مع توالي الأحداث في اليمن وتتابعها بهذه الوتيرة المتسارعة، طفت على السطح منذ بداية العام 2014، أحداث وظواهر كان لها تأثير صادم لدى الكثيرين، في الداخل والخارج، وفي المقدمة أصحاب القرار، وكذا النخب التي وجدت نفسها متأخرةً كثيراً عن مواكبة الاحداث، في الوقت الذي أصبح الهامش أكثر أهميةً من المتن، وانتقل أمر القيادة والزعامة وربما الإلهام من أيدي قيادات " المتن "، إلى يد أشخاص لطالما اعتقدت النخب أنهم في زاوية مظلمة في " هامش " الحياة السياسية والاجتماعية، ذلك الهامش الممتد كامتداد سنوات الظلم والقهر والاستبداد التي مرت بها اليمن، طيلة العقود الماضية من عمر ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين.
من تلك الظواهر التي برزت مؤخراً في الحياة السياسية وفاجأت النخب وصناع القرار والمراقبين ، الظاهرة الحوثية، ومن أولئك الأشخاص الذين قفزوا إلى المقدمة بصورة سحرية، زعيم الجماعة السيد عبد الملك الحوثي، الذي أصبح خلال أقل من عام، من أهم الشخصيات المحورية ذات التأثير العميق في البيئة السياسية والاجتماعية.
بدأ نجم السيد عبد الملك الحوثي ( 35 عاما )، بالسطوع منذ ما بعد ثورة 11 فبراير 2011، إلا أنه زاد سطوعاً منذ بداية العام 2014، متجاوزا أسماء وهامات سياسية، ومدنية وعسكرية عريقة، وبطريقة جعلت من الكثيرين يعجزون عن تفسير هذه الظاهرة الشابة، وتقدير العوامل التي أفرزتها، سواء العوامل الشخصية ، أو تلك غير الشخصية، كالبيئة السياسية والاجتماعية والمرجعية الفكرية.
وعلى حداثة سنة، تمكن السيد عبد الملك في وقت قصير من إحداث هزة عنيفة في موازين القوى السياسية في اليمن، حتى تمكن من فرض نفسه لاعباً أساسياً وقويّ في المعترك السياسي، سالباً ألباب الكثير من اليمنيين ممن رأوا فيه ذلك القائد الذي يستحق أن تعلق عليه الآمال، خصوصاً بعد غياب القائد الملهم التي بإمكانه لفت الأنظار، وإحداث فرق في حياة المواطن، حتى ولو بالخطابات.
" صانع الملوك "
وصف موقع " ميدل إيست آي " البريطاني في تقرير للصحفي المتخصص في شئون اليمن " توم فين "عبد الملك الحوثي ، بـ" صانع الملوك " بعد أن كان إلى وقت قريب، مجرد " زعيم للمتمردين "، في إشارة إلى ذلك الظهور المفاجئ، والبروز الساحر للزعيم الحوثي، وانتقاله إلى موقع يضاهي موقع الرجل الأول والفعلي في اليمن.
ويضيف التقرير أن عبد الملك الحوثي، " وقف على رأس انتفاضة هزت الحكومة اليمنية من أساسها "، يقصد الحراك الذي قاده الحوثي منذ بداية شهر أغسطس الماضي ضد سياسات الحكومة فيما يتعلق برفع الدعم عن المشتقات النفطية.
وعن الشعبية والنفوذ الكبير الذي بات يملكه عبد الملك الحوثي، قال الخبير الألماني في الشئون العربية " رودولف كيميلي" في حوار مع القناة الألمانية، أن السيد الحوثي " يستمد قوته من شعبيته الواسعة بين أفراد عشائر جماعته"، مشيرا إلى أنه " ساعده في ذلك انتشار الجفاء ضد السلطة المركزية في صنعاء بشكل عام، والذي يوجد منذ مدة طويلة".
