قالت صحيفة «نيويورك تايمز» في افتتاحيتها إن التدخل السعودي في اليمن كان منذ البداية مقامرة محفوفة بالمخاطر.
وأشارت للأدلة التي تظهر الآثار التي تركها شهر من الغارات الجوية المتواصلة التي قام بها الطيران السعودي والدول المتحالفة في حملة «عاصفة الحزم»، فهناك 1.000 قتيل و4.000 جريح وأكثر من 150.000 مشرد. فيما أدى الحصار الذي فرض على الموانئ اليمنية لحرمان اليمنيين من المواد الطبية والمياه الصحية والإغاثة الإنسانية المطلوبة. فاليمن كما تقول كان دائما دولة ضعيفة وبمرور كل يوم فهو يقترب من حافة الانهيار.
وفي الوقت الذي يقول فيه السعوديون إنهم استطاعوا معاقبة الحوثيين الذين حاولوا السيطرة على البلاد. وقالوا إن الحملة دمرت كل الدفاعات العسكرية لهم لكن المتمردين الذين يلقون دعما من إيران لا يزالون يتقدمون.
ولم يحقق السعوديون حسب رأي الصحيفة الهدف المعلن من العملية وهو إعادة الرئيس عبدربه منصور هادي الذي فر إلى الرياض.
وفي الوقت الذي دعمت فيه إدارة الرئيس باراك أوباما السعودية بالمعلومات الأمنية والنصيحة التكتيكية ونشرت بوارج حربية على أمام الشواطئ اليمنية إلا أنها حثت السعوديين على وقف العمليات.
فقد شعر البيت الأبيض كما تقول الصحيفة أن السعوديين لا تتوفر لديهم استراتيجية واضحة لتحقيق الأهداف السياسية أو حتى إدارة عملية التدخل. وفي يوم الثلاثاء أعلنت السعودية عن وقف العمليات لتعاود مرة أخرى الهجمات من جديد يوم الأربعاء. وتقول الصحيفة إن السنة يمثلون الغالبية السكانية في اليمن.
وقررت السعودية وغيرها من الدول السنية التدخل نظرا لخشيتها من سيطرة إيران على البلاد من خلال وكلائها الحوثيين، مما يعني تعزيز الهيمنة الإيرانية في المنطقة والتي تمتد من بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء أيضا.
وترى الصحيفة أن هذا الخوف كان مبالغ فيه على ما يبدو ويهدد بتحويل الحرب الأهلية بين فصائل متنازعة إلى حرب إقليمية تشترك فيها إيران.
وتربط الصحيفة التدخل السعودي باليمن بمحادثات الملف النووي بين الولايات المتحدة وإيران حيث خشيت الرياض أن يعطي الاتفاق إيران اليد العليا في المنطقة مما يهدد العلاقات السعودية مع الولايات المتحدة.
وترى أن هذا يضع صناع السياسة في الولايات المتحدة أمام مهمة دبلوماسية صعبة تقوم على تطمين الدول السنية باستمرار الدعم الأمريكي لهم وفي الوقت نفسه دفع إيران للعب دور إيجابي أفضل مما تلعبه منذ الثورة الإسلامية في عام 1979.
بوارج في البحر
وتعتقد أن نشر البارجة يو أس أس تيودر روزفلت مع عدد آخر من البوارج العربية في بحر العرب كان الغرض منه تطمين الدول العربية وأنهم مستعدون للوقوف أمام قافلة من السفن الحربية الإيرانية التي أرسلتها طهران لبحر العرب وكانت محملة على ما يعتقد بأسلحة للمتمردين الحوثيين.
ومن حسن الحظ فقد ابتعدت السفن الإيرانية عن بحر العرب متجنبة المواجهة. وتعتقد الصحيفة إنه يجب إنهاء القتال والسماح للمواد الإنسانية بالمرور. وترى أن هناك حاجة للعودة سريعا إلى حوار سياسي. فقبل الأزمة كانت الأمم المتحدة تشرف على مبادرة دبلوماسية حققت بعض التقدم ولكن مجلس الأمن لم يقدم دعما أو انتباها للمبادرة.
والآن وقد استقال المغربي جمال بنعمر وعاد من جديد إلى نيويورك. فلا بد من البحث عن حل سياسي في وقت سريع. والعثور عليه لن يكون سهلا، بل قد يكون مستحيلا. فحتى يتحقق يجب أن تعترف السعودية بالحوثيين كجماعة سياسية يمنية وجزء من الحل الحكم. وهذا هو الأمل الوحيد لإعادة الإستقرار في اليمن وإعادة التركيز على مواجهة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية المستفيد الأول من الفوضى في اليمن.
