خالد عبد الهادي
اعترى الحركة الحوثية مس من أخوة الوطن ففسرت هزيمتها في المحافظات الجنوبية بأنه انسحاب اقتضاه تغيير في استراتيجية الحرب وأخذ إعلامها يعظ المواطنين في التآخي والاحتشاد خلفها للقتال في الحدود السعودية.
تهريج سياسي ومناورة مجردة تتمظهر بالتذاكي فيما هي تختزن سذاجتها في توقيتها وفي رداءة نسيجها. هكذا ببساطة .. ودون أن تلتفت إلى النصف الآخر من رقعة البلاد حيث يواصل مقاتلوها الإغارة على المناطق وشن هجمات قاتلة على المدنيين, بحثاً عما يحفظ ماء الوجه.
في الواقع, أنتج الحوثيون وصالح تكتيكين اثنين للتعامل مع معالم الهزيمة العسكرية ومنع اكتمالها.
الأول هو ما وقع في شبوة وكاد يحدث في إب من سحب مقاتليهم من المحافظات التي كانوا قد أحكموا سيطرتهم عليها ونصبوا لها محافظين موالين لهم مما يضمن لهم استمرار السيطرة عليها والعبور بإمداداتهم القتالية, وفي الوقت ذاته إفراغ حماس القوى الشعبية التي كانت قد همت بمقاومتهم.
والثاني هو تركيز انتشار المقاتلين في معاقلهم ا التي يعتقدون أنهم قادرون على الاحتفاظ بالسيطرة عليها حتى في حال الهزيمة, وكذا تركيز الجهد القتالي في الجبهات التي تحقق لهم السيطرة ولو مؤقتاً حتى تلتئم مفاوضات سياسية.
وعلى مدى أسبوع تلاقى إعلام الحوثيين وإعلام الرئيس المعزول في اهتمام مشترك ركز على محاولة تمييع انتصارات المقاومة الشعبية والتقليل منها بزعم تراجع قواتهما أمام مقاتلي المقاومة انسحاباً مدروسا.
في هذا السياق, اندفع الحوثيون للقتال في عتمة؛ تلك المديرية القصية غرب ذمار في تأكيد لما كان متوقعاً من أن الجماعة بعد طردها من الجنوب ستستميت في القتال داخل ما تراها جغرافية تاريخية ومذهبية خاصة بها وبصالح.
تكمن خطورة المعركة الدائرة في عتمة وحساسيتها في أنها قد تفتح الباب لقتال مذهبي صريح, تأسيساً على اعتناق مواطني المنطقة للمذهب الشافعي داخل محافظة ذمار؛ كرسي الزيدية.
وتطل هذه الخطورة من حقيقة أن مقاتلي الحركة الحوثية الذين ترسلهم لقتال أهالي عتمة غالبيتهم من المنتمين إلى المناطق المحيطة المحسوبة تاريخياً ضمن الجغرافيا الزيدية.
زيادة على ذلك, فالقتال في عتمة يرسخ دعوى تاريخية لأهاليها حول أن الأنظمة المتعاقبة ألحقتهم إدارياً بمحافظة نائية عن وجدانهم ومناطقهم في آن.
ويكفي لإبراز هذه الدعوى احتجاجات الأهالي مع مواطنيهم في وصابين على ضم مناطقهم إلى ما سمي إقليم آزال وفق التقسيم الذي فرضه الرئيس لرسم أقاليم الدولة الاتحادية قبل اختتام أعمال مؤتمر الحوار الوطني مطلع 2014.
ولم يأت فرار قوات صالح والحوثي من شبوة إلا نتيجة فقده السيطرة على باقي المحافظات الجنوبية, إذ هو فقد بذلك الحلقة الجغرافية التي كان للسيطرة على شبوة أهميتها ضمن تلك الحلقة لكن بعد انتزاع تلك الحلقة منه لم يعد للقتال في شبوة من معنى سوى التضحية بقواته في رقعة صحراوية شاسعة وتقديمها لقمة سائغة لمقاتلات التحالف العربي بقيادة السعودية.
وبالتزامن مع فرار قوات سلطة صنعاء من شبوة, تلقت قواتها الضربة الحقيقية في تعز حيث أحرزت قوات الجيش ومقاتلو المقاومة تقدماً ميدانياً حاسماً مهمة وضعها على مشارف تحرير عاصمة المحافظة كاملة.
إضافة إلى المزايا الكبيرة لموقع تعز الوسيط بين المحافظات الشمالية والمحافظات الجنوبية فقد تضاعفت أهمية هذا الموقع لدى مقاتلي صالح والحوثي بعد طردهم من الجنوب وذلك لأن تعز باتت نقطة التماس الوحيدة التي يتشبثون بها ليتسللوا عبرها إلى المدن الجنوبية من أجل شن هجمات ضد قوات هادي أو تنفيذ عمليات تستهدف الحالة الأمنية.
وتتضاعف أهمية موقع تعز مرة أخرى لأنه صار يشكل أقصى نقطة في جنوب الجغرافيا التي مازال هذا التحالف يقاتل فيها, لذا يمكن عزو استماتة مقاتليه داخل المدينة والتمسك بأي مساحة ممكنة وبأي ثمن إلى أن ذلك يتيح له الادعاء بأنه ما زال يسيطر من أقصى نقطة شمالاً في صعدة حتى أقصى نقطة جنوباً في تعز.
هذه المناورات الإعلامية والسياسية يراد منها أن تحجب وجه سلطة صنعاء المحمر خجلاً بعد توالي الهزائم أمام أسئلة أتباعها, لكن ذلك لن يخفي وجهها حتى النهاية. والمجدي له - خصوصاً الجماعة الحوثية- هو الإقرار بالهزيمة وفي الوقت ذاته الإقرار بخطيئة الحرب التي اقترفتها بحق البلاد والسلام الوطني ثم المران على التكيف لأن تعود إلى حجمها الموضوعي والحقيقي.
فلقد انتفخت الحركة الحوثية انتفاخاً هائلاً في وقت قياسي, لكنه كان تضخماً غير موضوعي.
ولما أرادات التصرف بما يتناسب مع حجمها المتورم منذ سيطرت على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014 أخفقت في كل قرار اتخذته.
ولم تكن قرارات الجماعة بعد سيطرتها على السلطة بالتحالف مع الرئيس المعزول علي صالح لتؤكد شيئاً مثل تأكيدها أن جسم الجماعة تورم بمعزل عن عقلها السياسي الذي ظل حبيس مغاراتها التي طلعت منها منتصف العقد الماضي.