رضوان السيد
عاد الحوثيون وحلفاؤهم الإيرانيون وبعض العرب إلى محاولات التلاعب بالاعتراف فجأةً بضرورات الحل السياسي وما ترددوا في مشروعهم المرسَل للأمم المتحدة في ذكر القرار الدولي رقم 2216 وإن في النقطة الأخيرة! وبغضّ النظر عن مدى صدقهم أو كذبهم، فلا شكّ أنّ دول التحالف العربي وضعت خطةً للمرحلة المقبلة، وهي ولا شكّ أيضاً تتناول الجوانب الأربعة: العسكري والأمني والسياسي والإستراتيجي.
سلوك الحوثيين الآن هو سلوك تعويقي، فقد استولوا بالفعل على معظم الجيش اليمني، وعطّلوا فعالية القطاعات التي لم تتعاون معهم منه بتشريد مجموعاتها وسلب أسلحتهم، وهذه خطة إيرانية معهودة اتّبعوها في العراق ولبنان وسوريا، في العراق ساعدهم الأميركيون، وفي لبنان ساعدتهم قيادة الجيش والجنرال عون. وفي سوريا ساعدهم بشار الأسد، وفي اليمن ساعدهم "صالح".
والخطة الإيرانية ضرب مقوِّم رئيسي للدولة هو الجيش، إمّا بالاستيلاء على قيادته وتشييعها لضمان ولائها، أو شرذمته وتحويله إلى ميليشيات إن لم يمكنهم ذلك، كما في حالة الجيش السوري الذي تناثر ثلثاه في ميليشيات، والثلث الباقي يقوده الإيرانيون مع الأسد والروس.
ما أقصدهُ بالتعويق من جانب الحوثيين الآن هو تكتيكات دفاعية. إنهم يريدون الحيلولة بكل وسيلة دون وقوع صنعاء وصعدة والساحل لناحية حَجَّة بأيدي قوات التحالف والسلطات الشرعية. لذلك يصرون على أمرين: الصمود في المواقع التي هم فيها سواء في المحافظات الوسطى، أو في السواحل، والأمر الآخر: محاولة التعرض أو الهجوم باتجاه الأقاليم التي انسحبوا منها تحت وطأة قوات التحالف والمقاومة، وكلا الأمرين لن ينجحوا فيهما. فهم ما استطاعوا الصمود في مأرب، ولن يستطيعوا ذلك في البيضاء والجوف وتعز والحديدة وإب وذمار، أما هجماتهم باتجاه المناطق بين الوسط والجنوب من حول لحج وشبوه، فهي جهود يائسة تكبّدهم خسائر من دون فائدة.
وفي الجانب العسكري فالذي يمكن التفكير به أنه يتعين أخذ المحافظات الوسطى والساحلية مهما بلغت الصعوبات، وذلك لأسباب جغرافية واقتصادية وديموغرافية، فمن الناحية الجغرافية يمكن بذلك حماية الجنوب. ثم إن هذه المحافظات فيها بترول اليمن أو أكثره، والقسم الأكثر تقدماً من اقتصاده، وإطلالته الاقتصادية والتجارية على المحيط الهندي. ثم إنها (باستثناء الجوف) شافعية، لذلك فالإمساك بهذه المحافظات يخنق الحوثيين وقد لا يحوج بعد ذلك إلى القتال في صنعاء، وبخاصة بعد غارات التحالف المكثفة.
ويرتبط بذلك جزءٌ من الملف السياسي. وما أعنيه بذلك، أنه لم يعد من الممكن تجاهل الدبلوماسية الدولية أو عدم المشاركة فيها. وكما سبق القول، فإن "وثيقة" الحوثيين إلى الأمم المتحدة قد تكون احتيالا مثل النقاط السبع أو العشر قبل شهر. إنما على مشارف الإمساك بالمحافظات الوسطى والساحلية، قد يكون من الملائم القيام بـ«وقفة تعبوية» أمام صنعاء، لاختبار آخِر إمكانيات الحل السياسي، وهكذا فمن الملائم الاختلاف في السلوك عما سبق في المهادنات، بمعنى التساؤُق بين المفاوضات واستمرار الضغط العسكري.
والعمل السياسي لا يشمل العمل الدبلوماسي وحسب، بل يشمل التركيز على مراجعة العلاقات بين الشماليين والجنوبيين، ومحاولة التواصل مع أطراف شمالية زيدية وغير زيدية، والتفكير بالمسار الذي يقود إلى تطبيق مخرجات الحوار الوطني، ويُنهي الخصومات.
واليمن يحتاج إلى إعادة بناء عمرانياً وإنسانياً، وليست هذه هي المرة الأولى التي يساعد فيها الخليجيون اليمن. فعندما ذهبت إلى اليمن عام 1989 للتدريس بجامعة صنعاء، وجدت أن السعودية والكويت تمولان نظام التعليم كلّه من الابتدائي إلى الجامعي، والعمالة اليمنية موجودة في دول الخليج بالملايين، وهناك عشرات القبائل المشتركة، بل هناك الفكرة السائدة بأنّ اليمن أصل العرب، ومع كل ما تقدم فإن اليمن بقي فقيراً، لذلك لابد من حل جذري للمسألة اليمنية، وتلافي تداعيات العداوات الراهنة، إنه اقتراح ضمّ اليمن إلى مجلس التعاوُن الخليجي، وأعتقد أن الدخول إلى صنعاء أو عودة الحكومة إليها، هو الزمن الملائم لعرض هذه المسألة الحساسة على اليمنيين.