الخطوة المقبلة
وتساءلت مجلة «إيكونوميست» في عددها الجديد عن الخطوة المقبلة للسعودية. وترى أن التدخل العسكري ربما زاد من مفاقمة الوضع اليمني، فقد قتلت الغارات 400 مدني ودمرت العديد من البيوت فيما تدهورت العلاقات مع إيران ووصلت أدنى مستوياتها.
ومن هنا شعر اليمنيون والكثيرون في العالم العربي بالراحة لوقف الغارات يوم 21 نيسان/ إبريل 2015. وترى المجلة أن السعوديين ربما حققوا بعض الإنجازات العسكرية والانتصارات الدبلوماسية في مجلس الأمن مثل فرض الحظر على تصدير الأسلحة للحوثيين إلا أن تقدم هؤلاء لم يتوقف.
وتشير المجلة إلى الشائعات التي تدور حول ما يقال إنها صفقة سرية بين السعودية وإيران لوقف الغارات على صنعاء، العاصمة اليمنية التي احتلها الحوثيون العام الماضي واستمرارها في المناطق الجنوبية التي يعتبر فيها السنة غالبية. وكانت إيران أول من رحب بوقف الغارات.
ولكن الولايات المتحدة لعبت دورا مهما حيث تحادث الرئيس أوباما مع الملك سلمان بن عبدالعزيز وطلب منه تخفيف الغارات، خاصة أن واشنطن وحلفاءها العرب خافوا من خروج الحرب عن السيطرة، بالإضافة للمشكلة الإنسانية المتزايدة والتي لم تكن محلا أهتمام الأمير الوليد بن طلال كما تقول المجلة عندما عرض 100 سيارة «بنتلي» كهدية لمئة طيار سعودي شارك في الحملة وهو ما أثار غضب اليمنيين. ومع أن الوليد حذف التغريدة التي أرسلها لـ3 ملايين من أتباعه إلا أن بعض الصحف السعودية قالت إن «هاكرز» هم من نشروا التغريدة.
ورغم توقف العمليات إلا أنه من الصعوبة بمكان التكهن بالسياسة السعودية، فهي ليست مدفوعة فقط بعدم الراحة للدور الإيراني في المنطقة ولكن بكون اليمن يعتبر الساحة الخلفية للسعودية. فمنذ صعود الملك سلمان للسلطة في كانون الثاني/ يناير يعرف أن نتائج الحرب في اليمن ستؤثر على موقفه وكذا موقف نجله الأمير محمد بن سلمان، وزير الدفاع بالإضافة لترؤسه الديوان الملكي والمجلس الإقتصادي.
وأشارت المجلة إلى القرار الأمريكي إرسال بوارج حربية لحماية ممرات السفن ولمنع تقدم السفن الإيرانية من بحر العرب. وهو ما سيطمئن السعوديين أن الحوثيين لن يستطيعوا تجديد ترسانتهم العسكرية من إيران عبر البحر.
الإنفصال
وفي ضوء سيطرة الحوثيين على العاصمة فالقتال مرشح للاستمرار، وهناك من اليمنيين من يخشى قيام السعودية بدعم جماعات وكيلة عنها لمواصلة الحرب. مما يعني استمرار الفوضى في اليمن مهما قرر السعوديون فعله.
ويريد الحوثيون أن يكون لهم رأي واضح في السياسة وحكومة وحدة وطنية في صنعاء وهو ما لن يستجيب له حلفاء السعودية في اليمن. فمعظم الجنوبيين الذين نسوا خلافاتهم واتحدوا ضد الحوثيين يرغبون بفك الوحدة مع الشمال والعودة لمرحلة ما قبل 1990 عندما كان اليمن يمنين.
