عامان وأربعة أشهر منذ طرق مجموعة من المسلحين باب منزل الصحفي أحمد ماهر، لا تزال الطرقات العنيفة للمسلحين على الباب ظهر الثامن من أغسطس 2022 تتردد في آذان أحمد وعائلته وهي اللحظة التي لم يكن يدرك أنها بداية رحلة معاناة طويلة.
يقول ماهر بعد أيام على خروجه من المعتقل لـ"المصدر أونلاين" تم اختطافي أنا وأخي من منزلي في مديرية دار سعد ظهر يوم السبت الموافق 6 أغسطس 2022، من قبل مسلحين لم يكشفوا لنا عن هويتهم، أخذونا على متن السيارة التي كانوا يستقلونها، ونقلونا إلى جهة مجهولة لا أعلمها، وبعد فترة، تم نقلي إلى شرطة دار سعد، حيث بقيت هناك حتى تم نقلي لاحقًا إلى سجن الحزام الأمني في عدن، تحديدًا في بئر أحمد".
ولد أحمد وتربى ودرس في مدينة عدن وتخرج من جامعتها، غادرها بعد المواجهات المسلحة بين قوات الحكومة وقوات المجلس الانتقالي والتوتر الذي عاشته المدينة، إلا أنه وبعد تشكيل المجلس الانتقالي عاد إلى عدن التي ظن أنها بدأت مرحلة جديدة، وأنه ما من مبرر للبقاء خارجها وقد صار الطرفان المتقاتلان شريكين في الحكومة ومجلس القيادة. يقول " لم أتخيل أبدًا أن يحدث لي أمر كهذا، خاصة وأنني صحفي معروف، على تواصل مع كافة قيادات الدولة، وأتمتع باحترام من الجميع".
وكان الصحفي أحمد ماهر فاز الشهر الماضي بجائزة الشجاعة الصحفية في نسختها الأولى والتي أعلنها مرصد الحريات التابع لمركز الإعلام الاقتصادي، ومنحت له إلى جانب الصحفي محمد المياحي المعتقل منذ أكثر من أربعة أشهر لدى مليشيا الحوثي في صنعاء.
تحدث ماهر عن ظروف قاسية عاشها في السجن، يقول "تعرضت لضغط نفسي يفوق حدود التحمل، وحُرمت أيضا خلال فترة احتجازي من جميع حقوقي القانونية، ولم أجد سوى التعذيب المستمر، تعذيب جسدي شديد تسبب في كسر فكي الأيسر وبعض الضلوع، بالإضافة إلى إصابة في المعدة أدت إلى نزيف خرج من السرة".
ويضيف: "بعد ذلك، تعرضت لتعذيب نفسي تمثل في حرماني من الزيارات والإخفاء القسري لمدة شهر كامل، مع منع تام من تناول الطعام باستثناء وجبة يومية رديئة جدًا. كما تم حرماني من رؤية أشعة الشمس أو الهواء الطلق، وكان توفير ماء الحمام محدودًا للغاية، حيث يُتاح لمدة ساعتين فقط كل أسبوع، مما أجبرنا على شراء مياه الشرب لاستخدامها في الحمام، مع الأسف الشديد".
ونحن نتابع سير محاكمة الصحفي أحمد ماهر خلال السنوات الماضية تعرضت المحاكمة للعرقلة بشكل متكرر، وتم تأجيل جلسات المحاكمة لأكثر من 16 مرة، لأن القائمين على السجن كانوا يرفضون نقله إلى المحكمة لأسباب تختلف في كل مرة، يقول ماهر إن أطراف سياسية وشخصيات نافذة في عدن هم من كانوا يمنعون ويعرقلون وصوله إلى المحكمة بهدف حرمانه من حقه في محاكمة عادلة كانوا يدركون سلفاً أن تطبيق أبسط الإجراءات القانونية سيفضي إلى تبرئته والإفراج عنه مباشرة، يعلق "قضيت عامًا وثمانية أشهر في المحاكمة الابتدائية وحدها، ثم انتظرت خمسة أشهر إضافية فقط للحصول على نسخة من قرار الحكم حتى أتمكن من الاستئناف".