ويضيف بأن عبد الملك الحوثي، أصبح أصغر زعيم " استطاع أن يقدم تأثيراً"، فضلا عن تحوله إلى نسخة جديدة للقيادي الشيعي اللبناني " حسن نصر الله".
تعاظم النفوذ
منذ دخول جحافل " أنصار الله " إلى العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر، وما أعقبها من توسع لها في معظم المحافظات الشمالية، بالتوازي مع توسع نفوذها داخل كيان الدولة ومؤسساتها، زاد نفوذ عبد الملك الحوثي، في العقل الجمعي للسواد الأعظم من سكان المناطق النائية، وكذا الطبقة الفقيرة، في المناطق الشمالية والوسطى، فضلا عن ارتفاع شعبيته لدى الناقمين على السلطة الانتقالية.
وتحول عبد الملك الحوثي من رجل " كومبارس " في سياق الأحداث، إلى صانع للأحداث، وصارت سياسات الدولة تتعدل، وتتغير بناء على الإشارات والتوجيهات والشروط، وكذا التهديدات التي تتضمنها خطاباته المغلفة بقداسة " المظلمة الحسينية "، التي يتميز بها زعماء الحركات والكيانات المحسوبة على التيار الشيعي في العالم الإسلامي.
لقد أصبح نفوذ عبد الملك الحوثي طاغياً، إلى درجة أنه لا يمكن اتخاذ قرار، أو تنفيذ توجيه في الدولة إلا بموافقته هو ولجانه الثورية، تلك اللجان التي تحولت إلى سيف مصلت على كل صانعي القرار في الدولة، من رئاسة الدولة، وحتى قيادة المؤسسات الحكومية المختلفة، وهي كذلك على الخصوم أيضا.
في منتصف العام 2014، قررت جماعة الحوثي - بتوافق مع خصوم حكومة ما بعد الثورة - إزاحة محافظ عمران، المحسوب على حزب الإصلاح، محمد حسن دماج، في الوقت الذي كان نفوذ الجماعة وسطوتها لا تزال في مرحلة الاختبار، إلا أنها بدأت بالتعاظم تدريجيا، خصوصاً بعد نجاحها في القضاء على نفوذ أسرة " آل الأحمر ".
وفعلا تمكن الحوثيون في 8 يوليو من دخول عمران، والإطاحة بأحد ألد خصومها، ألا وهو العميد حميد القشيبي قائد اللواء 310 قائد محور سفيان، وكذلك إسقاط محافظ المحافظة محمد حسن دماج، وبسقوط المحافظة بيد الحوثيين، تكون الجماعة قد حققت نصرا استراتيجيا يضاهي كل انتصاراتها السابقة، كون عمران تمثل البوابة الشمالية للعاصمة صنعاء، وكونها كانت تحتوي على أعتى قوة عسكرية مناوئة للجماعة، ألا وهي اللواء 310، وقائده الموالي لعلي محسن الأحمر الذي يتهمه الحوثين بشن الحروب الست على الجماعة، وقتل مؤسسها الراحل حسين بدر الدين الحوثي.
ومنذ سقوط عمران، اصبح زعيم الحوثيين هو الشخص الأكثر شعبية ونفوذا في اليمن، وكعادته، قام بربط هذ الانتصار الذي حققته جماعته، ربما بمساعدة لوجستية من خصوم هادي والإصلاح واللواء علي محسن، قام بربطه بالعداء مع أمريكا وحلفاءها، حيث قال زعيم الحوثيين في أول تعليق على سقوط عمران بيد أتباعه، " أن مشكلتهم هناكليست مع الدولة، ولكن مشكلتهم مع ثلاثي الصناعة الامريكية "، مشيرا إلى أن هذا الثلاثي يتمثل في " القاعدة ودواعش الإصلاح، والقيادات العسكرية المرتبطة بالإصلاح ".
