شهد الأسبوع الثاني من أبريل الماضي دفن مسؤول يمني حوثي رفيع المستوى في بيروت، هو الزعيم الروحي لجماعة الحوثيين، محمد عبدالملك الشامي، الذي كان قد أصيب بجروح خطيرة إثر تفجير انتحاري نفذه تنظيم “داعش” في 20 مارس الماضي في مسجد الحشحوش في صنعاء. وقد تم نقله جواً إلى طهران لتلقي العلاج الطبي ولكنه توفي في النهاية متأثراً بجروحه. وفي 13 أبريل وُوري جثمانه الثرى في مقبرة لـ”أبطال حزب الله” في ضاحية بيروت الجنوبية، وهو ما يوحي بمدى التشابك العضوي بين الحوثيين و”حزب الله” خدمة للأجندة الإيرانية وفق دراسة للباحث ديفيد شينكر صادرة عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.
بيد أن رحلة الشامي من اليمن إلى المقبرة الشيعية اللبنانية قد تدعو إلى الغرابة للوهلة الأولى. فصحيحٌ أن الحوثيين ينتمون إلى الطائفة الزيدية المسلمة -وهي فرع شيعي من الإسلام- إلا أن لبنان بعيدٌ عن موطنهم. وعلى خلاف النجف وكربلاء في العراق، لا تستهوي بيروت كمكان ديني للمثوى الأخير للشيعة. ولكن الشامي كان بالنسبة لكلٍّ من إيران و”حزب الله” شخصيةً بارزة تستحق في موتها مكانة في مقبرة “عظماء الشهداء الشيعة”، الذين لقووا حتفهم في خدمة نظام الحكم الديني في طهران.
كما أنّ حياة الشامي ومماته يلقيان الضوء على التحدي المستمر الذي يطرحه الموقف الإيراني العدائي والمخلّ بالاستقرار في المنطقة. ومن المحتمل أن تتفاقم المشاكل التي تواجه واشنطن، وحلفاءها السنة المحليين في منطقة الشرق الأوسط، إذا ما تم التوصل إلى اتفاق نووي.
ومن عدة نواحٍ، تجسّد قصة الشامي مثالاً أصيلاً عن “المقاومة” الإقليمية على النهج الإيراني. وتبدأ القصة منذ سبعة عشر عاماً مع انتقال الشامي إلى سوريا للدراسة في إحدى المدارس الدينية التابعة للمرشد الإيراني الأعلى آية الله خامنئي. وإبّان عودته إلى اليمن، انضم إلى الميليشيا الحوثية “أنصار الله”، وارتقى في المراتب ليصبح المبعوث الخاص للقائد الحوثي إلى إيران ولبنان وسوريا والعراق.
وتفيد تقارير صحفية بأن مهمة الشامي كانت تتمثل في نشر الدعوة الإسلامية بهدف إقامة دولة شيعية في اليمن.
وتحقيقاً لتلك الغاية، أسّس جامعة للفقه الشيعي في صنعاء بالإضافة إلى مدارس ابتدائية شيعية متخصصة في جميع أنحاء اليمن مرتبطة بمدارس المصطفى في لبنان. يشار إلى أنّ نائب أمين عام “حزب الله” نعيم قاسم كان قد أسس هذه المدارس في لبنان عام 1974.
غير أنّ علاقة الشامي والحوثيين بإيران و”حزب الله” تتخطى المجال التعليمي.وبالعودة إلى الهجوم الذي شنّه الحوثيون عام 2009 على المملكة العربية السعودية، تفيد تقارير صحفية -ومسؤولون يمنيون- في ذلك الحين، بأنّ “مسؤولين رفيعي المستوى” من “فيلق الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني ومستشارين من “حزب الله” ساعدوا الحوثيين على تنسيق العمليات العسكرية. كما أن قائد “القيادة المركزية الأميركية” الجنرال ديفيد بترايوس، أوحى بضلوع الإيرانيين في النزاع. إلا أنّ إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما ترددت في إدانة الدور الذي تلعبه كل من إيران و”حزب الله” في اليمن بشكل متزايد الوضوح والضرر.
وفي خضم المفاوضات النووية المتوترة مع طهران، تردد البيت الأبيض في التركيز على المبادرات المخلة بالاستقرار التي تقوم بها طهران في جميع أنحاء المنطقة. وأفادت التقارير أنّ جيمس ماتيس الذي ترأس “القيادة المركزية الأميركية” بين عامي 2010 و 2013 أيّد ضرورة انتهاج استراتيجية أميركية أكثر حزماً للتصدي للتجاوزات الإيرانية في اليمن، إلا أنّ آراءه لم تجد آذاناً صاغية.
والآن وقد ساعد الدعم الإيراني للحوثيين على الاستيلاء على صنعاء ونهب العاصمة المؤقتة عدن ونفي الرئيس السني المنتخب بالسبل الديمقراطية عبدربه منصور هادي، بدأت الإدارة الأميركية أخيراً بوضع طهران أمام التحدي. حيث أنّه في 14 أبريل، أفاد المسؤول الرفيع في مكتب وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، جيرالد فايرستاين، في شهادته أمام الكونغرس أن “إيران تقدم الدعم المالي والأسلحة والتدريب والاستخبارات للحوثيين”.
ولذلك عمل البيت الأبيض، مؤخرا، على تقديم بعض الدعم اللوجستي والاستخباراتي لعملية “عاصفة الحزم” التي قادتها السعودية ضدّ الحوثيين ونجحت من خلالها في تقليص حجم سيطرتهم كما جذبت أميركا إلى دائرة الفعل وأخرجتها من دائرة التلكّؤ القابعة فيها. كما نشر الكونغرس قوات بحرية في البحر الأحمر للمساعدة في تطبيق حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على اليمن. إلاّ أن الإدارة الأميركية مازالت ، لا تبذل مجهوداً يُذكر لتقييد توسع طهران في سوريا والعراق ولبنان.