هشام منور
نفّذت جماعة أنصار الله، أو الحوثيين، تهديدهم وأذاعوا "إعلاناً دستورياً"، ينظم المشهد السياسي في اليمن، على حد تعبيرهم، ليسدلوا بذلك الستار على حقبة ثورات الربيع العربي، بعد نجاح معظم الأنظمة السابقة في العودة إلى سدة الحكم في بلادها، بطريقة أو بأخرى.
ساعات قليلة فصلت مغادرة المبعوث الأممي إلى اليمن، جمال بنعمر، "بشكل مفاجئ" إلى الرياض، للتشاور مع المملكة العربية السعودية حول نتائج مباحثاته مع الأطراف السياسية في اليمن. ساعات قليلة، وإذ بجماعة أنصار الله، أو الحوثيين، يغلقون الشوارع الرئيسة في العاصمة اليمنية صنعاء، للتمهيد أمام تنفيذ "وعيدهم" بإذاعة "إعلان" يسد الفراغ الدستوري والسياسي الذي خلفته استقالة الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، ورئيس حكومته في الثاني والعشرين من الشهر الماضي، إثر استكمال سيطرة الحوثيين على مرافق البلاد، بعد ابتداء عملية اقتحام صنعاء، والسيطرة عليها في سبتمبر/ أيلول الماضي.
فقد أعلنت ما تسمى "اللجنة الثورية" التابعة لجماعة "أنصار الله" (الحوثي)، مساء الجمعة، ما سمته "إعلاناً دستورياً"، يقضي بتشكيل مجلسين، رئاسي ووطني، وحكومة انتقالية. ونص الإعلان الذي أذيع في القصر الجمهوري في صنعاء، على تشكيل مجلس رئاسي من "خمسة أشخاص ينتخبهم المجلس الوطني الانتقالي المكون من 551 عضواً". وجاء فيه، أيضاً، أن "المجلس الوطني يحل محل مجلس النواب (البرلمان) المنحل، خلال فترة انتقالية تدوم عامين".
كذلك نص الإعلان أن اللجنة الثورية التي يرأسها محمد على الحوثي "معنية بتشكيل المجلس الانتقالي". ويتولى المجلس الرئاسي "مهام رئيس الجمهورية المستقيل، عبد ربه منصور هادي"، فيما "يتم تشكيل حكومة انتقالية من المجلس الرئاسي، تتولى إنجاز أبرز الاستحقاقات الوطنية، ومنها إجراء تعديل في مسودة الدستور". كما ورد في الإعلان أن "اللجنة الثورية معنية بتحديد صلاحيات مجلس الرئاسة والحكومة".
استكمل الحوثيون سيطرتهم الميدانية على كامل مرافق الدولة، منذ شروعهم باقتحام العاصمة صنعاء، إثر "المظاهرات السلمية" التي خرج بها أنصارهم، قبل أن يحركوا آلتهم العسكرية، مستعينين بعناصر وكتائب وفرق في الجيش اليمني، موالية للرئيس السابق، علي عبد الله صالح وابنه، في تحالف يوصف بأنه تحالف قوى الثورة المضادة للانقلاب على الثورة اليمنية التي أطاحت سلمياً صالح، مع الإبقاء على جسم النظام، ولا سيما مؤسسات الدولة وعناصر جيشه وأمنه، كما نصت على ذلك المبادرة الخليجية التي توجت ذلك الاتفاق.
موقف دول الخليج العربي لا يزال غامضاً إزاء "الانقلاب" الحوثي على منجزات الثورة اليمنية، واتفاقات شراكاتها السياسية، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي تجاور اليمن في حدودها الجنوبية، خصوصاً أنها تعتبر اليمن حديقتها الخلفية، وخاصرتها الرخوة والمزعجة، بيد أن المؤشرات تشير إلى موافقة ضمنية خليجية على الحراك الأخير، تمهيداً لإنهاك الخصوم الاستراتيجيين "إيران"، وفتح جبهة جديدة للاستهلاك المالي والاقتصادي بالنسبة للاقتصاد الإيراني، الذي يعاني من أزمة خانقة، عقب انهيار أسعار النفط، فضلاً عن رغبة خفية باستعادة الحليف القديم، علي عبد الله صالح، إلى الواجهة السياسية، لا سيما مع تواتر أنباء عن نشوب خلافات بينه وبين قوات الجيش الموالية له وجماعة الحوثيين، بعد استكمال السيطرة على السلطة، ومحاولة الاستفادة من الحليف القديم في "تحجيم" جماعة الحوثيين ونفوذهم تالياً، فيما ستكون هذه الخطوة مؤشر انقسام اليمن الذي ترفض المحافظات الجنوبية فيه الانصياع إلى أي أوامر آتية من العاصمة، المستولى عليها من الحوثيين، بعد إطاحة الرئيس "الجنوبي" عبد ربه منصور هادي.
وبعد تونس التي نجحت فيها الثورة المضادة ومؤيدوها بالعودة إلى سدة الحكم، عبر شراء الأصوات في صناديق الاقتراع، واستغلال ضعف خبرة الأحزاب التونسية التي حملتها موجة ثورة الياسمين في تونس، ومصر التي نجحت فيها المؤسسة العسكرية في تنفيذ "انقلاب أبيض" على مؤسسات الدولة الشرعية في البلاد، وفرض نموذج "العسكري المدني" لإدارة البلاد بقفازات "ناعمة"، ها هي اليمن تستنسخ نموذجها الخاص بالثورة المضادة، لكنه النموذج الأكثر وضوحاً، والأقل مواربة، والأبعد عن سلوك السبل السياسية والملتوية في الوصول إلى حكم شمولي، يستأثر فيه أنصار الثورة المضادة بكل مرافق الدولة، وكل السلطات التشريعية "المجلس الوطني الانتقالي"، والتنفيذية "الحكومة ومؤسسة الرئاسة".
فهل يدشن "الإعلان الدستوري" الذي أذاعه الحوثيون حقبة انتهاء الربيع العربي، وثوراته الشعبية، مع عودة السلطات والأنظمة السابقة إلى الحكم، في معظم البلدان التي شهدتها دول الربيع العربي؟