ما الذي يخفيه عبد الملك الحوثي ؟
يعتقد البعض أن السيد عبد الملك الحوثي يعيش في جزيره مقطوعة، وأنه يفتقر إلى القدرة على التواصل البناء مع مختلف الأطراف السياسية الداخلية والخارجية، وبالتالي فإن علاقته مع قوى الداخل والخارج ستظل مشوبة بالتوجس، والوحشة، لكن الواقع قد لا يكون كذلك.
فمنذ بداية العام الجاري، ظهرت إشارات قوية على وجود قنوات تواصل نشطة خارجية وداخلية تمتلكها جماعة الحوثي، وأنها قطعت شوطاً كبيرا في التواصل مع الأطراف السياسية على الساحة الوطنية، وكذلك مع أطراف خارجية، حكومية، وغير حكومية، فضلا عن التواصل المستمر مع البعثات الدبلوماسية الموجودة في اليمن.
لقد تمكنت جماعة الحوثي من فرض وجودها في الواقع السياسي، تماما كما فرضت وجودها في الواقع الجغرافي، وتمكنت من انتزاع شرعية الوجود، من قوى الداخل وفي مقدمتها الدولة، ومن بعض الدبلوماسيات العربية والغربية، منها على سبيل المثال الدبلوماسية البريطانية، حيث أكدت السفيرة البريطانية في أحد تصريحاتها أن جماعة الحوثي باتت شريك فاعل وحيوي في الحياة السياسية في اليمن.
وأبعد من ذلك ذهبت جمهورية روسيا، التي أرسلت مؤخرا وفداً خاصاً لإجراء مفاوضات لا أحد يعلم مضمونها مع السيد عبد الملك الحوثي.
كما أن خطابات السيد، وخاصة تلك التي القاها بعد سقوط عمران، وحتى خطابه الأخير، احتوت على إشارات دبلوماسية، ورسائل للدول العشر، ولدول الجوار، ولمجلس الأمن.
إذن عبد الملك الحوثي، لديه أيضا رؤية واضحة فيما يتعلق بالعلاقات مع دول العالم والإقليم، وخصوصاً الدول ذات الحضور الفاعل في اليمن، وبخلاف ما ترفعه الجماعة من شعارات، فإنها كانت ولا تزال حريصة على بناء جسور للتواصل مع أمريكا، وكذلك مع دول أوروبا، فضلا عن دول الخليج.
داهية واثق من نفسه
في أول خطاب له بعد سقوط العاصمة صنعاء، وبالتحديد في 24 سبتمبر خرج الحوثي ليلقي خطاب الانتصار، ذلك الشبيه بخطابات حسن نصر الله زعيم حزب الله، قبل الربيع العربي، وحينها كان الجميع مصدوم، حتى الحوثي نفسه، من سير الأحداث بتلك الطريقة الغير متوقعة، وحينها خرج السيد الحوثي في خطابه الشهير ، يعلن نجاح ثورة الشعب في القضاء على المفسدين، حد قوله، وكذا نجاحها في تحقيق أهدافها التي خرجت من أجلها.
وبناءً على ذلك الخطاب وصف المفكر السعودي الدكتور عوض القرني ، عبد الملك الحوثي بأنه " رجل داهية واثق من نفسه ، وخطيب، وسياسي بارع رغم صغر سنه".
وأوضح بأن خطاب السيد الحوثي في ظاهره وطني عروبي وإسلامي، وكأننا نستمع للرئيس عبد الناصر في بداية ثورته، لكنه أشار إلى أن هناك مفارقة بين تاريخ الحوثي القريب وبين مضمون خطاباته.
وامتدح القرني غياب البعد الطائفي من خطاب السيد عبد الملك، وكذا تركيزه على العدالة ومحاربة الفساد والشراكة السياسية وبناء مؤسسات الدولة، إضافة إلى طرحه قضية التعاون مع مختلف الأطراف، ومتحدثاً عن " يمن جديد "، لا مكان فيه للإقصاء، كما أنه أصر على أنه يمثل ثورة يمنية خالصة وأنه لم يدعم من الخارج.
