أسامة عجاج
قد لا يحتاج رصد العجز العربي، وعدم قدرة النظام الرسمي على التعامل مع أزماته إلى دليل جديد. فالأمر مستقر ومنذ سنوات ليست قليلة، ولكن هناك أدلة مضاعفة تؤكده، وآخرها تلك الصحوة المفاجئة للبحث في الأزمة اليمنية، رغم تفاقمها بصوره خطيرة منذ ?? سبتمبر الماضي عندما تمكنت ميليشيا عسكرية وهي أنصار الله -تلقى دعما خارجيا لم يعد يخفى على أحد- من اجتياح عاصمة عربيه وهي صنعاء، والتصريحات المنتشية بذلك الانتصار، والصادرة من مسؤولين على أعلى مستوى في إيران، وقدرتها على التأثير على مقدرات أربع عواصم عربية، بغداد وبيروت ودمشق وأخيرا وليس آخرا صنعاء.
والغريب أن تلك الصحوة أو الشعور بالخطر سرعان ما خمد بشكل درامي، لدرجة أنه وخلال ساعات تم تخفيض مستوى الاجتماع العربي الذي توافقت عليه بعض العواصم العربية، وكان مقررا له الأربعاء قبل الماضي في ?? فبراير الحالي، من وزراء الخارجية إلى المندوبين الدائمين، وخرج ببيان هزيل كان من الممكن أن يكون تصريحا صحافيا من الأمين العام للجامعة العربية الدكتور نبيل العربي، وقيل في سبب التخفيض إن وزراء الخارجية ومعهم الأمين العام منشغلون بالمشاركة في المؤتمر، الذي دعي إليه الرئيس الأميركي باراك أوباما، رغم أن موعد ذلك المؤتمر كان مقررا، ومنذ الحادث الإرهابي الذي استهدف مجلة شارلي إبيدو، وهو معروف سلفا لمن حدد موعد اجتماع الوزراء العرب، وقيل يومها إن الاجتماع الوزاري سيتم خلال هذا الأسبوع، بعد عودة الوزراء.
وكانت المفاجأة المتوقعة أن يتم ترحيل الاجتماع إلى الأسبوع الثاني من مارس، موعد الدورة العادية لوزراء الخارجية العرب، مما يعني أن الأزمة اليمنية ستكون بندا من بنود جدول الأعمال الحافل، والذي يضم العديد من الموضوعات، ولن تستغرق مناقشته سوى دقائق، وقد تتم الموافقة على مشروع القرار المقدم من الأمانة العامة بالتشاور مع اليمن.
والعجيب في الأمر ما حدث في الاجتماع، حيث حاول المندوب اليمني السفير محمد الهصميي، تخفيض سقف البيان الصحافي الصادر من الاجتماع، صحيح أنه تحدث في الجلسة العلنية وأمام الإعلام عن أن اليمن يمر بمرحلة فارقة، وظروف مصيرية تستدعي وتتطلب تحركا عاجلا بغرض مساعدته على تجاوز الأزمة بحلول سلمية توافقية، تضمن المحافظة على كيان الدولة ومؤسساتها، ولكن الأمر تغير كثيراً في الجلسة المغلقة عندما كان الاتجاه الذي قادته بعض دول الخليج إلى إدانة ما قام به الحوثيون وجماعة أنصار الله من وضع الرئيس اليمني وحكومته تحت الإقامة الجبرية والسيطرة على مؤسسات الدولة، وقف في سبيل ذلك على خلفية أن الأمر لا يحتاج استفزازا عربيا لأنصار الله، وأن محاولات تجري لاندماجهم كمكون في المنظومة السياسية في اليمن رغم أن تحركاتهم مستمرة دون أي اهتمام بأي قرارات تصدر من منظمات جهوية مثل مجلس التعاون الخليجي، أو دولية مثل مجلس الأمن.
وكلاهما عقدا اجتماعين كل على حدة لمناقشة الوضع، ولا ندري إذا كان ذلك الموقف اجتهادا شخصيا من المندوب اليمني محمد الهصميي، أم أنه توجيه من وزارة الخارجية، وإن كنت أرجح أنه الأول، خاصة مع حالة التخبط التي تعيشها المؤسسات الرسمية في اليمن، وإن كان البيان لم يخل من إيجابيات، ومن ذلك رفض أي تدخل في شؤون اليمن الداخلية في تلميح إلى دور إيراني فيما يجري في اليمن، أو فرض أمر واقع بالقوة، في إشارة إلى جماعة أنصار الله، والالتزام بالحل السياسي والعودة إلى طاولة الحوار الوطني.
