لم تتسبّب الحرب التي يشهدها اليمن منذ عام 2015 بانقسام اليمن سياسياً وعسكرياً فقط بين الحكومة المعترف بها دولياً والتي تتخذ من عدن عاصمة لها، وجماعة الحوثيين التي تُسيطر على صنعاء وشمال اليمن، بل امتد الانقسام إلى القطاع المالي والاقتصادي الذي شهد انقساماً أيضاً ألقى بآثاره السلبية على السكان.
وتظهر ملامح هذا الانقسام من خلال وجود بنكين مركزيين أحدهما في صنعاء تابع للحوثيين، والآخر في عدن تابع للحكومة المعترف بها دولياً، بالإضافة إلى تعامل مناطق الحوثيين بالعملة القديمة وتعامل مناطق الحكومة المعترف بها دولياً بالعملة الجديدة المطبوعة بعد 2016، وهو ما تسبب بسعري صرف للريال اليمني مقابل العملات الأجنبية، إذ إن سعر صرف الدولار في مناطق الحوثيين يساوي 535 ريالاً، فيما يبلغ في مناطق الحكومة الشرعية 1900 ريال.
وفي إطار مشاورات السلام القائمة برعاية أممية والتي يرعاها المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ يبرز الملف الاقتصادي كأهم الملفات في الأزمة اليمنية، حيث يسعى المبعوث الأممي لوضع حلول من شأنها توحيد البنك المركزي الإيرادات وسعر صرف العملة.
وقال المستشار المالي عبد الغني الصبري لـ"العربي الجديد" إن سلطة الحوثيين فرضت استقلالية العملة القديمة ورفعت قيمتها عن الطبعة الجديدة، ورفعتها بالقوة مقابل العملات الأجنبية، ضاربة بنظريات العرض والطلب عرض الحائط، كما أن ثبات العملة يرجع إلى زيادة المعروض، منها الناجم عن وصول جميع التحويلات الخارجية لليمن كاملاً إليها، ومن ضمنها تحويلات المغتربين والمنظمات الدولية العاملة في اليمن، وكذلك شراء عملة الحكومة الشرعية الأجنبية وعملة المواطنين التي يحصلون عليها من تحويلات المغتربين عن طريق فروعها في مناطق الشرعية وإرسالها إلى صنعاء.
الانقسام والمعروض النقدي ولفت إلى أن هذا المعروض الزائد من النقد الأجنبي لدى حكومة الحوثي لم يوجه إلى تغطية أية نفقات حكومية، سواء في الداخل أو الخارج، فرواتب الموظفين الحكوميين ونفقات الجهات الحكومية الخدمية والجيش والأمن والجميع شبه متوقفة إلا النزر اليسير".
وأضاف المستشار المالي أن انخفاض سعر العملة في مناطق الشرعية مقابل العملة الاجنبية أقرب ما يكون إلى أنه خاضع لنظرية العرض والطلب الناجم عن قلة المعروض من العملة الأجنبية بسب التدهور الأمني وشح الموارد المالية والاقتصادية للموازنة العامة للدولة الشرعية، وتوقف أهم مواردها؛ النفط والغاز، مع بقاء صرف النفقات العامة للجهات الحكومية والجيش والأمن".
بدوره، شرح الخبير الاقتصادي ضيف الله سلطان لـ"العربي الجديد" أن "هناك أسباباً عدة تقف وراء الانقسام المالي والمصرفي في اليمن، وفي مقدمتها الانقسام السياسي، ويضاف إلى الأزمة توقف صادرات الغاز والنفط وتراجع تدفق النقد الأجنبي وانكماش الناتج المحلي الإجمالي بنحو 50 في المائة".
وأضاف الخبير الاقتصادي أن من ضمن أسباب الانقسام المالي والمصرفي نقل إدارة البنك المركزي من صنعاء إلى عدن في 2016، وقيام إدارة البنك بطباعة كمية كبيرة من النقود من دون احتياطي نقدي، وكذلك توقف تصدير النفط والغاز مع زيادة في النفقات، وخاصة رواتب المسؤولين في الخارج التي تصرف بالعملة الصعبة، إذ يُصرف أكثر من نصف مليار دولار كرواتب للمسؤولين".
وأكد الخبير الاقتصادي أن ما زاد من الانقسام هو إصدار الحوثيين قانوناً يحظر التعاملات الربوية في المناطق الخاضعة لسيطرتهم في 2023 وأدى هذا القانون إلى شل عمليات البنوك التجارية والإسلامية ومؤسّسات التمويل الأصغر، حيث هز ثقة المودعين والمقترضين في النظام المصرفي، ودفع عدداً من البنوك إلى الإفلاس، ليقوم الحوثيون بعدها بإصدار عملة معدنية جديدة فئة 100 ريال وهو ما ساهم بزيادة الانقسام".
ورأى المحلل الاقتصادي وحيد الفودعي في حديثه لـ"العربي الجديد" أن توحيد سعر الصرف يتطلب تنسيقاً وثيقاً بين البنكين المركزيين في عدن وصنعاء، بما في ذلك توحيد السياسات النقدية والمالية، ويجب القيام بإصلاحات اقتصادية شاملة لتحسين الوضع المالي العام، بما في ذلك تعزيز الثقة في العملة المحلية وتحسين بيئة الأعمال".
وأضاف المحلل الاقتصادي أن استقرار الوضع الأمني والسياسي يعتبر عنصراً أساسياً لتحقيق توحيد سعر الصرف، إذ إن الاستقرار يعزز الثقة الاقتصادية ويقلل من المخاطر، ويمكن أن يلعب الدعم الدولي دوراً مهماً في توحيد سعر الصرف من خلال تقديم مساعدات مالية وفنية لدعم الاقتصاد وتعزيز استقرار العملة".
وأشار المحلل الاقتصادي إلى أنه من الصعب تحديد سعر صرف دقيق في حال توحيد العملة بسبب العديد من العوامل المتغيرة والمؤثرة، حيث سيخضع السعر لعوامل العرض والطلب، لكن يمكن تقدير سعر الصرف الموحد على أساس المعطيات الحالية، حيث قد يتراوح السعر بين 1000 إلى 1200 ريال يمني مقابل الدولار الأميركي، مع مراعاة التحسينات المحتملة في السياسات النقدية والاقتصادية بعد التوحيد".