التكيف مع الوضع الجديد
قبيل ثورة فبراير، اتسمت خطابات عبد الملك الحوثي بالصبغة الوعضية، وشيء من الحماس لقضايا الأمة الكبرى، وكان البعد السياسي، نادر الوجود، إلا في محضر الحديث عن المظالم التي تعرضت لها الجماعة خلال السنوات العشر الماضية.
وبعد ثورة 2011، بدأ التحول يظهر شيئاً فشيئاً في خطابات السيد، لكن بعد 2014، تحول كل شيء، حتى صارت تلك الخطابات تأخذ صفة الزعامة، وبعد أن صار الحوثي أقوى الكيانات على الساحة، كان خطابه هو الأقوى، وظهرت في ثنايا تلك الخطابات مؤشرات التحول الذي طرأ على النزعة القيادية لدى الرجل، لم يعد الرجل يتحدث، ويتفاوض بعد سقوط صنعاء كزعيم لجماعة مسلحة، بل صارت تحركاته من منطلق أنه الرجل الأول في البلاد، وبدا مكينا، وحصيفاً حصافةً الزعماء، لا يكثر الظهور الاعلامي، لا يذهب ليفاوض، بل يأتي المفاوضون والوسطاء إليه، وكل تلك كانت مؤشرات على قدرته الفائقة على التكيف مع وضع الرجل الأول في البلاد.
استمالة الشعب
تمكن عبد الملك الحوثي في خطاباته، من الحصول على إعجاب قطاع واسع من الطبقة الكادحة، وهي الطبقة الأوسع في البلاد، وبذلك أدرك جيداً من أين تؤكل الكتف.
لقد ركز عبد الملك الحوثي في كل خطاباته، على المطالب الشعبية الملحة، مستثمراً قضايا حساسة، كرفع الدعم عن المشتقات النفطية، وكذا الانفلات الأمني، والفساد المستشري، وتلك جميعها قضايا لا يختلف اثنان على أنها عادلة، وتحتاج إلى معالجة.
لقد أتقن الحوثي الضرب على وتر المطالب الشعبية الملحة، وهو ما دفع الآلاف للاستجابة إلى دعواته المتكررة للخروج إلى الساحات للتظاهر في أغسطس الماضي، لإسقاط الجرعة ، وتغيير الحكومة التي وصلت إلى حالة من العجز، جعلت من الجميع يتمنى رحيلها.
كما أنه كان يتحدث عن القضية الجنوبية بتعاطف بالغ، وأولاها مساحة في تلك الخطابات، وبلغ الأمر أن أعلن أن جماعته ستمنح نصيبها من الحقائب الوزارية من حكومة ما بعد الوفاق، للجنوبيين، كما أنه كثيرا ما طالب بضرورة حل مشاكلهم ورفع مظالمهم .
يضاف إلى ذلك قضايا أخرى تمكن من الاستثمار فيها، وتحقيق نتائج مبهرة، جعلته في نظر الكثيرين بمثابة المخلص، سيما بعد تراجع الحكومة عن قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية، وتغيير الحكومة، وهي الإجراءات التي منحته احتراماً ودعما شعبياً واسعاً.
التدرج المنطقي
من خلال متابعة السياق الزمني للأحداث، يتضح جلياً كيف أن الحوثي اتقن فن التصعيد المنطقي، وبطريقة متسقة مع ردود الفعل الحكومية، التي كانت بمثابة خدمات جليلة للحركة الحوثية.
لقد أتقن الحوثي استثمار كل فرصة، يمكن أن تدفع به إلى الأمام خطوة أخرى، وفي كل مرحلة، كان له مطالب جديدة، وشروط جديدة، حتى وصل الأمر إلى ما نحن عليه الآن، حيث باتت جماعة الحوثي وزعيمها، يتحكمون بكل مقاليد الحكم تقريباً.