ويمكن تفسير العجز العربي على التأثير أو المساهمة في حل الأزمة اليمنية، باعتباره ظاهرة عامة لا تتوقف فقط على اليمن، بل تمتد إلى كل الأزمات العربية سواء في سوريا أو ليبيا أو العراق أو لبنان، يضاف إلى ذلك غياب رؤية عربية موحدة تجاه مجريات الأزمة، والأمانة تقتضي هنا التأكيد على تهميش الجامعة العربية فيما يخص الأزمة اليمنية ومنذ بدايتها في فبراير ????، مع اندلاع ثوره الشباب هناك وتمسك علي عبدالله صالح بالسلطة، معتمدا على تحكمه في مفاصل الدولة، ووجود أنصاره في القوات المسلحة، التي لم تتخل عن ولائها له، ومعها دخل مجلس التعاون الخليجي على خط الأزمة، وطرح مبادرة وفرت لصالح الخروج الآمن من دون ملاحقة قانونية مع تنازله عن السلطة وبدء مرحلة انتقالية تتضمن مشاركة بين الحزب الحاكم وأحزاب اللقاء المشترك في الحكومة، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في نهاية المرحلة الانتقالية، والبدء في حوار وطني، ووضع دستور جديد للبلاد.
ولم يوقع عليها سوى بعد حين، لدرجة أن دولة مثل قطر انسحبت من المبادرة في مايو من نفس العام، احتجاجا على مماطلة صالح على التوقيع، وحاولت دول الخليج توسيع مظلة الحل، من خلال مجموعة أصدقاء اليمن، التي تضم عشر دول، خمسة من الخليج، والباقي دول كبرى، ويعني ذلك أن اللجوء إلى الجامعة من دول مجلس التعاون الخليجي جاء متأخراً، ونتيجة الإحساس بعدم تحقيقها لأي إنجاز يذكر، فسعت إلى الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، مع عدم قدرة دول الخليج على تمرير رؤيتها دوليا عبر مجلس الأمن، بدليل ما جرى في الاجتماع الأخير، خاصة بعد أن أصبح جمال بنعمر المبعوث الأممي هو صاحب الكلمة الفصل فيما يخص اليمن.
كما أن دولا عربية عديدة تميزت «بقصر نظر سياسي»، لدرجة أنها عانت من انفصام في المواقف، ولم تفرق في رفضها لجماعات الإسلام السياسي، خاصة الإخوان المسلمين، بين «خطر محتمل» وهو الجماعة، وبين آخر «مؤكد»، وهو في الحالة اليمنية جماعة أنصار الله، ولا يخفى على أحد أنها جزء من المشروع الإيراني في المنطقة، لدرجة أن بعض الدول وهي معروفة ولا تحتاج إلى تسميتها، أسهمت بالعمل والدعم، أو حتى بغض الطرف عما يحدث في اليمن، باعتبار أن المستهدف هو كسر شوكة التجمع اليمني للإصلاح بأبعاده المختلفة، «السياسي» الإخوان المسلمين أو «القبلي» بيت آل الأحمر أو «العسكري» اللواء علي محسن الأحمر.
وهي تدرك أن التجمع لم يكن أبدا جزءا من أي عمل عدائي ضد أي من دول الخليج، وتغاضت تلك الدول عن مخاطر نجاح المخطط الحوثي الذي يستنسخ تجربة حزب الله في لبنان، وعندما انفتحت شهية جماعة أنصار الله في محاولة لالتهام اليمن شماله وجنوبه، بدأ الشعور بالخطر على أمن الخليج، وعلى حركة المرور في باب المندب، ولكن بعد فوات الأوان.
ناهيك عن غياب رؤية عربية موحدة، أو استراتيجيه للتعامل مع الوضع في اليمن، من خلال الشعور بالخطر أو التأثر بما يجري هناك، حتى بين دول الخليج، فما بالك ببقية الدول العربية في المغرب العربي مثلا، كما أن هناك حالة من الانكفاء العربي الشديد على أوضاع كل دولة، والتحديات التي تواجهها، مع تعدد المخاطر.
فليس هناك إجماع عربي مثلا على الشعور بالخطر الإيراني، وتفاوت الإحساس به بين دولة وأخرى، وشمول الأزمات معظم الدول العربية، ويكفي إلقاء نظره على الخريطة.
/نقلا عن العرب القطرية/