تطورات “عاصفة الحزم” وتصعيد إيران من لهجة الخطاب العدائي ضد السعودية والتحالف الذي تقوده ضد ميليشيات الحوثيين، وأتباع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، والدعم الأمريكي القوي للتحالف وتطمين دول الخليج، هل ينسف اتفاق أمريكا التاريخي مع إيران، في ظل عداء مرشد الثورة والمحافظين الإيرانيين للاتفاق، أم أن مصلحة إيران قبل واشنطن أن تطوى هذه الصفحة وترفع العقوبات المنهكة المفروضة عليها، وتفتح أسواقها أمام الشركات العملاقة والعابرة للقارات، ويرفع التجميد عن الأرصدة الإيرانية في البنوك الغربية، ومن ثم المصلحة تقتضي أن يتم الاتفاق النهائي على الاتفاق النووي؟
الخلافات بين طهران وواشنطن
صحيفة “صنداي تليغراف” البريطانية في مقال تحليلي لها تحت عنوان “نزاع يهدد اتفاق أمريكا التاريخي مع إيران”، تناولت الخلافات بين طهران وواشنطن بشأن الحرب في اليمن، وقالت إن حالة التفاؤل “الساذجة” التي ظهرت على الكثير من السياسيين والمحللين بسبب الاتفاق الإطاري بشأن برنامج إيران النووي سرعان ما تلاشت بعدما ظهر الخلاف بين طهران وواشنطن بشأن الحرب الأهلية في اليمن.
وأضافت الصحيفة أن كلا الطرفين يلوح بإصبعه ضد الآخر، وأشارت إلى أن الخلاف بخصوص اليمن ربما يتحول إلى “نزاع عسكري مفتوح”، وذكرت الصحيفة أن قرار الرياض شن عملية عسكرية في اليمن يعكس مخاوف السعوديين من أن إيران تسعى لتطويق السعودية، من خلال دعم حكومة العراق على حدود المملكة الشمالية وتولي سدة الحكم في اليمن مجموعة موالية لطهران، وأشارت “صنداي تليغراف” إلى أن قرار طهران إرسال اثنتين من سفنها الحربية إلى خليج عدن الأسبوع الماضي أثار تحذيرًا شديد اللهجة من جانب واشنطن التي تدعم بالفعل الغارات السعودية في اليمن، ورأت الصحيفة أن تحذير وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، من أن واشنطن لن تسكت إذا قامت إيران بزعزعة استقرار المنطقة يثير احتمال حدوث نزاع عسكري مباشر بين الولايات المتحدة وإيران.
طموح إيران النووي
أما الخبير في شؤون الشرق الأوسط روبرت فيسك، فكتب في صحيفة “الإندبندنت” مقالًا، قال فيه: “إن إيران ستبرز كقوة في الشرق الأوسط بموافقتها على الحد من طموحها النووي، وعلى الرغم من أن الحرس الثوري الإيراني قد يحاول عرقلة الاتفاق، أو أن تقوم إسرائيل بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية؛ إلا أن الاتفاق المبدئي الذي عقدته إيران يمكن أن يجعلها قوة عظمى في المنطقة كما كانت أيام الشاه”.
وقال “فيسك” إن تلك الصداقة الناشئة بين واشنطن وطهران، هي التي تغضب السعوديين الذين يخشون أن تهدد الأوضاع الجديدة تحالفهم المتميز مع واشنطن، وإن انتهاك السعودية لحقوق الإنسان في منعها للنساء من قيادة السيارات أو سماحها لأي نوع من حرية التعبير، يجعلها حليفًا غير طبيعي لواشنطن، ويقول الكاتب إنه إذا التزمت إيران بتعهداتها يمكن أن يتبدل انعدام الثقة بينها وبين الولايات المتحدة، وسيكون هذا تحولًا سياسيًا هائلًا في الشرق الأوسط، فيمكن لإيران أن تصبح -مع مرور الوقت- شرطي الولايات المتحدة في الخليج كما كانت تحت حكم الشاه، ويصف الكاتب هذا التحول بالزلزال في الشرق الأوسط؛ آنذاك ستعيد الولايات المتحدة تقييم علاقاتها مع السعوديين “الوهابيين” الذين أنتجوا للعالم أسامة بن لادن و15 من بين 19 قاموا بالهجوم على برجي التجارة في 11 سبتمبر.
