لم يكن مقررا أن يخطب نصر الله يوم الجمعة الماضية كما كشف الإعلان المفاجئ. كما لم يكن اتفاق الحوثيين مع مخلوع اليمن متوقعا في ضوء مشاورات الكويت، لكن كلا الحدثين (الخطاب والاتفاق) كانا مرتبطين بالتطورات في حلب.
لم تُحسم معركة حلب إلى الآن، رغم التقدم الذي حدث، وهو تقدم تجاهل نصر الله وسائر أدوات خامنئي أنه لم يأت بفعل بطولتهم، بل بفعل الغطاء الجوي الروسي، ومعه التواطؤ الأمريكي المعلن، ويبدو أنه خجل قليلا هذه المرة من سوْق الأدلة على عمالة من يسميهم التكفيريين لأمريكا بعد أن تابع موقف واشنطن من جبهة النصرة (دعك من تنظيم داعش). من الفلوجة إلى حلب، وصولا إلى اليمن يستعيد القوم ظاهرة الهياج الأعمى، ومعه غرور القوة رغم ما يعانونه من نزيف، إن كان في سوريا أم في اليمن أم كان في العراق، لكن الحاجة تبدو ماسة لتذكيرهم ببعض الحقائق التي يتجاهلونها وهم يحتفلون بالانتصارات، وبالطبع لأجل لملمة مشاعر حاضنتهم الشعبية التي كانت في وضع سيء قبل شهور قليلة على وقع هزائم في حلب، وتراجعات في اليمن، والأخيرة لا جديد فيها، وهم لن يتحكموا باليمن ولو استمرت المعركة أعواما أخرى، لكن النتيجة أن عليهم مواصلة القتال حتى يأذن “الولي الفقيه” بتسوية، فهو الذي يقرر، وليس عبد الملك الحوثي، فضلا عن الطاغية المخلوع الذي صافحوه أخيرا في العلن لكي تكتمل فضيحتهم لمن كان يشك في أنهم لصوص ثورة لا صلة لهم بالثورة ولا بالثوار الحقيقيين. بما يجري في سوريا، وكذلك العراق واليمن، وحتى لبنان، تثبت إيران أنها بصدد التحول إلى قوة احتلال، تُضاف إلى الاحتلال الصهيوني. وفي حين يصعب القول إن الحسم العسكري سيكون متاحا في سوريا واليمن في المدى المنظور، فإن العراق شيء آخر، وإن اعتمد ذلك على القوة الأمريكية، لكن دعونا نفترض أن ذلك سيحدث في المواقع الثلاثة، فما الذي سينتهي إليه الحال؟ سينتهي إلى موجة مسلحة من نوع آخر، تستقطب أعدادا أكبر من البشر، ولا يسيطر عليها أحد. ففي زمن العنف الرخيص، ستواجه إيران وأدواتها موجة من العسكرة الدامية، ولكن بحاضنة شعبية حقيقية تشبه تلك التي مُنحت لقوى المقاومة في العراق عشية الغزو الأمريكي. عدوان إيران ليس برسم النجاح. ليس لدينا شك في ذلك، لكنها طبيعة الحروب ذات الأبعاد الدينية والمذهبية، غالبا ما تكون دموية ومكلفة، والمسؤول الأكبر هو خامنئي، ولا مجال أمام الأمة إلا التصدي لعدوانه مهما كان الثمن.