الأرشيف

اليمن: صراع بين شرعيتين

الأرشيف
الاثنين ، ١٦ فبراير ٢٠١٥ الساعة ١٢:٥٠ صباحاً

علي محسن حميد


لم يكن ينقص اليمنيين انقلاب يزيدهم انقساما. لقد أخطأ أنصار الله الطريق فى انقلابهم الصاعق فى 6 فبراير، ومن المؤكد أنهم لم يفكروا جيدا بالعواقب وبعدم قدرتهم على إدارة بلد يرث تركة مثقلة بالمشاكل فى كل المجالات ومحاط بجوار لن يقبل تحت أى ظرف بأن تضار مصالحه.

الانقلاب ووجه برفض شعبي شبه كامل أكد عزلتهم برغم قدرتهم على التجييش والحشد وكلا العملين لا يحل مشاكل معقدة وعميقة الجذور ومتعددة الأبعاد فى بلد تتصارع قواه الرئيسية على المصالح والنفوذ وتغلف صراعها بالدين. لقد عبر الأستاذ محسن العينى عن هذه الحالة المستمرة بقوله عام 1972 عن توظيف الدين لخدمة السياسة إبان الصراع بين شطرى اليمن بأنه «لايوجد ماركس فى عدن ولا محمد فى صنعاء». اليمن كان يعانى من عدم كفاءة فى إدارة المرحلة الانتقالية لرغبة البعض فى جنى تضحيات اليمنيين، أما الفراغ المزعوم حتى لو تم ملؤه بهذا وذاك بعد الانقلاب فسيبقي حيا فى النفوس لأن أنصار الله سيكررون نفس خطيئة صالح فى حربه ضد الجنوب عام 1994 التى خلقت شرخا وطنيا يزيدونه هم الآن اتساعا.

لقد كان من بين أسباب الانقلاب رفض النظام الاتحادى بزعم أنه يقسم اليمن إلى كانتونات. هذا النظام أضحى ضرورة وطنية بعد إفرازات حرب 1994الكارثية وتركيز السلطة فى أيدى أسرة واحدة وهو وحده الذى سيحفظ وحدة اليمن بتوزيع السلطات والثروة ونزعهما من يد قوي المركز العسكرية والقبلية التى طال استئثارها بهما. النظام الاتحادى لو يعلمون ليس بدعة وهو حل لفشل صالح فى إدارة الدولة البسيطة بعد الوحدة عام 1990. والحق يقال فإن الاعتراض على الكانتونات من قبل أنصار الله كان سيختفى لو أطل الإقليم الذى وضع فيه محافظة صعدة على منفذ بحري.

لقد كان هذا مطلبهم أثناء جلسات مؤتمر الحوار الوطنى وهو مطلب مشروع لإقليم فقير الموارد. فى 6 فبراير استكمل أنصار الله انقلابهم الذى بدأوه فى 21 سبتمبر2014 ونصبوا فيه بذكاء فخا للرئيس هادى ولشركائهم فى عملية التحول السلمى ولرعاة المبادرة الخليجية ولمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة سمى «اتفاق السلم والشراكة الوطنية» الذي تقبله الكل، لأن مرجعيته كانت وثيقة الحوار الوطنى والمبادرة الخليجية ثم الشراكة وحينها لم يكن يظن أحدت أن لهم أهدافا مؤجلة وإستراتيجية مخفية. وبدون سابق إنذار اتهموا الكل بانتهاكه وزعموا أنهم يكملون ثورتهم لأنه لا ثورة بدون سلطة. لقد انفض عقد الشراكة بينما كان الحوار قائما والشعب يتلهف لنتائجه فى اليوم التالي.

واستكمل الانقلاب حلقاته بإعلان دستورى نص على استمرار العمل بالدستور ما لم تتعارض بعض مواده مع الإعلان وبيت القصيد هنا هو إلغاء منصب رئيس الجمهورية وطى صفحة الرئيس هادى وحل مجلس النواب الذى سيحل محله مجلس وطنى انتقالى مكون من 551 عضوا وهذا عدد كبير جدا يحول المجلس إلى منتدى وليس سلطة للتشريع. الإعلان سمح لأعضاء مجلس النواب فرادى وليس كممثلين لأحزابهم بالانضمام إليه وكلا المجلسين الرئاسى والوطنى غير مستقلّين ويخضعان للجنة الثورية التى سمى رئيسها ولكن لا يعرف أعضائها أو نسبة تمثيل المحافظات فيها أو مقارها أو أهدافها وبرامجها وهى التى ستحدد اختصاصات مجلسى الرئاسة والمجلس الوطنى الانتقالى وهى سلطة فوق السلطتين التنفيذية والتشريعية الجديدتين وقد نسى من صاغ الإعلان حل الغرفة الثانية فى البرلمان وهى مجلس الشوري. ويتوقع بعد استئناف الحوار برعاية مبعوث الأمم المتحدة السيد جمال بعمر أن يتنازل أنصار الله عن الإعلان مقابل تعديل دستورى ينص على مجلس رئاسى من 6 أشخاص يمثلون الأقاليم الستة فى الدولة الاتحادية.