العام الماضي نشرت أجهزة الأمن التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي مقاطع مصورة ظهر فيها أحمد ماهر وهو يدلي باعترافات لجرائم كبيرة كان واضحاً لكل من تابع هذا المقطع أنه يلبي طلبات المحقق حماية لنفسه من التعذيب. يشرح ماهر قصة المقطع المصور، فيقول "كان هناك إصرار على إدانتي، ولهذا تعرضت حينها لحرمان تام من الطعام والشراب، وكان يُسمح لي فقط بشرب ماء الحمام، ومُنعت أيضا من رؤية أشعة الشمس أو استنشاق الهواء النقي، وتم إبقائي في زاوية تنبعث منها روائح كريهة للغاية، وعلى الرغم من تعرضي للضرب الشديد، رفضت الامتثال لمطالبهم، بالإدلاء بالاعترافات، ولكن عندما هددوني بإلحاق الأذى بأسرتي، اضطررت للموافقة فورًا، فقط لضمان سلامتهم من بطش هؤلاء الظالمين".
يتهم ماهر مدير شرطة دار سعد بتعذيبه، يقول "المدعو مصلح الذرحاني، مدير شرطة دار سعد ومعه مجموعة من الأفراد المقنعين التابعين له هم الذين ضربوني وعذبوني".
أحمد صحفي من أبناء مدينة عدن، يشعر بالخذلان الكبير من مؤسسات الدولة التي كان دوماً يقف إلى جانبها وحين دخل السجن وجد نفسه مكشوفاً دون إسناد، يقول "رغم أن الدولة بأكملها كانت على علم بأني مختطف خارج إطار القانون، إلا أنها لم تحرك ساكنًا، واكتفت بإصدار توجيهات كتابية لم تتجاوز مكاتبهم، ولم تُنفذ على أرض الواقع". ويضيف " أنا صحفي من أسرة عدنية بسيطة جدًا، لا أملك سوى قلمي، وكنت مؤمنًا بأن هناك مؤسسات دولة رسمية تقف خلفي، وتحمي الحقوق وترفض الظلم والانتهاكات، لكنني فوجئت بالعكس تمامًا، ولو كان لدي سند قوي أو دعم من أي جهة، لما تجرأ أحد على المساس بي أو إلحاق الأذى بي، "لكن قدر الله وما شاء فعل".
حرم أحمد طيلة فترة اعتقاله من التواصل مع أسرته وأقاربه يقول "تم منعي تمامًا من التواصل مع أسرتي أو الحديث مع أي شخص، باستثناء بعض اللحظات التي أُجبرت فيها على التوقيع والبصم على أقوال كاذبة نُسبت إلي في محاضر النيابة، وقد تمت هذه الإجراءات في مقر شرطة دار سعد، حيث كنت مخفيًا قسرًا، وتحت إشراف وإدارة مدير الشرطة نفسه"، كما تم منعه من حضور محامٍ معه خلال تحقيق النيابة، الذي جرى في ظروف غير قانونية تمامًا.
يعتقد ماهر أن هذه المحنة التي تعرض لها كانت تستهدفه شخصياً لأن تلك الأطراف عجزت عن توظيفه لصالحها، كما أنها حسب أحمد كانت "رسالة بهدف الضغط على جميع الإعلاميين والصحفيين المعارضين لسياستهم".
وعن وضع الصحافة في عدن يقول ماهر إن الصحافة في عدن "مقيدة بشكل كبير من جانب المجلس الانتقالي وقواته الذين يعملون دون التزام بالقانون أو مواد الدستور. من جانب آخر، لا توجد أي جهات حكومية توفر الحماية للعاملين في مجال الإعلام".
ويضيف "حتى مقر نقابة الصحفيين تم الاستيلاء عليه بالقوة من قبل ما يُسمى "نقابة الإعلاميين الجنوبيين" التابعة للانتقالي، فكيف يمكن الحديث عن الحرية، ومقر النقابة ما يزال تحت سيطرة الانتقالي"؟.