علي حسن الشاطر
المشاكل العويصة التي تواجه البلدان المتخلفة والأكثر فقراً, والتي تعترض طريق مسيرة التنمية فيها هي نفس المشاكل -إن لم تكن أكثر- التي تواجه اليمن وخاصة في الظروف الراهنة, مما يحتم بذل أقصى المستطاع من الجهد والعمل وتسخير المتاح من الإمكانات في سبيل التغلب عليها – تدريجياً - وهو ما يستدعي أيضاً توسيع حجم الاستثمارات الضرورية لتنمية قطاع التعليم بقدر ما تسمح به الإمكانات والموارد, على أن المسألة ليست بالتأكيد مسألة أموال وإمكانات وحسب, بل الأهم منها اختيار اسلم السبل والوسائل الكفيلة بضمان توجيهها الوجهة الإستثمارية الصحيحة التي تعود بأفضل ما يمكن من المردودات والنتائج المرجوة منها, وذلك لن يتأتى إلا من خلال توجيه تلك الاستثمارات في إطار من الدراسة والتخطيط السليم المبني على أدق التقديرات للأولويات الأكثر أهمية وضرورة والمحددة لتنمية هذا القطاع.
لاشك أن الدولة – أي دولة – تتكبد أضخم الأعباء التي ترهق موازناتها العامة – سنة بعد أخرى – لتنمية هذا القطاع والتوسع المطرد فيه, استهدافاً لتوفير فرص التعليم لكل مواطن ابتداءً من المراحل الأولية والأساسية وانتهاءً بالتعليم العالي, لكن هل حقق ذلك الإنفاق أغراضه المرجوة؟ كما أنه من خلال متطلبات العمل التنموي بتزايد حجم تلك الأعباء مع كل خطوة تقطعها مسيرة التنمية في طريقها الشاق الطويل بحكم ازدياد حجم احتياجاتها إلى الخبرات والكفاءات العلمية والفنية القادرة على توجيه دفة العمل التنموي نحو الأهداف والغايات المرسومة بكفائة عالية في مختلف مجالات النشاط الاقتصادي والاجتماعي, وبالنسبة لليمن فستظل الدولة مطالبة بتوجيه جل اهتمامها ليس فقط إلى المزيد من التوسع في قطاع التعليم العام بل وإلى التوسع في تنمية مختلف حقول التعليم الفني والمهني على اختلاف فروعه ومجالاته وضمان أن تكون مخرجاته بمستوى جيد, لأن اليمن لا تزال تواجه عجزاً خطيراً في الكادر الفني والمهني المتوسط رغم الخطوات الهامة التي اتخذتها الدولة في مضمار التنمية والتوسع في هذا القطاع الحيوي مما يضيف أعباءً جديدة على عاتقها, فلقد تمثلت كل التوسعات السابقة في الجانب الكمي, وبالذات في جانب الإنشاءات التي تمثل رأس المال الثابت لهذا القطاع, ولم يُلتفت إلا من وقت قصير – نسبياً – لتكوين الكوادر الضرورية لهذا القطاع حينما بدأت الدولة تهتم بإنشاء معاهد التدريب المهني والتقني ومع ذلك نستطيع أن نؤكد أن التشجيع الذي يلقاه هذا القطاع لا يزال أقل بكثير مما يستحقه, وشبح الإهمال لا يزال يخيم في سماء هذه المعاهد إلى حد كبير أو على الأقل الجزء الأكبر منها, بالإضافة إلى أن التوسع في هذا المجال لا يزال يسير ببطء شديد..
الدولة اليوم مطالبة بإعطاء عملية إعداد هذا الكادر الهام أكبر قدر من الاهتمام والتشجيع الذي يستحقه, مع توفير الحوافز المادية الكافية لهذا الكادر سواء أثناء فترة الإعداد أو بعد التخرج ومزاولة المهنة, وإن أقل ما ينبغي عمله في هذا الخصوص توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة المعيشية حتى يمكن اجتذاب أعداد متزايدة إلى هذه المهنة الوطنية, بل إنه من حق المدرس اليمني أن يتساوى على الأقل أو يتقارب مع من كان يتم التعاقد معهم من غير اليمنيين في الحقوق والإمتيازات, ما لم فالانتظار سيطول حتى تظهر البوادر الحقيقية لانفراج هذه الأزمة الخانقة, فإذا كان العامل العادي غير المدرب يتقاضى أجراً يتراوح بين 3000 إلى 5000 ريال مقابل يوم عمل فما الذي يجعلنا نتوقع إقبالاً على امتهان وظيفة التعليم من قبل إنسان يحمل مؤهلاً علمياً عالياً بأجر أو راتب أقل من راتب العامل العادي, ليس طمعاً في المادة ولكن اضطراراً وتحت ضغط ظروف الحياة المعيشية القاسية التي يجعلها التصاعد المستمر للأسعار تزداد قسوة يوماً عن يوم؟؟ وما يقال عن تهيئة الظروف المناسبة الضرورية لتشجيع الاتجاه إلى امتهان وظيفة التدريس, ينطبق على مختلف حقول التعليم الفني والمهني على تعدد مجالاته وتخصصاته؛ إذ إن بناء المعاهد والمدارس الفنية والمهنية لا يكفي في حد ذاته ولا يفي بالغايات والأهداف التي أوجدت هذه المعاهد والمدارس من أجلها, وخاصة في ظل عدم وجود الاهتمام الكافي بهذا القطاع, وأيضاً في ظل غياب السياسات الكفيلة بالتحفيز والتشجيع على اجتذاب الأعداد الكافية للالتحاق بهذه المدارس والمعاهد وفي إطار من التنسيق والتكامل بين مختلف جوانب السياسات التعليمية المختلفة.