إعادة الاستيلاء على مدينة عدن وضرب الحوثيين في جنوب اليمن هي نقطة تحول استراتيجية في الصراع الدائر هناك. لقد شعر الشعب اليمني بالأمل مرة أخرى مع فتح المطار ووصول سفن المساعدات.
زيارة رئيس الوزراء المنفي “خالد بحاح” إلى عدن واستعادة السيطرة على قاعدة العند، وهي أكبر قاعدة عسكرية في اليمن، من قِبل حركة المقاومة جعل المستقبل يبدو أفضل في تلك البلاد.
كما حققت حركات المقاومة تقدمًا كبيرًا؛ وهي حركات مكوّنة في معظمها من جنود الجيش السابق ورجال القبائل الموالين للرئيس عبد ربه منصور هادي، والمتطوعين في القتال ضد الحوثيين وعناصر الرئيس السابق علي عبد الله صالح في تعز ومأرب.
في تعز، تم ترميم الأجزاء الغربية من المدينة ومطاردة الحوثيين من موقع عسكري كبير في جبل صابر. ولكن، هذه الانتصارات جعلت إمكانية التوصل إلى أي تسوية من خلال الوسائل السلمية غير محتملة.
لا بديل للعنف
لقد تعود الناس على العنف في اليمن حتى أصبح القاعدة الأساسية هناك. وترى العناصر القتالية أعمال العنف باعتبارها السبيل الوحيد للحصول على ما يريدون؛ ولذلك يعتقد العديد من المراقبين أنّه لا يمكن حل الوضع في اليمن من خلال التفاوض.
لقد وصل الحوثيون ومجموعة صالح إلى نقطة حيث القوة والعنف أصبحا الطريق الوحيد للمضي قُدمًا وفرض ما يسمى “سلطة الأمر الواقع”. تجبر هذه الاستراتيجية الآخرين على قبول حكمهم والخضوع لإرادتهم.
أدركت دول الخليج المشاركة في محادثات السلام بين الأطراف المتحاربة منذ بداية الصراع أنها بحاجة إلى عمل عسكري لحماية والدفاع عن حكومة منصور هادي؛ ولذلك دخل الصراع في مسار جديد، مسار اللاعودة.
كما كان اليمنيون في حالة حوار دائم منذ عام 2011، بما في ذلك مؤتمر الحوار الوطني الذي يعتقد كثيرون أنّه كان الحافز الرئيس وراء الصراع الحالي.
التفاؤل المدمّر
انتهى المؤتمر دون جدوى على الرغم من الفرص غير المسبوقة التي قدمها الحوار، فرص تضمنت خارطة طريق لوضع دستور جديد، وإجراء استفتاء وانتخابات رئاسية وبرلمانية.
كل هذا العمل الشاق، والتفاؤل، والإنجازات التي حققتها هذه المحادثات انهارت مع قنوات الحوار أيضًا. وبدرجة مساوية، قد يجادل البعض أنّ الأهم من ذلك هو انتهاء مصداقية اليمن كنموذج إقليمي تحويلي للنجاح في مرحلة ما بعد الربيع العربي.
في هذه الأثناء، اشترك صالح في الحوار الوطني مع الاستمرار في بناء تحالف قوي مع الحوثيين، “تحالف الضرورة” لتحقيق أهداف معينة.
رأى صالح أن الحوثيين عرضوا عليه فرصة للذهاب ضد القوى الثورية التي أطاحت به، وخاصة حزب التجمع اليمني للإصلاح.
الحوثيون كحصان طروادة
ربما اعتقد صالح أنّه يمكنه استخدام الحوثيين كـ “حصان طروادة” لاستعادة سلطته، وأنّ الدول المجاورة والقوى الدولية ستربط الحوثيين بإيران ومن ثم تتوق إلى الأيام الخوالي في حُكم صالح. الحوثيون، في المقابل، رأوا أنه يمكنهم استخدام الشبكة الموالية لصالح، واستخدام القوة المفرطة للسيطرة على البلاد.
في نهاية المطاف، عملوا معًا لعسكرة اليمن وإطالة أمد الصراع الذي منع العديد من الأطراف من العودة إلى طاولة المفاوضات.
مثلت محادثات جنيف في يونيو الماضي فرصة أخرى للمصالحة. وكان من الممكن التوصل إلى تسوية، ولكنّ الحوثيين وصالح سمحوا لدوامة العنف بأن تستمر مرة أخرى في ظل سعيهم إلى تحقيق أهداف تخدم مصالحهم الخاصة.
لقد كان حماسهم لمحادثات جنيف مجرد خدعة؛ فهم أعربوا عن أملهم في أنّ حضورهم سيوقف الغارات الجوية والهجمات ضد معاقلهم ويعمل على تشتيت انتباه المجتمع الدولي عن الفظائع التي ارتكبوها في الماضي. لكنّ ذلك لم يحدث.
أمل اليمن الوحيد من أجل المستقبل
يعتقد العديد من المراقبين أنّ أي حل للصراع الدائر في اليمن يجب أن يكون محليًا، وإلّا فإنه لن يكون هناك مستقبل لهذا البلد. لكنّ الحوثيين وصالح انتهكوا كل القواعد، وأداروا ظهورهم للمفاوضات والعروض لوقف إطلاق النار، ووضعوا الرئيس هادي تحت الإقامة الجبرية. ثم هرب هادي إلى منفى اختياري في المملكة العربية السعودية.
وحده الاتحاد هو الذي سيضمن بقاء اليمن في المرحلة المقبلة من تطوير الدولة.
في بداية هذا الصراع، كانت اليمن دولة ضعيفة -اقتصاديًا وسياسيًا- لمنع الصراع الحالي، وحاول هادي بمفرده السيطرة على الاضطرابات داخل البلاد. وكان الخيار الوحيد هو اللجوء إلى المملكة العربية السعودية ودول الخليج للمساعدة. وبمساعدة التحالف العربي وضرباته الجوية ضد الحوثيين وقوات دعم صالح، شعر هادي بالجرأة والثقة.
انتصار باهظ الثمن
ربما بدأ هادي في الشعور بالراحة عند معرفته أن عدن قد تحررت ورؤيته أنّه تمّت استعادة قاعدة العند. لكن من الحكمة ألّا ينسى مدى تعقيد وخطورة هذا الصراع.
على الرغم من استعادة مدينة عدن بنجاح؛ إلّا أنّ القضاء على أنصار الحوثيين وصالح في المناطق الشمالية مثل صعدة وعمران هو أمر باهظ الثمن.
والآن هو الوقت المناسب للتحالف العربي والأمم المتحدة والمجتمع الدولي، لوضع رؤية واضحة واستراتيجية قابلة للتطبيق حول كيفية حل الصراع في اليمن.
المأزق السياسي الذي تمثله المحادثات السابقة يشير إلى الخيارات العسكرية الوحيدة المتاحة حاليًا. ببساطة، يجب على مجلس التعاون الخليجي والمجتمع الدولي أن ينتهز هذه الفرصة من أجل المضي قُدمًا -كما فعلوا في عدن- وإجبار الحوثيين وقوات صالح في جميع أنحاء اليمن على استسلام غير مشروط.
بالطبع، هذا سيكلف الشعب اليمني ثمنًا باهظًا، ولكنه سيمهد الطريق نحو مستقبل أفضل لهذه الأمة التي يمكن أن تتطور بدعم من الشركاء الدوليين.