عبدالواسع الفاتكي
لا يخالجنا ريب في أن انقلاب صالح والحوثيين على الشرعية في اليمن، بات قاب قوسين أو أدنى من السقوط ، الذي تبدو ملامحمه جلية ، في ظل الحشود العسكرية الضخمة لقوات من التحالف العربي، وقوات موالية للشرعية في محافظة مأرب استعدادا لتحرير صنعاء ، وبقية المحافظات اليمنية من قبضة الانقلابيين ؛ أي أن النصر العسكري على الانقلاب صار مسلما به ،لا يفصلنا عنه سوى اليسير من الوقت ، الأمر الذي يدفعنا لطرح تساؤلات غاية في الأهمية ماذا بعد الحسم العسكري ؟ وهل تحقيقه كاف لتشكيل الملامح العامة ليمن ما بعد الحرب وكفيل بصورة تلقائية بالقضاء على تداعياتها ؟
إن طبيعة الإجابة على هذه التساؤلات ستساعد في صياغة المضامين السياسية ،والاقتصادية ، والاجتماعية ؛ لتنمية دولة ومجتمع ما بعد الحرب ، وإذا كان التهميش السياسي، والتباين الاجتماعي والثقافي، والتفاوت الاقتصادي من أسباب نشوب الحروب فإن نهاية الحرب لا يعني زوال تلك الأسباب ، ما يفرض علينا إطلاق مشروع تنموي ، يعيد رسم السياسات الاقتصادية ، والاجتماعية التنموية والسكانية ؛ لمعالجة معضلات التهميش، والتباين والتفاوت ، يأخذ أبعادا مختلفة ، منها ما يتصل بالسياسات العامة الملائمة للتعبير عن هذه المعضلات ، واستيعاب الحلول الناجعة لها ، واقتراح ما يحتوي آثارها، ومنها ما يتعلق بالوسائل والآليات المطلوبة في إطار مؤسسات ، يتم من خلالها تنفيذ سياسات تحقيق التنمية ، وتوطيد دعائم السلام ، يتحمل أعباءها الدولة ، والمجتمع، ومؤسسات المجتمع المدني بمختلف أصنافها ؛ بغية تكوين جبهة وطنية عريضة ؛ لصناعة سلام وتنمية مستدامين ، وإنشاء شرعية مجتمعية جديدة للدولة اليمنية، تضع معالجات لمشكلات الهوية، وما تبعها من آثار على ولاء أطراف الصراع ، مع الحرص على تحويل أدواته للعمل السلمي المدني، وتذليل العقبات أمامه إعلاميا وثقافيا على المستويين الرسمي ،والشعبي ؛ لتأصيل تعزيز قدرات المجتمع اليمني في التعبير والتصدي السلمي للقضايا محل الخلاف.
لعل أهم شيء يناط بدولة ما بعد الحرب هو إيجاد معادلة صحيحة بين تحقيق العدالة بالقصاص من مرتكبي انتهاكات حقوق الانسان اليمني أثناء الحرب، وبين ضرورة المصالحة والتسامح بعد الحرب ، إضافة لإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية ، وما تقتضيه من تحولات مؤسسية، ومفاهيمية، وفكرية ، تشمل نزع سلاح المليشيات ، وإعاة توطين العائدين من الحياة العسكرية ضمن ترتيبات تعمل على تهيئتهم للانتقال من البيئة الاحترابية للبيئة التسالمية .
بعد أن تضع الحرب أوزارها، ينبغي للمعالجات الاقتصادية أن تركز على تبعات الحرب الاقتصادية، وتستجيب لاستحقاقات سلام ما بعد الحرب ، فالحرب تحدث تشققات اجتماعية ، تهدد الاستقرار الاجتماعي لصالح فئات ونخب مستفيدة من الاحتراب ، مما يستوجب اتخاذ إجراءات ، تعيد التوازن الاقتصادي والاجتماعي ، وتنخاز للفقراء الأكثر تضررا من الحرب بتلبية احتياجاتهم الخدمية ، وتحريرهم من علاقات التبعية ، والتهميش الاجتماعي والثقافي؛ لإدخالهم دورة الانتاج وصولا لتحقيق العدالة الاجتماعية ، والاقتصادية المعززة لانتمائهم الوطني ناهيك عن إعادة الإعمار، ودمج النازحين، وأطفال الحرب داخل النسيج الاجتماعي، وتحويلهم لروافد للاقتصاد الوطني .
الرهان بالمطلق على فرض سلام الأمر الواقع ليمن ما بعد صالح والحوثي ، بالاعتماد على خيار الحل العسكري والأمني لا يجدي، ما لم يصاحبه مشروع إعادة تأهيل اليمن اقتصاديا ، أشبه بمشروع جورج مارشال لأوروبا بعد الحرب العالمية الثانية ، وفق نظام سياسي عصري ، بدماء وطنية، تأخذ على عاتقها إصلاح شؤون البلاد والعباد، وبناء يمن ينعم بالرخاء والاستقرار .