د. وحيد عبد المجيد
كان واضحاً عندما دعا السكرتير العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى عقد لقاء تشاوري في جنيف حول الأزمة اليمنية، في 28 مايو الماضي، أنه لا جدوى من مثل هذه اللقاءات من دون استعداد إيران لحل سياسي يبدأ بالتزام وكلائها الحوثيين بقرار مجلس الأمن رقم 2216، لذا كان إعلان تأجيل ذلك اللقاء قبل يومين على موعده خطوة موفقة، لكن بدلاً من التصرف الطبيعي في مثل هذه الحالة، وهو تشديد الضغوط من أجل تنفيذ القرار 2216، على الأقل لحفظ كرامة المنظمة الدولية وهيبتها، وُجهت الدعوة مجدداً إلى لقاء في جنيف الأسبوع الماضي دون أن يجد جديد على صعيد إمكانات تحقيق تقدم فيه.
لذلك فالسؤال الذي يثيره هذا المنهج في الإدارة الدولية للأزمة اليمنية هو: أي جدوى لتشاور أو تفاوض يشارك فيه طرف لا يملك قراره، ويرتهن لإرادة غيره، ويعمل ذراعاً له وأداة لتحقيق مشروعه؟
يعرف القاصي والداني أن جماعة «أنصار الله» الحوثية ليست إلا إحدى الأذرع الإقليمية المستخدمة في مشروع التمدد الإيراني في المنطقة، لذلك لم يكن خبراً في حد ذاته ما نشرته صحيفة «الجارديان» الأسبوع الماضي عن توجه مستشارين إيرانيين إلى جنيف ليكونوا على مقربة من اللقاء حول الأزمة اليمنية، فهذا أمر متوقع في ظل سعي إيران ومن ورائها جماعة الحوثي وحلفائها إلى إطالة أمد الصراع في اليمن، ومن ثم تفريغ لقاء جنيف من أي مضمون، ولكن بطريقة لا تضعها في مواجهة المجتمع الدولي. وهذه مهمة أكثر صعوبة، مقارنة بإفشال جولات الحوار الوطني في اليمن، وقد تتطلب توجيهات تفصيلية من جانب خبراء إيرانيين محترفين، على نحو لا يتأتى عن طريق الاتصالات الهاتفية التي تؤكد شواهد عدة أن الحوثيين تلقوا توجيهات من طهران عبرها خلال جولات الحوار الوطني اليمني الذي انقلبوا عليه في النهاية.
ولم يكن هذا الانقلاب على الحوار، ثم على الشرعية اليمنية، إلا قراراً إيرانياً مازال سارياً لأن هدف طهران الرئيس، هو إطالة أمد الصراع في اليمن لاستخدامه ورقة لدعم موقفها في أية مساومات تتعلق بقضايا تحظى بأولوية أكثر تقدماً لديها، خاصة القضية السورية التي تتصدر أولوياتها في اللحظة الراهنة.
إحدى سمات مشروع التمدد الإيراني أنه يقوم على أولويات مرتبة، في إطار حسابات استراتيجية وتكتيكية. وتدير طهران الصراع في القضايا التي تضعها في مرتبة أكثر تقدماً بطريقة استراتيجية، بينما تعتمد أساليب تكتيكية في القضايا التي تليها من حيث أهميتها وموقعها في جدول أولويات مشروعها الإقليمي، إلى أن يأتي الوقت الذي تراه مناسباً لرفع ترتيبها في هذا الجدول.
وفي هذا السياق، ستظل محاولة السيطرة على اليمن جزءاً من المشروع الإيراني، لكن سوريا هي التي تحظى بأولوية قصوى اليوم، لأن ميزان القوى يتحول في غير مصلحتها، فضلاً عن أن السيطرة على اليمن باتت صعبة بعد تشكيل تحالف عربي لحماية الشرعية فيه.
وإذا كانت إعادة إيران إلى داخل حدودها غير ممكنة الآن، فقد أكد هبوب «عاصفة الحزم» أن هناك حدوداً لا تستطيع طهران تجاوزها، وأن نجاح مشروعها الإقليمي ليس مضموناً.
لذلك يتركز هدف إيران حالياً في إبقاء اليمن رهينة وضع مضطرب، وصب مزيد من الزيت على نار الصراع الذي أشعلته عبر وكيلها الحوثي وحلفائه، على أن تحدد خطواتها التالية بشأنه وفق تطورات الأزمة السورية.
وثمة مؤشرات تفيد بأن إيران باتت تدرك أن تغير ميزان القوى في الحرب السورية قد يدفع باتجاه مساومات دولية إقليمية بشأنها، لذلك فهي تريد أن تكون مستعدة للتأثير في مسارها بورقتين، إحداهما في داخل سوريا، وهي التضحية أخيراً برأس النظام التابع لها مقابل المحافظة على جسده أو أكبر قدر ممكن منه، والثانية في اليمن، من خلال التلاعب بأزمته ودفع وكلائها إلى قبول حل يعيد الشرعية مؤقتاً مقابل موافقة قوى دولية وعربية على ضمان استمرار مصالحها الأساسية هناك، غير أنها ربما تكون قد فقدت الورقتين معاً حين يأتي أوان تسوية الأزمة السورية.
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية،