أقرت قوات «التحالف العربي» التي تدعم الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته بمسؤوليتها عن الهجوم على مجلس عزاء في العاصمة صنعاء والذي تسبب بمقتل 140 شخصاً ووقوع أكثر من 500 جريح.
اعتراف «التحالف» بالمسؤولية يعطي مصداقية للجنة التحقيق التي كلفتها تقصي حقيقة الأحداث، فالمعروف عن السلطات كافة لجؤها إلى تكليف لجان تحقيق تعمل عملياً على دفن أي قضية تحقق فيها عبر اجراءات زمنية وبيروقراطية معقدة.
الإقرار، من جهة أخرى يحمل حكومات التحالف العربي المشاركة في الحرب القائمة في اليمن مسؤوليات قانونية وأخلاقية تفرض إعادة تأطير عملياتها العسكرية ضمن المنظور السياسي الذي يتجاوز مقارعة متمردين خارجين عن الشرعية ورئيس دكتاتور (علي صالح) انقلب على الاتفاقات السياسية مع المجتمع الدولي ومع جيرانه الذين أنقذوه من الموت وحافظوا على حياته وتحالف مع الحوثيين والإيرانيين مفضلا تدمير بلاده على السير في طريق تداول السلطة والدولة المدنية الديمقراطية المأمولة.
يأتي كل ذلك مع مراوحة العمليات العسكرية في تقديم نتائج حاسمة على الأرض وكذلك مع رفض مستمر من طرف الحوثيين وصالح لعقد تسوية سياسية تعيد تسليم السلطة للشرعية والسلاح الثقيل لمؤسسة موحدة للجيش وخروج المسلحين من صنعاء ووقف الحصار والتجويع لتعز وغيرها، وهو ما يسمح باستمرار الفوضى السياسية وتفاقم معدلات الفقر والتهجير، وهي الظروف المثلى لانتشار التطرف بكافة أنواعه والعمليات التي ينفذها تنظيم «القاعدة» وتلك الأخرى التي يدعي تنفيذها تنظيم «الدولة الإسلامية».
تنعكس أوضاع اليمن عسكريا وأمنيّا وسياسياً على دول التحالف، وخصوصاً السعودية التي تتعرّض حدودها دائما لمحاولات قصف وتقدم عسكري حوثية، وقد استجدّت مؤخراً عمليات قصف بحرية أصابت سفينة إماراتية واستهدفت سفنا حربية أمريكية بالصواريخ (وردّ واشنطن عليها باستهداف ثلاثة رادارات لا يعني تغييراً في حسابات واشنطن التي تستمر عمليات طائراتها بدون طيّار بتجاهل مسببات ونتائج الصراع كلها ـ باستثناء تنظيم «القاعدة»!).
إلى أكلافها السياسية والقانونية فإن للحرب القائمة في اليمن أكلافاً اقتصادية كبيرة على أطراف الصراع كافّة وخصوصاً في ظل تراجع أسعار النفط مما أدّى إلى إجراءات تقشّف واضحة في أغلب دول الخليج.
حادثة مجلس العزاء، بهذا المعنى، هي مناسبة لتنبيه منظومة «التحالف العربي» بأن مراجعة قواعد الاشتباك العسكرية مع أعدائها الإقليميين والمحليين في اليمن لا تكفي وحدها للتعاطي مع الوضع الكارثيّ الذي آل إليه اليمن وأن الأمر يرتبط أيضاً بطرق رؤية هذه المنظومة لعالم يتغيّر بسرعة هائلة ويضع تحدّيات أكبر على نخبها ومجتمعاتها.
من دون مراجعة سياسية حقيقية لكل ما يحصل في المنطقة فإن مجلس العزاء اليمني (ومجالس العزاء العربية الأخرى في العراق وسوريا وفلسطين وليبيا) سيظل مفتوحا!