ينتظر اليمنيون منتصف الشهر الجاري بفارغ الصبر لما يحمله من هدنة إنسانية، وتوقف للحرب المستعرة منذ ما يزيد من ثمانية أشهر، تمهيدًا لمفاوضات مؤتمر السلام "جنيف 2" بين الحكومة الشرعية، وجماعة الحوثي "الشيعة المسلحة" وحزب المخلوع عبدالله صالح، إلا أن الانتظار ترافقه أسئلة كثيرة حول قابلية تلك الهدنة للاستمرار، وهل سيلتزم الطرفان بوقف إطلاق النار، وما فرص نجاح "جنيف 2" أو فشله، وما تداعياته على مستقبل البلاد، وخاصة سيناريو التقسيم حال فشله.
هدنة "هشة"
وتعد الهدنة الإنسانية والتي من المفترض أن تنطلق، الثلاثاء القادم، هي الهدنة الرابعة منذ بداية الحرب بين ميليشيا الحوثي "الشيعة المسلحة" والقوات الموالية لصالح من جانب، وقوات المقاومة الشعبية والجيش الوطني والتحالف العربي بقيادة السعودية من جانب آخر.
وسبق الهدنة المنتظرة ثلاث اتفاقيات هدنة فشلت بسبب خروقات ميليشيا الحوثي وصالح، وكانت الأولى في الـ13 من مايو الماضي، والثانية في الـ10 من يوليو الماضي، والثالثة في الـ27 من يوليو أيضاً.
وتزيد المخاوف من فشل الهدنة الحالية نظرًا للتجارب السابقة التي لا يلتزم فيها الحوثيون، وظهرت تلك المخاوف في تعليق عدد من النشطاء والساسة اليمنيين، وكان أبرزها تعليق للناشطة الحقوقية اليمنية توكل كرمان، والتي أكدت فيه أن الحوثيين لا يلتزمون بأي سلام إلا لو اضطروا لذلك، وقالت في منشور لها على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك": "مرتكبو المجازر الجماعية يصنعون سلامًا زائفًا حين يضطرون لذلك فقط".
وأشار مراقبون إلى أن الهدنة المزمع الإعلان عنها، هي هشة نتيجة لما رافقها من تصريحات من الطرفين، فعلى الرغم من أنها تتزامن مع محادثات "جنيف 2" الساعية للوصول لحل للأزمة، إلا أن محمد أنعم، رئيس تحرير صحيفة "الميثاق" الناطقة بلسان حزب المؤتمر الشعبي العام، أكد أن تلك الهدنة "مشروطة" بما يتم الاتفاق عليه بين طرفي الصراع في اليمن.
وأضاف "أنعم" في تصريحات له، أنها "لا بد أن تكون مشروطة بوقف العدوان ورفع الحصار عن المدن اليمنية". وتابع أن "الرئيس هادي هو من طلب هدنة.. لكن المؤتمر الشعبي وأنصاره (الحوثيون) لهم اشتراطات للموافقة على ذلك، وهي وقف العدوان ورفع الحصار عن المدن وإطلاق سراح المعتقلين لدى السعودية وقوات هادي، وذلك من أجل تهيئة المناخ لإنجاح محادثات جنيف2 حول اليمن المقررة منتصف الشهر الجاري".
رافق تصريحات المتحدث باسم حزب المؤتمر الشعبي، مطالبة من المبعوث الأممي لليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، للحكومة اليمنية، وجماعة الحوثي، باحترام الهدنة الإنسانية لخلق أجواء بناءة للمفاوضات، التي ستنطلق في نفس يوم انطلاقة محادثات السلام في مدينة جنيف السويسرية.
أما موقف الحكومة الشرعية باليمن، فقد لفت مصدر في مكتب الرئاسة اليمنية، إلى أن "الهدنة ستخضع لرقابة أممية وقابلة للتمديد في حال التزمت الميليشيات بوقف النار ولم تسجل أي خروقات".
وحول شروط الهدنة، قال المصدر في تصريح لوكالة فرانس برس، إن "اتفاق الهدنة ينص على رفع المتمردين الحوثيين وحلفائهم الحصار عن المدن، وتأمين وصول مواد الاغاثة الإنسانية إلى المتضررين، وإطلاق سراح المختطفين العسكريين، والسياسيين المحتجزين في معتقلات تابعة للانقلابيين".
مخاوف من فشل "جنيف 2"
لا تقتصر المخاوف على مستقبل الهدنة فقط، ولكن تنتقل لتصيب بارقة الأمل التي ينتظرها اليمنيون، والمتمثلة في مؤتمر السلام "جنيف 2"، والذي يأمل الكثيرون أن ينهي الحرب في اليمن، وسط تساؤلات حول الشكل الذي ستصل إليه نهاية تلك الحرب، سواء نجحت المفاوضات أم فشلت.
وتوقع الأكاديمي اليمني فؤاد البعداني، فشل جنيف2، مؤكدًا أنه لا جدوى منه نتيجة لشروط الحوثيين المسبقة.
وقال "البعداني" في تصريح سابق لـ"شؤون خليجية": (إن "جنيف2" مجرد تكرار لتجارب حوارية سابقة فاشلة، فكل حوار يخوضه الحوثيون هو حوار محكوم بالفشل مسبقاً، فلم يثبت قط أنهم أسهموا في إنجاح أي حوار سابق مطلقاً). وأضاف أن "تنكرهم للقرار 2216 يزيد من تعقيد جنيف 2 ووأده قبل أن ينعقد، لذا أقول ? جدوى منه"، واصفاً إياه بأنه "اجتماع ذو طابع شكلي". وأضاف: "اجتمعت جنيف 2 لأجل سوريا كان الأخضر الإبراهيمي هناك.. انظروا إلى سوريا هل تعافت بعد هذه المؤتمرات الدعائية؟".
من جانبه قال الباحث اليمني فيصل على: إن "الفشل وحده ينتظر المؤتمرات الخطابية غير الجادة، والتي لا تتدخل لإنقاذ الشعوب"، مضيفاً: إن صالح والحوثي ركنا الانقلاب، وجنيف بالنسبة لهم لكسب المزيد من الوقت لقتل الشعب اليمني، وللتخلص من "عقدة تعز"، لأن "تعز" تؤرقهم لأنها تقاوم، ومقاومتها تعني أن المشروع الفارسي إلى زوال في اليمن، والمشاريع الصغيرة شمالًا وجنوبًا إلى زوال، لأن تعز هي البعد الحقيقي للدولة اليمنية.
وأكد أن حل أزمة اليمن يتمثل في استمرار المقاومة، مضيفًا أن: "المقاومة هي السبيل الوحيد للخلاص، وعلى التحالف أن يدعم المقاومة بالأسلحة الثقيلة وينهي هذه الكارثة، التي لن تكون لليمن وحدها إن انكسرت المقاومة".
فيما اعتبر المحلل السياسي سام الغباري، أن جنيف2 من الممكن أن تحقق نتائج تحددها طبيعة الوضع الميداني والانتصارات على أرض اليمن، إلا أنه أعرب عن قلقه من نتيجة تلك المحادثات، قائلًا: "نتمنى أن يتحقق سلام الشجعان في اليمن، لا السلام القائم على المحاصصة الطائفية الملعونة غير الموجودة في اليمن، لكن السلام الذي يتحدث عنه البعض هو السلام الذي يدخل اليمن في نفق احتراب داخلي دائم، ليس للسعودية أي ربح فيه سوى الخسارة الدائمة، ولليمنيين أيضًا".