الحفاظ على الصفة الصورية للرئيس
رغم أنه بات بإمكان جماعة الحوثي إقصاء الرئيس هادي، وإزاحته، إلا أنها كما يبدو لا تزال حريصة على بقاءه كلافتة للحكم، ذلك أنها تدرك جيداً أنها لن تحقق في حال وصلت إلى الحكم، واستولت عليه، نصف ما حققته وهي بعيدة عن المسئولية.
ومع أن الحوثي حرص على إظهار نفسه كظهير للسلطة في إزالة الفاسدين، وكذا محاربة الفساد، بل ومحاربة الإرهاب، إلا أنه كان حريصاً على تجريد الرئيس هادي من أي تعاطف شعبي محتمل، فهو بين الفينة والأخرى، كان يشن هجوم لاذع عليه، تارةً واصفاً إياه بالدمية، وتارة أخرى باتهامه بالارتهان للخارج، وفي آخر خطاب له في 15 ديسمبر الجاري اتهمه بأنه كان مساندا للمفسدين ، وأنه ونجله يعرقلون تنفيذ اتفاق السلم والشراكة.
ان استهدافه للرئيس اليوم، يأتي في ظل غلبة واضحة لجماعته، وضعف واضح للدولة، وأخلال جسيمة تعاني منها البلاد، وبالتالي فليس ثمة من هو راضٍ عن سياسة الرئيس هادي، ولا عن تعاطيه مع مختلف الأحداث، والقضايا، لذلك نجد عبد الملك الحوثي في مقدمة المنتقدين لفشل الرئيس هادي، في الوقت الذي يحرص على إظهار جماعته على أنها جاءت للحيلولة دون سقوط الدولة، لكنه أيضا يحرص على أن يظهر التزامه بالاتفاقات والاستحقاقات التي أشرفت عليها جهات خارجية، وهي الاتفاقات التي تتضمن دعم الرئيس هادي، ومساندته.
ترك الخيارات مفتوحة
عبد الملك الحوثي، كالسيد حسن نصر الله، يمتلك من القدرة على ترك الخيارات مفتوحة أمامه، بحيث يظهر وكأنه ليس طرفاً في أي اجراءات حدثت وتحدث، لذلك ، نجده يهدد متى شاء، ويحذر متى شاء، في الوقت الذي يعمل أتباعه على الأرض، بطريقه مختلفة جداً عن ما تضمنته الاتفاقات التي وقعتها الجماعة.
ولم يخل خطابه من تهديد، بخيارات مثيلة تلك الخيارات " المزعجة " التي سبقت سقوط صنعاء بأيدي أنصاره، وكما أن تلك الخيارات " المزعجة " ، انعكست واقعاً من خلال سقوط العاصمة، يبدو أن التهديدات الأخيرة التي أطلقها على خلفية قوله أن هناك من يتلكأ في تنفيذ بنود اتفاق السلم والشراكة، وأن هناك من لا يزال يقف في طريق " الثورة الشعبية "، يبدو أنها أيضا انعكست على الواقع.
كما عرض إلى أمكانية سيطرة جماعته على المؤسسات المالية والرقابية، وهو ما لوحظ خلال الأيام الماضية.
فلقد شهدت الأيام الأربعة الماضية، أحداثاُ هامة، مثلت امتدادا لتحرك 21 سبتمبر، متمثلة في تغيير بعض المسئولين، منهم محافظ الحديدة، وكذا اقتحام عدد من المؤسسات السيادية، كالمؤسسات الإعلامية، والمالية، وفرض مقربين من الجماعة لإدارتها، إذن فإن السيد عبد الملك، ينفذ فعلا كل ما يقوله.
