يميط تاريخ اليمن، اللثام عن شواهد عديدة على انفجار الأوضاع بعد إجراء حوارات بين الفرقاء لحل أزمات، وكأن الحوار في اليمن ما هو إلا استراحة محارب. فخلال العقدين الماضيين، شهد عددا من مؤتمرات الحوار خاضتها القوى السياسية باءت بتصعيد مسلح بين الفرقاء، أبرزها:
حوار 1994
بعد أربع سنوات من قيام الوحدة اليمنية في مايو 1990، جرى التوقيع في الأردن يوم 20 فبراير 1994، على “وثيقة العهد والاتفاق”، لتسوية الأزمة السياسية بين الرئيس اليمني آنذاك علي عبدالله صالح ونائبه علي سالم البيض، وتقضي بتحقيق جزء من مطالب الجنوبيين في ما يتعلق باللامركزية الإدارية (عن العاصمة صنعاء)، وإنشاء مجلس استشاري ووضع ترتيبات لدمج القوات المسلحة، فعندما قامت الوحدة لم تدمج القوات المسلحة ولا المعسكرات، فظلت قيادات الجيش في الشمال تسيطر على قواتها ومعسكراتها، وقيادات الجيش في الجنوب تسيطر على قواتها ومعسكراتها.
لكن سرعان ما تطورت الأحداث إلى حرب دامت قرابة 66 يوما سنة 1994، عرفت بـ”حرب الانفصال”، وهي حرب أهلية بين الحكومة وبين ما سمي بـ”جمهورية اليمن الديمقراطية”، التي أعلنها علي سالم البيض. وبمساعدة قادة من الجيش المحسوب على الجنوب، تمكن علي عبدالله صالح من حسم الحرب لصالحه، وهرب قادة الانفصال خارج البلاد.
حوار 2007 - 2011
في عام 2006 أجريت أول انتخابات رئاسية في اليمن، وسادها تنافس حقيقي، حيث انفرط التحالف التاريخي بين صالح وحزب “التجمع اليمني للإصلاح” (إسلاميون)، وخرج حزب الإصلاح ومعه بقية أحزاب “اللقاء المشترك” (تحالف لأحزاب المعارضة الرئيسية) بمرشح (فيصل بن شملان) تمكن من إحراج القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية التي يمتلكها صالح وأسرته وحزبه.
هذه الانتخابات شكلت مرحلة جديدة من الصراع السياسي، وعمل صالح على إشغال حزب الإصلاح بحرب غير مباشرة مع تمدد الحوثيين عسكريا في مناطق نفوذ للحزب، حيث يرى مراقبون أن صالح كان حريصا على عدم القضاء على الحوثيين، رغم ما توفر له من فرص لدحر تمردهم.
وأسس حسين بدر الحوثي جماعة أنصار الله عام 1992، وبعد 12 عاما قتلته القوات الحكومية، ليشهد اليمن، تحت حكم صالح، ستة حروب بين عامي 2004 و2010 بين جماعة الحوثي والقوات الحكومية، خلفت آلاف القتلى من الجانبين. كما اندلعت انتفاضة في الجنوب عبر تشكيلات الحراك الجنوبي السلمي المطالب بحق تقرير المصير.
كل ذلك تطلب عقد جلسات حوار ومفاوضات بين القوى السياسية، لا سيما وأن صالح، حسب المعارضة، كان يسعى إلى تعديل الدستور لضمان استمراره في الحكم ثم توريث الرئاسة لنجله أحمد.
المشهد اليمني برمته حينها كان مشتعلا، فحاولت القوى اليمنية المختلفة، قبل عامين من تلك الانتخابات، إصلاح الأوضاع عبر جلسات حوار بين عامي 2007 و2011 سادها الشد والجذب، وتوصلت إلى اتفاقيات لم تنفذ، مما أدخل البلد في أزمات سياسية متكررة، واتهامات متبادل بين الفرقاء بشأن المسؤولية عن إجهاض الاتفاقات.
بعد كل تلك الحوارات وصل اليمن إلى طرق مسدود، وتأثر الشارع اليمني بما بات يعرف بـ”ثورات الربيع العربي”، فانفجرت عام 2011 احتجاجات شعبية تطالب برحيل صالح، وتوصلت الأطراف السياسية إلى اتفاق “المبادرة الخليجية”، الذي سلم صالح بموجبه السلطة عام 2012 إلى نائبه حينها هادي، مقابل حصوله على حصانة. وهي حصانة يرى مراقبون أنها مكنت صالح لاحقا من الانقضاض على التسوية السياسية، عبر تحالفه مع الحوثيين.
حوار 2013 - 2014
جرى الإعداد لمؤتمر الحوار الوطني الشامل خلال فترة طويلة شهدت عدة عراقيل، إلّا أنه، وبضغط دولي، بدأت أولى جلساته يوم 18 مارس 2013، في صنعاء، واستمر عشرة أشهر حتى 25 يناير 2014.
وباختتام مؤتمر الحوار بنتائج ارتضاها الجميع للعديد من القضايا، تفاءل اليمنيون بقرب حلّ أزماتهم، لكن بدأ تصاعد عكسي للأحداث، قاد إلى زحف مسلحي الحوثي من معقلهم الرئيس بمحافظة صعدة إلى صنعاء.
وتحت تهديد السلاح، توصّل الحوثيون مع قوى سياسية، وبمشاركة هادي، إلى “اتفاق السلم والشراكة”. وهو اتفاق فرض فيه الحوثيون شروطهم على الجميع، ثم لم يلتزموا بأحد أبرز بنوده، وهو الانسحاب من مؤسسات الدولة وخروج الميليشيات، مما أدى لقيام التحالف العربي حملة عاصفة الحزم ضد المتمردين الحوثيين لاحترام شرعية الرئيس هادي وخروجهم من مؤسسات الدولة وتسليم الأسلحة للقوات المسلحة
حوار 1994
حوار 2013 - 2014