د.علاء عبدالحميد
إن نجاح الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في فك الحصار المفروض عليه من الحوثيين والعودة إلى الجنوب قلب كل التكهنات وخلط كل الأوراق السياسية ونقل الصراع في اليمن إلى إرهاصات مرحلة جديدة مفتوحة على السيناريوهات كافة لإعادة رسم مستقبل اليمن. فاستعادة هادي لموقع الرئاسة واستمراره في حكم البلاد وإدارة الأزمة, وربما في إشعال المقاومة والمواجهة المسلحة مع جماعة الحوثي أصبحت من مسلمات الواقع الحالي, وقد قوبل البيان الصادر من الرئيس بمظاهرات تأييد وارتياح على المستوى الشعبي إذ ان عودة الرئيس بمثابة الأمل المنشود في حقن دماء اليمنيين وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني.
أولاً: عودة الرئيس للجنوب: اعتبرت جماعة “أنصار الله” الرئيس فاقداً للشرعية بعد أن قدم استقالته وسيطرت عليهم حالة من الارتباك والتخبط بعد وصول هادي الى عدن ومطالبته بنقل الحوار الوطني إلى خارج صنعاء كما طالب الحكومة للانعقاد في الجنوب بمن حضر من الوزراء بعد تشديد الحصار على منزل رئيس الحكومة خالد بحاح.
وأصبح دور الرئيس ونفوذه محط أنظار العالم بعد أن باتت أغلب الثروات بقبضة رجاله في الجنوب, وهذا ما يزيد من قوة تأثيره في المشهد السياسي ويمنحه مزيدا من المناورة في إدارة الأزمة, داخلياً وإقليمياً ودولياً, فخروجه الى عدن يعطي زخماً لموقف الجنوبيين ووحدتهم, ويضعهم في مرحلة الخيارات الصعبة, فإما الوحدة أو الانفصال.
يسيطر موالون للرئيس هادي على مفاصل الحكم في الجنوب بفضل نفوذ شقيقه ناصر منصور هادي الذي يقود المخابرات العامة في معظم مناطق الجنوب, وكذلك وجود اللجان الشعبية, وتمكنت القبائل من تشكيل قوات مسلحة في حضرموت والمهرة وسقطرة وشبوة وأبين ولحج قادرة على حفظ الأمن والتصدى لأي هجمات من الحوثيين .
إن عودة الرئيس هادي إلى المشهد السياسي سيلقي بظلاله على المفاوضات التي يرعاها جمال بن عمر مبعوث الأمم المتحدة بين الأطراف السياسية في اليمن لبلورة اتفاق سياسي ينهي الأزمة الطاحنة التي عصفت بالبلاد وذلك بعد أن تم التوافق مسبقاً على ضم كل من مجلسي النواب والشعب معاً إلى المجلس الوطني, الذي ستكون له صلاحيات إقرار التشريعات الرئيسة المتعلقة بإنجاز مهمات واستحقاقات المرحلة الانتقالية , بالإضافة إلى تشكيل مجلس تشريعي آخر يُسمى مجلس الشعب الانتقالي , يضم المكونات غير الممثلة, ويمنح الجنوب 50 في المئة على الأقل, 30 في المئة للمرأة, و20 في المئة للشباب, وقد جاء هذا الاتفاق تحت ضغوط إقليمية ودولية أبرزها قرار مجلس الأمن قبل أيام الذي اقر بالاجماع يدعوفيه الميليشيات المسلحة, وبخاصة الحوثيين إلى تسليم أسلحتهم كافة والانسحاب من العاصمة صنعاء التي سيطروا عليها منذ الانقلاب العسكري.
إن أي صراع يمر بمراحل عدة, سواء في التصعيد أو التهدئة, قبل أن يصبح جاهزاً للمفاوضات وبلورة الحل وقد يزداد الصراع الداخلي ما يؤدي إلى فشل الدولة وانهيارها.
ثانياً: أشكال انهيار الدولة: ويأخذ انهيار الدولة شكلين أساسيين هما: الانهيار الشامل, والانهيار الجزئي وفي حالة الانهيار الشامل تؤدي الفوضى الناجمة عن الصراع المذهبي إلى الإطاحة بنظام الحكم القائم, ومن ثم تنهار مؤسسات الدولة وتتداعى أسسها السياسية وركائزها القانونية. وهنا تصل مستويات العنف إلى حدودها القصوى, وتتحول الدولة مجموعة من الإقطاعيات المنفصلة, التي يسيطر عليها أمراء الحرب. وتعتبر الحالة اليمنية هي أفضل مثال للانهيار الشامل للدولة بعد سيطرة “أنصار الله” على كل مفاصل الدولة.
