل في حزب «المؤتمر الشعبي»، الذي يتزعمه الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، بل إن الحرب قسمت البيت الواحد إلى قسمين أو ثلاثة وجعلت الأخ يحمل السلاح ضد أخيه، والإبن يقف على طرفي نقيض ضد أبيه، ما أوجد حالة من الخوف لدى كثير من الأسر من تعرضها مستقبلاً لموجة انتقام جراء احتسابها على هذا الطرف أو ذاك، في حين أن آخرين يعتبرون أن آثار الحرب محدودة ولا داعي لكل هذه المخاوف.
«السياسة» سألت اثنين من الباحثين المتميزين في اليمن، بشأن الأثر الاجتماعي الذي خلفته الحرب ومخاطر ذلك على مستقبل العملية السياسية والأحزاب والقبيلة في البلاد.
وقال عضو مؤتمر الحوار الوطني الكاتب والباحث قادري أحمد حيدر إن «الحروب الداخلية سواء كانت ذات طابع سياسي أو ديني في شكل حرب طائفية، أو كان سببها ذا مستوى سياسي أعلى على السلطة بين أحزاب أو تحالفات غالباً ما يكون لها آثار خطيرة على تركيبة النسيج والبنيان الاجتماعي لهذا الشعب أو ذاك، وتفكك الحالة الوطنية لهذا البلد أو ذاك، أما لو اتخذت الحرب أبعاداً متخلفة مذهبية أو طائفية أو يراد لها أن تكون كذلك، فإن الآثار ستكون أخطر، وقد تستمر لقرون مقبلة وليس لعقود».
وأضاف «إلى اليوم ما يزال اليمنيون يتذكرون الحروب الطائفية التي مر بها بلدهم منذ المتوكل على الله وحروب تعز وحروب الزرانيق والتهايم، التي اتخذت هذا البعد في المرحلة الإمامية القريبة، مروراً بحرب العام 1994، التي أدت إلى تفكيك النسيج الاجتماعي والوطني على صعيد شمال اليمن وجنوبه».
واعتبر أن «الأخطر الذي يمر باليمن هو، التحشيد والتجييش والفرز القائم حالياً على أساس مناطقي ومذهبي وجهوي»، مضيفاً إن «ذلك سيترك آثاراً مدمرة على النسيج الاجتماعي في المستقبل لكل اليمنيين».
وأشار إلى أن الحرب الداخلية لا بد من إيقافها والوصول إلى تسويات سياسية وطنية لحل المشكلة القائمة.
وبشأن مستقبل الديمقراطية والتعددية السياسية في اليمن، قال إن «الديمقراطية والتعددية السياسية ستتراجع لفترة طويلة، وسيكون ما هو أسوأ من الديكتاتورية، وهو استمرار الانقسام المجتمعي أفقياً وعمودياً وهذا أمر خطير، إذ أن ما حافظ على اليمن موحداً، هو أن الصراع السياسي لم يمس البنيان الاجتماعي ولم يحدث هذا الانقسام الأفقي في تركيبة المجتمع الوطنية، ولهذا ظلت إمكانية التهديد بالحرب الأهلية شعارات فارغة لا معنى لها، لكن اليوم هذه قضايا باتت حاضرة في المشهد السياسي اليمني».
وحذر حيدر من حدوث موجة انتقام آتية على أساس الهوية قائلا «اليوم انتعشت العصبيات على أساس هويات ما قبل الدولة، لكن بالإمكان كبح جماحها والحد منها باستعادة العملية السياسية، وأن يتم إيقاف الحرب وفق أسس ورؤى سياسية واضحة تحقق قضية الشراكة الوطنية بعيداً عن الثأر، وبعيداً عن عقلية الانقسام وتصفية الحسابات على أساس الهويات القاتلة المذهبية والطائفية والقبلية والجهوية والشطرية».
وأوضح أن القضية الجنوبية لم تعد تلك القضية التي كان يتم مناقشتها في مؤتمر الحوار الوطني بصنعاء، مشيراً إلى أن «هناك من بات يتحدث عن الجنوب العربي وينكر يمنيته وفي هذا خطأ يجب تداركه.
وقال «هذا خطاب نسمعه من قلة، لكن له صداه في المشهد السياسي والإعلامي»، مشيراً إلى أن الأحداث التي يمر بها اليمن حالياً، زادت من قوة شوكة العصبيات القبلية والجهوية، وأضعفت المكونات السياسية والنخب السياسية والفكرية والثقافية أيضاً.
وأضاف إن «الأخطر اليوم أن نجد مثقفين وسياسيين وأكاديميين يعودون للبحث عن شجرة أنسابهم السلالية والمذهبية والجهوية، ويحاولون تأسيس مواقفهم الفكرية والسياسية على أساس من هذه الحيثيات المتخلفة الماضوية».
من جانبه، قلل المستشار السياسي للمركز الدولي لحقوق الإنسان فضل الكهالي من شأن الآثار المترتبة للحرب على مستقبل الأحزاب السياسية التي تعاني من انشقاقات أو خلافات بين قياداتها، وفي مقدمها حزب «المؤتمر الشعبي»، قائلا لـ»السياسة»، إن «الحرب التي يمر بها اليمن قسمت اليمنيين إلى ثلاثة أقسام، قسمان هما المتصارعان، والثالث هو الذي التزم الحياد أو القسم الصامت، وهذا الأخير يمثل النسبة الأكبر من الشعب اليمني، في حين أن المتصارعين أو المختلفين يتمثلان في قيادتهما السياسية، والأحزاب السياسية على المدى القريب أو البعيد لن تتأثر باختلاف قياداتها على ذمة الحرب، باعتبار أن من خرج من البلد من تلك الأحزاب يمثلون قلة والمؤثرون موجودون داخل البلد وأي حزب كان لن ينتهي بانشقاق عشرة أو أكثر من قياداته بل سيبقى».
وبشأن تأثير الحرب على العلاقات الاجتماعية بين اليمنيين ومدى تأثر النسيج الاجتماعي، قال إن «التأثر بالحرب كان محدوداً، بسبب أن اليمنيين وصلوا إلى قناعة أن خلافات السياسيين هي من أجل مصالحهم وليس من أجل المواطن، لذلك لا يهم المواطن اليمني سوى أمرين لا ثالث لهما، الأمن ولقمة العيش الكريمة».
وفيما يتصل بالقبيلة، قال الكهالي إن «القبيلة في اليمن تحكم، وكل السياسيين يتقربون إليها في الوقت الذي يحتاجون لها، والمجتمع اليمني هو مجتمع قبلي، والقبيلة تطورت، وأي انتصار يتحقق لهذا الطرف أو ذاك لا يمكن أن يتم بمعزل عن القبيلة».