علي العائد
درجت السياسة الإيرانية على استخدام أوراق خفية في علاقاتها السياسية مع العالم القريب منها والبعيد. المشهور من أوراقها منذ ثورة الخميني 1979 هو تصدير الثورة الإيرانية. لم يكن الاصطلاح في وقتها يذهب إلى حد استخدام تعبير الثورة الشيعية. فالأصل في الثورة الإيرانية كان مجابهة دكتاتورية الشاه محمد رضا بهلوي، واستبداله بحكم الشعب، وصادف أن كان آية الله الخميني من المناهضين للشاه، فعاد من منفاه في باريس إلى طهران وسقط الشاه.
في ما بعد، طفا على السطح الوجه الشيعي للطموح الإيراني، كمشروع أولاً، وكوسيلة لمواجهة "قوى الاستكبار العالمي" في منطقة نفوذها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومؤخراً في عمق أفريقيا السوداء.
بدأ الأمر مع التحالف السوري الإيراني إبان الحرب العراقية الإيرانية، واستمر بشكل أقوى مع نشوء حزب الله في لبنان، وصولاً إلى مد أصابعها في غزة بعد الانقسام الفلسطيني بين "فتح لاند"، و"حماس لاند".
في ما بعد انطلاق الثورة السورية عام 2011، بدت إيران مضطرة للعب على المكشوف، ويوماً وراء يوم تفقد أوراقها الخفية، ولا تجد سوى ورقة الشيعية السياسية لتساوم بها، بالسياسة مرة، وبالسلاح مرة.
ومع انطلاق "عاصفة الحزم"، ليل الخميس الماضي، صمتت إيران لساعات، ثم أطلقت عباراتها الرسمية بوجوب إيقاف العملية العسكرية، وتصاعدت لهجتها بشكل لم يصل إلى درجة التحدي والتهديد، مثلما درج مسؤولوها من الدرجتين الثانية والثالثة حتى في الأحوال العادية، ودون مناسبة.
هي مشغولة الآن بملفها النووي الذي يتقدم ويتراجع مع كل جولة مع مجموعة "5+1"، ولا تريد الاستعجال لدرجة أن يخيرها العالم بين الحوثي وملفها النووي.
لعلها اختارت، وانتهى الأمر، فسمة السياسة الإيرانية هي البراغماتية، ولن تحتار في الاختيار. لكن الانتقادات الإيرانية لـ"عاصفة الحزم" وضعت النقاط على الحروف في صحة رعاية طهران للحوثيين، بعد أن كانت السياسة الرسمية تتهرب من الاعتراف بمثل هذه العلاقة التي لم تكن تحتاج إلى دلائل.
مع ذلك، لابد من التوضيح أن الحوثيين، وهم "سنة الشيعة"، وفق مذهبهم الزيدي، ليسوا على وفاق مذهبي تام مع الشيعة الاثني عشرية في إيران. والأمر نفسه يقال عن تحالف النظام السوري مع إيران، فالمذهب العلوي بعيد كل البعد عن المذهب الاثني عشري. وفي الحالتين، لعبت إيران وحليفاها: النظام السوري والحوثيون، على وتر الأرومة المذهبية المشتركة، وأعلنتا حلفاً سياسياً وعسكرياً. ومن باب أولى، سيكون حلف إيران مع حماس سياسياً، ولا شبهة هنا في حلف ديني.
وباستثناء التحالف بين إيران وحزب الله، التام الصفة، سياسياً ومذهبياً، يمكن أن تتخلى إيران عن كل حلفائها إذا قبضت الثمن المناسب.
وأول من ستتخلى عنه هو الحوثي، كون المعركة خاسرة سلفاً، والحوثي استعجل النتائج، وأراد انتهاز فرصة التخلخل السياسي في اليمن بعد ثورته التي لم تأت ثمارها بعد. فالحوثي، هنا، لم يكن طويل النفس، شأنه شأن حزب الله الذي انتظر عقدين قبل أن ينقض على السياسة اللبنانية، مستفيداً بالطبع من رعاية نظامي بشار الأسد وأبيه قبله.
في اليمن، قد تتخلى إيران عن الحوثي دون ثمن تقدمه لها دول الخليج، وعلى رأسها السعودية، لكن عدم وعي الخليجيين بالتقية السياسية الإيرانية قد يبقي لإيران موطئ قدم بين جماعة الحوثي، خاصة أن القضاء على الحوثيين كجماعة نافرة في السياسة اليمنية يبدو مستحيلاً، ولاتزال الدول الفاعلة ضمن "عاصفة الحزم" ترفع بواقعية سياسية هدف نزع سلاح الحوثي، بمعنى تحجيم هذا السلاح، وسوق الحوثي إلى طاولة المفاوضات دون سلاح.
وبالمنطق نفسه، يمكن مقاربة وضع إيران في سوريا، حتى بالقياس إلى الدرجة المتقدمة لتورطها في سوريا. وسيأتي يوم تميل فيه كفة السياسة، أو السلاح، أو الاثنين معاً، إلى الثورة السورية، وعندها على إيران أن تختار، بين مصلحتها القومية وبين مصلحة حليفها/ حلفائها الآيلين إلى السقوط.