ولاحظ كاتب بريطاني في صحيفة «الغارديان» إن الصور الذي أرسلها له أصدقاء من اليمن تظهر دمارا يشبه غزة والصومال فيما تمتلئ القوارب بالهاربين نحو جيبوتي أو صومالي لاند. ويعتقد الكاتب أن ما يثير الخوف هو ظهور النعرة الطائفية التي لم يكن يسمع بها أحد من قبل في اليمن. فقد أرسل له صديق من عدن عمل مترجما له «أنا مع الغارات، فهي ليست ضدي أو ضد عائلتي ولا طائفتي بل هي موجهة ضد الحوثيين والشيعة الذين يلقون دعما من إيران». ومثلما لقيت الحملة السعودية دعما من الجنوبيين فقد حظيت بدعم واسع من السعوديين الذين اعتبروها عملية سريعة وحاسمة لوقف «التوسع الإيراني» في المنطقة لكن الإيرانيين رفضوا هذا وقالوا إن «أنوف السعوديين ستمرغ بالتراب».
وبحسب محللين سياسيين نقلت عنهم صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» فقد جاء الحزم السعودي المفاجئ في اليمن كدليل على ما تراه تصاعد الهيمنة الإيرانية في المنطقة وعدم قدرة الرياض التصدي لها في حروب الوكالة الجارية الآن في الشرق الأوسط.
وهو ما قاد السعودية للمبالغة في تصوير الدور الإيراني مع الحوثيين وأهمية إيران في اليمن. وزاد في هذا الدور الإيراني المتسيد في العراق وبداية ذوبان الجليد في العلاقات الأمريكية – الإيرانية.
مما يعني أن السعودية اندفعت بما يراه بعض المحللين عقدة النقص أمام إيران، لكن السعودية لقيت دعما كبيرا من الولايات المتحدة ونشر البوارج الحربية في بحرالعرب دليل على هذا. كما أن النكسات التي عانت منها إيران في سوريا وحليفها نظام بشار الأسد على يد القوى المدعومة من السعودية وحلفائها في المنطقة والولايات المتحدة.
ويظل حجم الإنفاق السعودي على الدفاع الأعلى في العالم، ففي العام الماضي أنفقت 80 مليار دولار أي ثمانية أضعاف ما تخصصه إيران لميزانيات الدفاع. ورغم كل هذا فإيران متسيدة في لبنان والعراق وربما اليمن.
دور طهران
ويرى شانشك جوشي من المعهد الملكي للدراسات المتحدة في لندن «أعتقد أن السعوديين آمنوا بصدق أن الإيرانيين يدعمون الحوثيين بشكل جوهري مما عرض أمنهم للخطر».
ومقارنة مع هذا الموقف يرى الدبلوماسيون الغربيون أن الدعم الإيراني «كان متواضعا وخفيفا وغير واضح ومحدود».
ومهما يكن من أمر يرى جوشي أن ما قام به السعوديون هو «عرض حاسم للقوة». وقال إن الإيرانيين شعروا بالدهشة «لو كنت جالسا في طهران لتساءلت هل هذا سيؤدي إلى نشاط سعودي جديد في العراق وسوريا؟». لكن ناصر هاديان ـ جازي المحاضر بجامعة طهران يرى في العمل السعودي «عاطفيا ورد فعل» .
يعرف السعوديون كما يقول إن «الدور الإيراني في اليمن على خلاف سوريا والعراق محدود وأن أهمية اليمن لإيران تظل أقل من العراق». و«بالنسبة لي فقد انطلقوا من حالة انفعالية وحاولوا تجييش مصادرهم ولوم إيران وهذا ليس صحيحا».
وألقى هاديان ـ جازي اللوم على «اسطورة» الهلال الشيعي التي يستخدمها بعض قادة السنة والإمبراطورية الفارسية ولكنه لام المسؤولين الإيرانيين الذين تفاخروا بدورهم بالمنطقة. ويرى جوشي إن إيران تلعب لعبة ذكية في الأزمة فمن ناحية نرى صحيفة «كيهان» وهي تتفاخر بالدور الإيراني ومن جانب آخر هناك تصريحات ذكية من محمد جواد ظريف وزير الخارجية الذي يحذر من الدمار والفوضى التي لا تعرف الحدود ويكتب مقالة في «نيويورك تايمز» يقدم خطة من نقطتين أو ثلاث نقاط وكل هذا من أجل فرض موقع لإيران على طاولة المفاوضات.
ويرى جوشي «لديك ذلك الإحساس الغريب أن كلا الطرفين يعتقد أنه خسر»، فهناك شعور بالضغط بالنسبة للسعودية في العراق حيث لم تتخذ أمريكا موقفا متشددا لمنع صعود دور الميليشيات المدعومة من إيران.
وبالمقابل يبدو الأسد في سوريا في أضعف حالاته منذ 4 سنوات ولكن هذا لا يرضي السعودية.