أما حالة الانهيار الجزئي, فتحدث عندما تضعف سلطة الحكومة المركزية, ويترهل جهازها الإداري, ما يؤدي إلى عدم سيطرة الحكومة على بعض مناطق الدولة, وضعف فاعلية الجهاز الإداري في تقديم الخدمات العامة من تعليم وصحة وغيرهما, ما يشجع جماعات المعارضة على مواصلة القتال, ولكن من دون أن تتمكن من بسط سيطرتها على جميع أراضي الدولة وتعتبر الحالة اللبنانية هي خير مثال من خلال عدم سيطرتها على الضاحية الجنوبية أو بعض المخيمات الفلسطينية أو حتى منطقة عرسال.
ثالثاً: التأثيرات الاقليمية للصراع اليمني:
1- إزدياد التمدد الإيراني في المنطقة منذ اندلاع الثورة اليمنية في 11 فبراير 2011, فبسبب الارتباك السياسي وحالة عدم الاستقرار سعت طهران الى زيادة نفوذها في الساحة اليمنية عن طريق تقوية الحوثيين بتقديم الدعم العسكري والمالي والسياسي , وذلك من خلال السفن المحملة بالأسلحة التي ترسو على سواحل البحر الأحمر, وكان من بينها ما تم ضبطه من بعض سفن تحمل أسلحة في يناير 2013, بينها صواريخ ومتفجرات, وقذائف صاروخية, والكثير لم يتم الاعلان عنه.
2- يعتبر الوجود الإيراني في منطقة جنوب شبه الجزيرة العربية, والسيطرة على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر لما له من أهمية ستراتيجية كبرى فهو يمثل ممرا مائيا شديد الأهمية لحركة النقل البحري, وحركة التجارة العالمية, وكذلك التحكم في ناقلات النفط, ومن خلال المدخل الجنوبي في البحر الأحمر يمكن تطويق المملكة العربية السعودية, والتأثير على أمن الخليج, ولهذا أصدر وزراء خارجية دول “مجلس التعاون” الخليجي بيانا اعتبروا ما يجري في اليمن بمثابة انقلاب على الشرعية, كما كان قرار مجلس الامن الأخير بمثابة نجاح للتحركات السياسية للدول الخليجية.
3- تحاول طهران تغيير التوازنات الإقليمية, وذلك من خلال السيطرة على العاصمة الرابعة صنعاء بعد كل من بغداد ودمشق وبيروت, واستخدام أدوات التوتر الطائفي لتحريك القوى الشيعية في المنطقة, الأمر الذي من الممكن أن يؤدي إلى تفتيت الكثير من البلدان العربية نتيجة تصاعد العنف بين السنة والشيعة مستخدمة في ذلك التصعيد الإعلامي, وإرسال خبراء في مجال الاعلام للحوثيين, وإطلاق بعض القنوات الفضائية مثل قنوات “الميسرة” و”الساحات” و”عدن لايف”, وإصدار بعض الصحف الداعمة للحوثيين مثل, “المسار” و”الديمقراطي” و”الصمود”, وهو ما كان له تأثير فاعل في الحشد الشعبي لجماعة “أنصار الله”.
4- التداعيات الستراتجية السلبية على دول الخليج, فاليمن يمثل سداً منيعاً للعواصم الخليجية من الهجرة غير الشرعية والتنظيمات الإرهابية كتنظيم القاعدة و”داعش”, ويمثل أيضا ظهيرا أمنيا لكل من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان من خلال حمايته لحدودهما البرية الجنوبية بالنسبة للسعودية, والغربية بالنسبة لسلطنة عمان.
5- تعميق مشكلة الإرهاب والتطرف في جنوب الخليج, وذلك بزيادة أماكن التوتر والصراع من ناحية, وجذب المحاربين الجهاديين من كل أرجاء المعمورة من ناحية أخرى, وربما إستدعاء تنظيم “داعش” كتطرف سني مقابل لتطرف الحوثي الشيعي ما يعطي العمليات الإرهابية بعدا عقائديا ومذهبيا, ومن هنا تكمن الخطورة الحقيقية للصراع اليمني, ما ينذر بعواقب وخيمة لا تهدد اليمن فقط بل المنطقة بأسرها والعالم أجمع.
كاتب ومحلل سياسي مصري
/السياسة/