د. محمد لطف الحميري
"هل تدرس نور؟.. كم يُؤرقُني هذا السؤال، ويسيطر على تفكيري، كلما فكرتُ في دراسة نور يفارقني النوم، أتخيل فرحتها في أول يوم دراسي لها في التمهيدي قبل عامين في مدرسة عُلا المجد بصنعاء، وكيف كان الفرح يملأ عينيها، تكاد أن تطير من السعادة، تسردُ لي حكايات المدرسة وتعامل المدرسات وصديقات الفصل باندفاع كبير، تُقبل على واجباتها بشغف..
فهل تدرس نور وغيرها من الطلاب في ظل فوضى تسميها مليشيات الحوثي ثورة؟".. هكذا عبر بمرارة أحد الصحفيين اليمنيين في صفحته على الفيسبوك.. وقد وجدت أنه من المناسب استهلال مقالي بكلماته، لأنها تعبير صادق عن ألم وخوف على مصير ملايين الأطفال والطلاب الذين تقطعت بهم سبل الوصول إلى المؤسسات التعليمية منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة وعدد من المدن واتساع رقعة همجية الفوضى غير الخلاقة التي تدمر الحاضر والمستقبل معا.
الصورة والدلالة الظاهرة لكلمة الحرب أنها تعني قتلى وجرحى ونازحين ومشردين وخرابا في كل مرافق الحياة وتلك جروح ربما تندمل مع مرور الزمن، لكن ثمة خسارة حقيقية يصعب تعويضها عندما يحرم جيل كامل من التعليم، فهذه منظمة اليونسيف تدق ناقوس الخطر، حيث تقدر تقاريرها عدد الأطفال الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب بنحو مليون وثمانمائة ألف طفل يمني، إضافة إلى أكثر من مليون وستمائة طفل في سن التعليم كانوا أساسا خارج المدرسة قبل الحرب وهذه الأرقام ستضاعف، بدون شك، نسبة الأمية التي كانت تقديراتها قبل الحرب تقول إنها تبلغ 70 بالمائة في الأرياف، بينما تصل في المدن إلى 38%. وقبل أن تضع الحرب أوزارها تبدو الصورة قاتمة على كل المستويات، لكن قطاع التعليم يبدو المتضرر الأكبر بالنظر إلى ممارسات الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع الذين يحولون المنشآت التعليمية والمدارس إلى مخازن للأسلحة ومقرات وثكنات عسكرية، الأمر الذي يجعلها هدفا لقصف طائرات التحالف، وتشير إحصاءات غير نهائية إلى تدمير أكثر من أربعمائة مدرسة بشكل كامل، بينما استخدمت نحو ثلاثمائة وخمسين مدرسة لإيواء أكثر من مليون وخمسمائة ألف نازح، حيث قام بعضهم بإحراق المقاعد والطاولات لطهي الطعام.
هذا الواقع الكارثي الذي تسببت فيه الحرب يضاف إلى واقع كان سيئا قبل الحرب إذا كان يعاني قطاع التعليم الذي يدرس فيه نحو خمسة ملايين طالب من اختلالات، منها نقص المعلمين والمدارس وغياب التأهيل، حيث يوجد 63% من المعلمين ممن ليست لديهم مؤهلات جامعية، بينما توجد نحو 660 مدرسة من العشش والصفيح وتحت الأشجار ويدرس بها نحو300.000 طالب. ويبدو أن الرئيس المخلوع كان يدرك جيدا أنه لا يمكن أن يستمر وينشر خزعبلاته بين أفراد الشعب إلا إذا عمل على تدمير ممنهج للتعليم الذي يعد أساس التنمية لأي بلد يطمح للسير في طريق التقدم، وقد استغلت مليشيات الحوثي هذا الواقع وجندت في صفوفها عددا كبيرا من الأطفال، ولأن الخسائر البشرية كانت كبيرة في صفوفها فقد عمدت مؤخرا إلى إجراء اختبارات شهادتي التعليم الأساسي والثانوي وأصدر مجلسها الثوري الذي يتربع في القصر الرئاسي قرارات بمنح معدلات مرتفعة جدا للذين يلتحقون بميدان المعركة للقتال ضد من يصفونهم بالدواعش.
وفي المقابل وجد الكثير من الطلاب أنفسهم مضطرين للالتحاق بتجمعات قبائلهم لمواجهة الحوثيين دفاعا عن العرض والشرف واستعادة الشرعية.
تقف اليمن اليوم على شفا جرف هار بسبب النكبة والخسارة الكبيرة التي حلت بقطاع التعليم، وحتى إذا ما توقفت الحرب بهزيمة أحد الأطراف أو بالتوصل إلى تسوية سياسية، فإن التداعيات الكارثية لا تمكن محاصرتها بسهولة لأسباب، منها: اتساع رقعة الدمار، فإن الموازنة الحكومية المخصصة للتعليم بعد عودة الاستقرار ستتقلص بسبب مزاحمة قطاعات أخرى وتراجع الإيرادات النفطية للدولة، الأمر الذي يطيل أمد تعافي قطاع التعليم.
وقد سببت الحرب أزمة اقتصادية خانقة أدت إلى تراجع أولوية الإنفاق على التعليم في موازنة الأسر الفقيرة وذوي الدخل المحدود نتيجة مزاحمة الإنفاق على السلع الضرورية.
وإذا كان التقرير العالمي لرصد التعليم للجميع لعام 2013-2014 قد صنف اليمن بأنها خارج مسار تحقيق الهدف الثاني من أهداف التنمية الألفية الخاص بتعميم التعليم الأساسي للجميع بحلول العام 2015 فإن ذلك يعني أن اليمن ستغرق في ظلم الجهل ما لم تتدخل دول الإقليم والمجتمع الدولي بدعم سخي لجهود التنمية، وإلا فإن النصر في معركة استعادة الشرعية سيبدو غير ذي جدوى، لأن الملايين من اليمنيين سيتحولون بسبب الفقر والجهل إلى مدد كبير لقوى التخلف والإرهاب.
-الشرق السعودية