تحركات الطرف الانقلابي على الأرض اليمنية تشتغل بديناميكية عالية ويجب أن يكون على نقيضها ديناميكية سياسية أعلى للطرف الشرعي توازي تحركاته العسكرية، فحتى الآن لا توازي بين الخطوة السياسية والعسكرية باستثناء حراك سياسي ودبلوماسي نشط يقوم به رئيس الوزراء الدكتور أحمد بن دغر ووزير خارجيته عبد الملك المخلافي.
بفاعلية غادرة انطلق الانقلابيون السبت نحو مجلس النواب وحشدوا أقل من نصفه للتصويت لصالح مجلسهم السياسي الذي تناصفه صالح والحوثي، وشهد القصر الجمهوري الاثنين مراسيم ذبح النظام الجمهوري حين حضر الميليشاوي محمد علي الحوثي لتسليم السلطة المغتصبة للمغتصب الجديد الميليشاوي صالح الصماد، وخُصِصَ الثلاثاء للقاء صالح ببعض أعضاء كتلة حزبه البرلمانية لإبلاغهم نيته تشكيل حكومة جديدة بالشراكة مع شركائه في الخراب أنصار الله "الحوثيين"، وفي 20 أغسطس سينظمون مسيرة تأييدية لانقلابهم على النظام الجمهوري وعودة الإمامة إلى الحكم متدثرة بالعلم الوطني وبرعاية صالح!
فاعلية عالية في ظرف ثلاثة أيام فقط، كان اللافت فيها حضور القائم بأعمال السفارة الإيرانية رغم إعلان صنعاء قطع علاقاتها مع طهران، وحضور القائم بأعمال السفارة الروسية بصنعاء أوليغ دريموف الذي قال إن بلاده "لا تريد أن تكون الشرعية محل خلاف لليمنيين ولكن الوفاق هو الأفضل"، وأن بلاده "تؤيد كامل الخطوات اليمنية بما فيها المجلس السياسي"، هذه اللغة الواضحة مضاف لها ترحيب الخارجية الإيرانية بالمجلس السياسي الانقلابي، وحضور مدير مكتب اليونيسيف بصنعاء جوليان هارينز ذلك الحفل، وهي منظمة تابعة للأمم المتحدة معنية بالصحة ولا علاقة لها بالسياسة، كل هذه الخطوات ترسل إشارة واضحة إلى أن المجتمع الدولي لن يظل إلى جوار الشرعية اليمنية إلى الأبد، فالتأييد موقف سياسي وليس زواجا كاثوليكيا، وأن عليها أن تستثمر كل لحظة تمر في حياتها، وأن المنفى يأكل جسد الشرعيات كما يأكل الصدأ الحديد، فلا يوجد في التاريخ حكومة شرعية ذهبت للمنافي وتركت الطرف الانقلابي يعمل على الأرض ثم عادت بقدرة قادر واستلمت الحكم مرة أخرى، حتى في التكوين البدائي للقبيلة نجد الشيخ الذي يهجر مرعى ربعه ينساه الناس، ويسلمون أمرهم للبديل.
وحتى وإن لم تدم فرحة الانقلابيين الإماميين طويلاً بالموقف الروسي الذي نفته موسكو سريعاً وقالت: "سياسياً وقانونياً لا يمكن الاعتراف بحكومتين ونحن ضمن الرعاة العشرة لعملية السلام اليمنية"، وأكدت أن نائب وزير خارجيتها ميخائيل بوغدانوف سيلتقي وزير الخارجية اليمني بعد غدٍ السبت بمدينة جدة السعودية، وهي فرصة جديدة يهبها التاريخ للدبلوماسية اليمنية لتحسين علاقتها بموسكو وأن تكسبها كليةً إلى الموقف المساند للحكومة الشرعية.
الرئيس هادي ومنظومة حكمه هم الشرعية صاحبة الحق في حكم اليمن، باعتباره رئيسا انتخبه كل الشعب اليمني بالتوافق، ويجب أن يعود إلى الداخل اليمني ويلتحم مع شعبه فوق تراب وطنه، فأقوى أيام شرعية هادي خلال الحرب كانت الـ86 يوماً التي قضاها بعدن، ثم الـ52 يوماً التي قضاها رئيس الحكومة الدكتور أحمد بن دغر بعدن خلال يونيو ويوليو الماضيين، والأيام الحالية التي يقضيها نائب رئيس الجمهورية الفريق علي محسن صالح في مأرب المتاخمة لصنعاء وإشرافه المباشر على سير المعارك هناك، واقتراب مدفعية الجيش الوطني من قلب العاصمة.
هذا العمل الصامد والتقدم المكتسب على الأرض يومياً بحاجة ماسة إلى فعل سياسي ودبلوماسي مواز، وهناك خطوات إيجابية لوزير الخارجية في التواصل مع العواصم الأوروبية والعربية، ويجب أن يردفه خطوة سياسية تتمثل بعودة جماعية للنخبة الحاكمة إلى الداخل اليمني، حينها سيغير العالم لهجة خطابه مع الانقلابيين وسيعرفون وزنهم الهش على الأرض اليمنية التي لا تقبل دعاة الموت وأمراء الحروب.