عبدالفتاح البطة
لا يحتاج المرء لكثير تفكير حين يسير فى شوارع العاصمة اليمنية صنعاء وخاصة فى المدينة القديمة ، ويرى أبنيتها ومتاجرها، ويتفحص وجوه اليمنيين ويتكلم معهم ،حتى يحكم على طبيعة أهل اليمن ويعرف الأسباب وراء أزمته الحالية .
فالبلد تكالبت عليه مؤامرات من الغرب ينفذها منافقون محسوبون زورا على الصف الاسلامى يرفعون شعارات لخداع السذج مثل ( الموت لأمريكا - النصر للاسلام - الموت لاسرائيل - اللعنة على اليهود ) .
ويساعد هؤلاء المنافقين طبقة من الفاسدين من الساسة والعسكريين والأحزاب ورجال الأعمال وقادة القبائل والاعلاميين ممن أعماهم حب الانتقام أوقبضوا المال، وسلموا البلاد ( تسليم مفتاح ) لإيران وعميلتها جماعة الحوثى . ويضاف إلى كل ذلك ، جوار اقليمى لم يتعظ من حساباته الخاطئة فى العراق يوم أن خذل صدام حسين، فأسرع مهرولا نحو الشرب من كأس المنية فى اليمن .
وقبل سيطرة الحوثيين تماما على العاصمة، لا يمكن أن تُخطىء العين مدى الطيبة التى تشعر بها من التعامل مع اليمنيين, والنظر فى وجوههم ومراقبة تصرفاتهم فى الطرقات ووسائل المواصلات, وفى البيع والشراء. وقبل الذهاب إلى هناك ظننت أن السودانيين هم ( فى غالبيتهم) أطيب الشعوب الناطقة بالعربية, لكن اليمنيين تفوقوا عليهم فى أن ذلك الأمر يحدث بتلقائية وعفوية وبلا تصنع وبشكل لا إرادى، على عكس من يفعلونه - كثيرا - بقصد وبتعمد.
والنظرة إلى الكبير فى السن أوالمقام لها ما لها عند اليمنيين ، ولعل ذلك مكتسب من الحياة القبلية التى ما زالت إلى حد كبير محتفظة بمظاهرها التليدة .
ووضع المرأة فى اليمن من أبدع ما يكون ولا مثيل له فى كل بلاد الدنيا- على ما أظن- فكل النساء منتقبات تقريبا ويفعلن ذلك بدون تدخل من هيئة للأمر بالمعروف أوالنهى عن المنكر، فلا وجود لها فى اليمن. ولا تجد الرجل يطيل النظر فى المرأة التى تسير فى الطريق, أوتجد شبابا يتعرضون للنساء بالتحرش أوالمعاكسة كما فى كثير من عواصم بلادنا العربية والاسلامية للأسف .
وبعد الساعة التاسعة أوالعاشرة مساء لا تجد امرأة تسير فى الطريق، كما لا تجد محلات أومتاجر ما زالت مفتوحة ، ويبدو أن تلك الظاهرة المقيتة المستوردة من الغرب وهى السهر حتى الساعات الأولى من الصباح تسكعا فى الطرقات أوفى المقاهى لم تصل إلى اليمنيين حتى الآن.
ولا تلحظ أبدا امرأة تقف فى بلكونة أوشباك، فمعظم البلكونات- إن وجدت- عليها ستائر, والشبابيك على الطراز الاسلامى البديع لا ترى من خلفها، كما لا تسمع صوت امرأة عاليا فى شارع أومنزل .
وحب اليمنيين للحوارات والمناقشات لا حد له، فيمكن القول أنها من أكثر البلاد العربية حرية فى النقاش فى الأمور السياسية، ولعل ذلك مأخوذ من الطابع القبلى، حيث كان أهل القبيلة يجتمعون فى بيت ( شِق ) الشيخ يتسامرون ( يتعللون ) لكى يتكلموا ويتجادلوا ويتحاوروا مع شيخ القبيلة فى كل شىء بكل حرية وبلا خوف، حتى إذا قرر الشيخ أمرا بعد ذلك التزمه الجميع وطبقوه ولو على رقابهم .
فسائق التاكسى يتكلم عن تفاصيل التفاصيل فى الأمور السياسية ويشرحها ويحللها أفضل وأعمق من كثير من المتحذلقين والمتشدقين والمتفيهقين ممن يسمون ( محلل سياسى أواستراتيجى أومفكر أوكاتب ) .
وتتمثل الطامة فى هذا البلد فى مضغ نبات القات الذى يحظى بنصيب كبير من الاهتمام بزراعته، ويكاد يكون التجارة الأكبر فى البلاد، ففى كل حارة وطريق وسوق ترى من يبيعه، وترى جميع الأفواه وقد تضخم الشدق الأيمن أو الأيسر بنبات القات الذى لم يعد يقتصر مضغه على ساعات بعينها كما كان فى الماضى، ولا على أماكن بعينها، بل امتد مضغه إلى المساجد .
ولا تسمع أوترى مكانا أوفندقا تباع فيه الخمورأوأى من المسكرات المحرمة شرعا، أوفيه أماكن للرقص المحرم أوالزنا عن طريق فتيات الليل اللاتى يعملن كما فى بعض من البلاد العربية والاسلامية برخصة. فكل ما يساعد على الحفاظ على الشرف والعفة وحياء المرأة ، ويزيد من أواصر الرباط الأسرى وصلات الرحم والتكافل الاجتماعى تراه وتلحظه بلا أدنى تعب .
/نقلا عن الأهرام/