لاشك أن اليمن سيدخل نفقا مظلما وليس مرحلة انتقالية ثانية لأن التوافق انتهى وسيبدأ مرحلة أحادية القيادة لا تتوافر لها فرص النجاح والبقاء، لأن الأغلبية والإقليم والمجتمع الدولى ضده. هذا الانقلاب لن يطول أمده وسيكتب على هامش تاريخ اليمن إلا إذا كانت الغاية منه الاكتفاء بحكم جزء صغير من اليمن. لقد غيرت وحدة شطرى اليمن وانتفاضة فبراير2011 موازين القوى والمفاهيم والنظرة لمضمون الوحدة ولوظيفة السلطة ولم يعد بإمكان أحد أن يضحك على اليمنيين باسم ثورة أقلية سياسية. لقد وحد الانقلاب اليمنيين من جديد، فالجنوبيون الذين يشكون من الهيمنة الغاشمة للمرتفعات القبيلة أو ما يعرف بالمركز المقدس رحبوا بأن يكون إقليم تهامة والجند وسبأ من مكونات يمن ثان مع إقليمى عدن وحضرموت وهذه الأقاليم الخمسة هى الكتلة الاقتصادية الصلبة .

ومع هذا فإن الصورة ليست قاتمة تماما فمن مؤشرات الانفراج وسقوط الانقلاب قبول أنصار الله باستئناف الحوار فى 9 فبراير برعاية جمال بن عمر لإدراكهم سوء العواقب على الصعيدين الداخلى والخارجي. إن مشكلة اليمن الرئيسية أنه لم يحكم منذ عام 1962بنظام جمهورى حقيقى وبمبادئ وبقيم جمهورية وأن البعض لايزال يرى فى الجمهورية طريقا مفتوحا للهيمنة وللمغانم.صالح الشريك فى الانقلاب منذ 21 سبتمبر زعم لوقت طويل أنه كان يحافظ على الجمهورية والوحدة ونسى أن الجمهورية مضامين ومؤسسات وليست مراكز قوي تعادى التعليم والتحديث وتسهل للجوار إنشاء جامعات ومعاهد ومدارس دينية تزيد عن الحاجة واستقبال وتصدير عناصر سلفية بأعداد كبيرة لإبقاء اليمن أسير الانقسامات المذهبية.

الوجه الآخر للأزمة هو السياسات المتعمدة للسلطة فى اليمن بتجاهل التنمية كرافعة للتقدم وكبوتقة صهر وطنى تفرز قوى جديدة ذات مصالح ورؤى ووشائج مستنيرة وهذا سبب الافتقار لطبقة متوسطة متماسكة لها قيم مشتركة تقود وتقبل بالحلول الوسط وتختلف ديمقراطيا وليس بالسلاح على تطبيق بعض السياسات. فكريا يسير أنصار الله على درب أحزاب الإسلام السياسى من إصلاح وسلفيين وهذا الخليط المتنافر يجمع على معاداة التحديث والديمقراطية والتعددية السياسية وحقوق المرأة .لقد بدأ حزب الإصلاح نشاطه بمعاداة الديمقراطية والإصرار على أن الحاكمية لله ولم ينطق بالديمقراطية ككلمة إلا اضطرارا وخضوعا لواقع كان سيتخطاه وهذا هو حال السلفيين وأنصار الله .

من جهة أخرى لم ترد مفردات الديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة ولا مرة واحدة فى خطابات السيد عبدالملك الحوثى زعيم أنصار الله ومن يشاهد المرأة فى صعدة سيرى أنها لا تختلف عن شقيقتها فى طالبان أفغانستان..أما الأزمة الحالية فقد أظهرت أسوأ مايمكن قوله عن اليمنيين المعارضين لانقلاب 6 فبراير الذين استخدموا لغة طائفية ونسوا أنهم تقبلوا حكم صالح الطائفى الإقصائى لثلث قرن بل كانوا شركاءه أو نشأوا وتوسعوا وأثروا تحت حمايته. هذا لا يعنى مطالبتهم بالصمت ولكن بمقاومة الانقلاب بمنظور وطنى غير تقسيمى لأن اللغة الطائفية تخلق اصطفافات تقسيمية غير محمودة العواقب ولنا فى العراق وسوريا درسان بليغان. لقد ارتكبت القوى السياسية اليمنية خطأ كبيرا عندما لم تطلب من الذين مثلوا مظلمة محافظة صعدة أن يتأطروا فى حزب سياسي يسجل فى لجنة شئون الأحزاب له قيادة وبرنامج وأعضاء يمثلون معظم محافظات اليمن بحسب قانون شئون الأحزاب وكان هذا هو أول خروج على الشرعية، وللمقال بقية لأن سيولة التطورات اليمنية مستمرة .

 أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)
أمريكا تتهم إيران بزعزعة الاستقرار في المنطقة ( كاريكاتير)