الدين في السعودية
ويقول “روبرت فيسك” إن الدين في السعودية يماثل تمامًا الدين لدى طالبان، كما يماثل، للأسف الدين المخيف للجماعات المتمردة في سوريا والعراق، أما بالنسبة لمصر، يقول الكاتب، فإنها تحتاج المساعدات الأمريكية، والرئيس عبد الفتاح السيسي يعرف جيدًا أن التعليمات الأمريكية لابد من إطاعتها؛ ولهذا قطع علاقته مع حماس لعزل أعداء إسرائيل، أما قطر والإمارات فسوف تقبلان أي اتفاق نهائي، أما سوريا والعراق فهما حلفاء إيران.
وكانت الصحف الغربية رحبت بمسودة الاتفاق النووي، فقالت صحيفة “الفايننشال تايمز” إن الاتفاق جاء بعد جهود دبلوماسية مضنية وأعوام طوال من الشد والجذب بين طهران وواشنطن، وربما تبرر جائزة نوبل للسلام التي حصل عليها الرئيس أوباما في بداية رئاسته، وترى الصحيفة أن الاتفاق يقوم على قاعدة صلبة وأن إيران قبلت للمرة الأولى بشروط لم تقبل بها من قبل، وتحد الاتفاقية بشكل فعال من قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم كما تحد من مخزونها من اليورانيوم المخصب وتفرض تفتيشًا دوليًا غير مسبوق على المنشآت النووية الإيرانية وكل مراحل الحصول على المواد النووية، وتمكن تلك القواعد الجديدة من اكتشاف أي محاولات لإيران لامتلاك سلاح نووي.
الاتفاق النهائي لن يتم
وتقول “الفايننشال تايمز” إن الاتفاق النهائي لن يتم قبل يونيو/حزيران وهذا يعطي كل المعترضين على الاتفاق فرصة لإفشاله، وإن المعترضين هم الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون في الولايات المتحدة، وإسرائيل والحرس الثوري في إيران، وتشير الصحيفة إلى الابتهاج والاحتفالات بين الشباب في إيران بإبرام الاتفاق؛ إلا أن الموافقة النهائية على الاتفاق بيد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، علي خامنئي، الذي يدرك أن الشباب الذي يشعر بالتململ وأن الحصار المفروض على بلاده قد أضر باقتصادها ضررًا بالغًا، وتقول الصحيفة إن المعارضة الإسرائيلية الشديدة للاتفاق قد تساعد خامنئي على تسويقها في الداخل.
الخلافات بين التيارين الإصلاحي والمحافظ
وتشهد الساحة السياسية الإيرانية، تباينًا في وجهات النظر، بين التيارين الإصلاحي والمحافظ، على خلفية الاتفاق الإطاري الذي توصلت إليه طهران مع المجتمع الدولي بخصوص برنامجها النووي، ويرى محافظون أن الاتفاق يعد خرقًا للخطوط الحمراء التي أعلنها المرشد الأعلى علي خامنئي، فيما يعتبر أنصار الرئيس حسن روحاني، المحسوب على التيار الإصلاحي، أن ما تم التوصل إليه، يمثل نجاحًا للسياسة الخارجية.
وشهد اجتماع لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية، في البرلمان الإيراني، سجالات بين الطرفين؛ حيث أجاب وزير الخارجية محمد جواد ظريف على استفسارات اللجنة بخصوص الاتفاق الأخير، وذكر النائب المحافظ جبار كوجكي نجاد، للصحافة الإيرانية، أن الاجتماع شهد تلاسنًا بين عضو اللجنة كريم قدوسي، وظريف، على خلفية اتهام الأخير بعدم مراعاة تحذيرات المرشد له في اجتماع خاص بخصوص الملف النووي، فيما رد ظريف عليه بالقول: “إنك تكذب، وتسيء بمثل هذا الكلام إلى المرشد، وتظلمه؛ فالمرشد لم يحذرني على الإطلاق في ذلك الاجتماع”.