الخطاب الساحر
لا يُخفي السيد عبد الملك الحوثي اعجابه وتأثره الكبيرين بشخصية السيد حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني، لذلك يلحظ المتابعون لخطابات الحوثي، ذلك التشابه الكبير بينه وبين حسن نصر الله، في ترتيب درجات الصوت، وفي حركات اليد، وحتى في بيئة الخطاب، وملابساته.
ولقد تمكن الحوثي بنجاح، من الاستفادة من المقدرة القيادية للسيد حسن نصر الله، واستطاع بذلك، وبالقضايا والشعارات التي تبناها، من الوصول إلى قلوب ربما مئات الآلاف، ممن وجدوا في شخصيته، مستراحاً من جدب القيادة التي تعانيه الدولة اليمنية.
الاستثمار الجيد لقضايا الأمة
لم تخل خطابات السيد عبد الملك الحوثي من ذكر القضية الفلسطينية، والتآمر الأمريكي على الأمة، وكذا مشروع مقاومة أمريكا وإسرائيل، متقناً بذلك توظيف القضايا الكبرى، وجراحات الأمة العميقة، في إطار مشروع جماعته الذي بدأ يتضح جلياً علاقته بالمشروع الإيراني في المنطقة، رغم إنكار زعيم الجماعة لذلك.
وهروباً من تعبات المسئولية التنفيذية أمام أبناء الشعب الطامحين إلى وقف الحروب، والدمار والمآسي التي لم تتوقف منذ سنين، خلع الحوثي على كل تحركاته وحروبه، صبغة عمومية مستمدة من الفكرة الأساس التي قامت عليها الثورة الإسلامية في إيران، ألا وهي فكرة العداء لأمريكا " الشيطان الأكبر "، أو ما يحلوا للحوثي وصفه بـ " قوى الاستكبار العالمي ".
شهادة صحفي
الصحفي محمد عايش رئيس تحرير صحيفة الأولى اليومية، قام بزيارة السيد عبد الملك الحوثي بعد سقوط صنعاء وتمدد الجماعة إلى محافظات عديدة غرب ووسط اليمن، وعقد معه جلسة استمرت 5 ساعات، وقد خرج عايش من ذلك اللقاء بإنطباعات إيجابية كثيرة.
الصحفي عايش قال بانه وجد " رجلاً واثق بشدة مما يفعل، ولا يفعل إذ يفعل إلا بعد تخطيط ودراسة فيما يظن الظانّ أن معظم معارك جماعته صادرة عن ارتجال و إلى قدام إلى قدام كما يقال "، مضيفاً أنه شخص صادق مع نفسه ومع جماعته وجمهوره ، مخلص لقناعاته وتصوراته عن القوة والعدالة والدولة والمواطنة والفساد والنزاهة.
كما أنه قال بأن زعيم الحوثيين " شديد اليقظة، متابع لأدق تفاصيل ما يحدث في البلاد، بريء من الفساد، لا يستقطب بالأموال، ولا ينفق على أحد لشراء ذمته أو موقفه، ولم يُعرف عنه حتى اللحظة أي سلوك في سوق إفساد الذمم المزدهر لدينا منذ لا نعرف متى"، فضلا عن كونه مستمع جيد، مضيفاً: " وعلى صرامته وصلابته في التمسك بمواقفه، ف وجدته متفاعلا جيدا مع النقد، لا يضيق به، ولا يتردد أن يستفيد منه أو أن يتفهمه في الحد الأدنى ".
وقد أخذ عليه بقائه في صعده، مشيراً إلى أنه" حان وقت انتقال زعيم أقوى تيار في البلد إلى العاصمة، والاقتراب من الناس والاحزاب والنخب وشخصيات الفعل العام"، مشيرا إلى أن مثل هذا الاقتراب " سيسهم في فض كل هذا الهواء المشحون بالعدائية المتبادلة، وبتأزيم السياسة، وتثمير الصراعات؛ كما سيزيل الكثير من الالتباس وسوء الفهم ليس بين أنصار الله والأطراف السياسية المحلية فحسب، بل والدولية أيضاً".