بعد أن تمّت الإطاحة به من سدة الحكم في اليمن في أعقاب ثورات الربيع العربي عام 2011، بدأ الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح مخططه للانتقام مستغلا في ذلك علاقاته وصفقاته واتفاقاته السابقة سواء كان مع القاعدة أو مع الحوثيين.
بتلك الكلمات استهلت صحيفة (تليجراف) البريطانية تقريرها عن الدور الذي يلعبه صالح في الأزمة الحالية تحت عنوان "صالح يمزق اليمن".
ويقول التقرير إنه على مدار أعوام، كان الأمريكيون يرون صالح حليفا رئيسيا في قتالهم ضد تنظيم القاعدة، حيث سمح باستخدام قواعده العسكرية للطائرات الأمريكية دون طيار للهجوم على نشطاء التنظيم، وتلقى إثر ذلك المساعدات الغربية وإمدادات الأسلحة.
ووفقا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة الشهر الماضي، فإن أحد الأشياء التي فعلها صالح عندما تهدد حكمه الذي استمر طيلة (30 عاما) بقيام ثورات الربيع العربي عام 2011، هو إبرامه اتفاق يعطي بموجبه الإقليم الجنوبي بكامله لتنظيم القاعدة، وكلما أمكنه تصوير أن اليمن تسقط في براثن المسلحين، زادت رغبة الغرب في إبقاءه بسدة السلطة مهما كان الثمن.
وفي ذلك الصدد، فقد فشل تحالفه ذلك في تحقيق هدفه: فبحلول العام التالي، أجبره داعموه الغربيون بهدوء على الرحيل من سدة السلطة في مقابل الحصانة من الملاحقة القضائية، لكن الأسبوع الماضي تحديدا شهد أسلوبا مختلفا من صالح في التعامل مع الموقف فقد أثبت ذلك الرجل صاحب السجل الكبير من إبرام الاتفاقات مع أي شخص يبقيه في السلطة، أن دهاءه لا ينبغي الاستهانة به.
الخطوة التي جلبت المزيد من الخراب لليمن أفقر الدول العربية، هي سيطرة المتمردين الحوثيين، الذين كانوا ينشطون في الشمال، على المدن الرئيسية في البلاد، والأربعاء الماضي، أجبر حصارهم لمدينة عدن الساحلية عبدربه منصور هادي (خليفة صالح) على الهروب بحرا إلى عمان، الأمر الذي عجّل ببدء الغارات العسكرية، التي تقودها السعودية، على معاقل الحوثيين.
وفي الوقت الذي تنكر فيه إيران أي مشاركة لها في دعم الحوثيين، فإن شخصا بعينه يدعم دون شك هؤلاء المتمردين هو صالح، وعلى الرغم من أنه حاربهم بشراسة أثناء وجوده في سدة السلطة، فقد أصبح في صفهم ا?ن ويقوم بتوجيه المقربين له وأصدقاءه بالانضمام إلى القوات التي تحارب إلى جوار المتمردين.
صالح كان قد صرح أثناء وجوده في سدة السطلة أن حكم اليمن المضطرب أشبه بالرقص على رؤوس الأفاعي، لكن عودته المبهرة عن طريق الصفقات مع زعماء القبائل والقوى الإقليمية وحتى تنظيم القاعدة، جعلت العديد يتساءلون ما إذا كان صالح نفسه هو الثعبان الأكبر.
السعودية التي تقود تحالفا مدعوم غربيا يشن غارات ليلية على معاقل الحوثيين في محاولة لتحويل دفة الصراع، تهدد أيضا بعملية برية في حال عدم انسحاب الحوثيين وصالح قائلة إن الصلات الإيرانية بالمجموعة تجعلها بمثابة التهديد للمصالح العربية في شتى أنحاء المنطقة.
ووسط المخاوف من اندلاع حرب طائفية أوسع نطاقا، فإن الدور المميز لصالح في ذلك الصراع تم تجاهله، أما السهولة التي أظهرها في تحويل توجهه ضد الحوثيين فهي دليل أكبر على مخاطر دعم الغرب للأنظمة الديكتاتورية للحكام العرب.
ووفقا لأحدث تقارير الأمم المتحدة، أعده فريق من خبراء تابعين لمجلس الأمن الدولي، فإن صالح التقى الأمير المحلي لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية سامي ديان في مكتبه بالعاصمة صنعاء عام 2011، حيث كانت تواجه اليمن وقتها احتجاجات مناهضة للحكومة على غرار احتجاجات مماثلة أسقطت الأنظمة الحاكمة في مصر وليبيا.
هذا اللقاء، الذي حضره وزير دفاع صالح آنذاك، تم خلاله التعهد أمام ديان بأن الجيش سينسحب من محافظة آبين، التي تمتد على طول ساحل عدن ما يجعلها صيدا سهلا فيما بعد للقاعدة وديان الذي سبق وأن تعهد بقتل صالح.
ويوضح التقرير الأممي أنه في مايو 2011 وفي الوقت الذي خرج فيه المحتجون المؤيدون للديمقراطية وحاصروا الوزارات في صنعاء، سيطر تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية على محافظة أبين وظلت بحوزتها طيلة عام، وفي الوقت نفسه اختفت وحدة مكافحة الإرهاب الحكومية المدربة غربيا، والتي كان يقودها ابن عم صالح، من المشهد.
ثم بدأت القاعدة في شن هجمات على الأراضي الحكومية ذلك الأمر ساعد لاحقا على خلق حجة صالح بأن الاحتجاجات ضده تقود الأمن الإقليمي، ويبدو أن الحوثيين ورثوا عنه تلك الحجة، حيث يقولون إن صعود القاعدة كأحد أسباب سيطرتهم على المزيد من الأراضي.