"علي" أحد المودعين في أحد البنوك بصنعاء، يروي قصة معاناته مع نظام مصرفي عاجز عن تلبية احتياجاته الأساسية. يقول علي: "لقد أودعنا كل ما لدينا من مال في البنك، على أمل أن تهدأ الأوضاع الأمنية ونستثمر تلك الأموال في مشاريع." ولكن منذ عام 2015، تم منعه من سحب أمواله، مما أدى إلى فقدانه العديد من الفرص الاستثمارية.
تدهور إمكانية السحب
عندما منعوه من سحب الأموال ونظراً لحاجته لتغطية تكاليف المعيشة، كان يصدر شيكات ويبيعها للصرافين ويستلم نصف قيمة الشيك، بينما يقوم الصراف بسحب الأموال من حسابه البنكي في البنك كما اعتاد الصرافون أن يفعلوا بطرقهم الخاصة وهذا يعتبر أبشع أنواع الاستغلال، ويوضح "علي" أن قدرته على سحب أمواله تراجعت على مر السنين. ففي عام 2015 كان مسموحًا له سحب أي مبلغ، لكن منذ عام 2016 حتى 2023 كان مسموحًا له سحب نصف حجم الأرباح الشهرية فقط، وفي عام 2023 تم تخفيض مبلغ السحب إلى ربع الأرباح، أما في عام 2024 فلا يمكنه سحب أكثر من 30,000 ريال.
الصراع بين البنوك المركزية
البنك المركزي في صنعاء يزعم أن بنك مركزي عدن نقل الأموال إلى عدن، بينما يؤكد بنك مركزي عدن أن ما تم نقله هو البيانات وليس الأموال. علي كانت تصله رسائل إيداع نصية تثبت بأنه يحصل على عوائد من استثمار البنك لأمواله في أذون الخزانة حتى مارس 2023، وهو التاريخ الذي صدرت فيه فتوى وقانون يمنعان "التعاملات الربوية" من مفتي سلطات الحوثيين والبنك المركزي التابع لها في صنعاء.
فقدان القيمة الحقيقة للأموال
يقول علي "لقد خسرنا القيمة الحقيقية للأموال بسبب تدهور سعر صرف العملة، حيث كان الدولار عند الإيداع في عام 2014 يساوي 215 ريال فقط، بالإضافة إلى أننا حُرمنا من استثمارها." ويشير إلى أنهم كانوا في الحي يمنحون الفقراء الصدقات، ثم أصبحوا يستحقون الصدقات من الناس، لكن لا أحد يعرف بظروفهم المالية الحقيقية وقد اضطر لنقل بيته من الحي الذي كان يعيش فيها مع عائلته وكان معروفًا عنهم أنهم أهل عطاء، والآن يعيش في حي جديد حيث لا أحد يعرف بوضعهم.
وعن الآثار النفسية التي لحقت بهم، يقول علي "بسبب الوضع الاقتصادي المزري والقهر والظلم الذي عانينا منه، مرض والدي ووالدتي وتوفيا دون أن نتمكن من تقديم الرعاية الصحية اللازمة لهما، لقد كانا مع فكرة شراء ذهب والاحتفاظ به بدلا من إيداع الأموال في البنك، لكنني أقنعتهم بالإيداع في البنك، لذا فقد توفيا وهما غير راضيين عني".
بناء على معلومات حصل عليها علي من داخل البنك المركزي، فإن جزءً من أموال المودعين أمثاله ذهب لتغطية نفقات الحكومة، بينما ذهب الجزء الأكبر لبناء عمارات بأسماء أشخاص وهميين ودعم جبهات الحرب. هذه قصة علي، لكنها تمثل مأساة آلاف المودعين في اليمن الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى أموالهم أو التصرف بها، وتحولوا من أثرياء إلى فقراء بسبب الأزمات الاقتصادية والسياسية المتلاحقة.
مناشدات
يواصل المودعون مثل علي مناشدتهم للحكومة الشرعية والمجتمع الدولي للتدخل وحل أزمة الودائع العالقة، وإدراج قضيتهم ضمن بنود أي مفاوضات أو اتفاقيات قادمة من أجل إعادة الأموال إلى أصحابها أو على الأقل توفير حلول بديلة تضمن لهم إمكانية الوصول إلى أموالهم، كما يناشدون بتحقيق شفاف في كيفية إدارة البنوك لأموالهم وتقديم المسؤولين عن الأزمات المالية إلى العدالة، وإدراج قضيتهم ضمن بنود أي مفاوضات أو اتفاقيات قادمة.
أزمة الودائع المالية
منذ عام 2014، يشكو أصحاب الودائع المالية لدى البنوك الإسلامية والتجارية من عدم قدرتهم على سحب أموالهم. لأن البنوك ليس لديها السيولة الكافية، وتعتبر هذه الأموال مجمدة وغير قادرين على التصرف بها. وفي 18 سبتمبر 2016، أعلنت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن. لكن هذا النقل كان شكليًا، حيث لم يرافقه نقل للودائع والاحتياطيات المختلفة. هذا النقل أعطى ذريعة لجماعة الحوثي المسيطرة على صنعاء للاعتذار عن دفع ودائع البنوك والمودعين الآخرين.
الاعتداءات على الأصول
منذ سيطرة جماعة الحوثيين المسلحة على صنعاء في سبتمبر 2014، بدأت بالاعتداء على أصول وعقارات الناس والبنوك، تم الحجز على أرصدة بعض البنوك وفرض قيود على أخرى، مما أدى إلى إضعاف دور القطاع المصرفي وتأسيس شركات صرافة بديلة. وفقًا لمصدر في البنك المركزي بصنعاء، فإن عددًا من البنوك أصبحت في حكم المفلسة، لكن هناك تكتم من قبل البنك المركزي.
تسبب تجميد الودائع المالية في البنوك في تراجع النشاط الاقتصادي بشكل كبير. الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد على التمويل البنكي تعاني من صعوبات جمة في الحصول على التمويل اللازم لمواصلة أعمالها. هذا يؤدي إلى تراجع الإنتاج وزيادة البطالة والفقر. كما أن الثقة في النظام المصرفي تراجعت بشكل كبير، مما دفع العديد من الأفراد والشركات إلى تحويل أموالهم إلى الخارج أو الاحتفاظ بها نقدًا في منازلهم.