يعاني اليمن من استمرار توقف تصدير النفط ، المورد الوحيد الذي تعتمد عليه البلاد في ظل تشتت البدائل كالإيرادات الضريبية والجمركية، التي بإمكانها تغطية جزء من الموارد المفقودة. يأتي ذلك مع ارتفاع حدة الضغوط لتطوير الأداء المالي والاقتصادي والمؤسسي وتنظيم النفقات العامة وتفعيل الأجهزة الرقابية واستعادة موارد الدولة بهدف تنويع مصادر الدخل، في ظل الاعتماد على مصدر وحيد تسبب توقفه نتيجة استهداف موانئ تصدير النفط بأزمة حادة على كافة المستويات الاقتصادية والنقدية والإنسانية.
في حين تنذر الأزمة المالية والنقدية المتجددة في مارس/ آذار بشكل واسع في اليمن بين "البنكين المركزيين" في عدن وصنعاء بتبعات يُرجح أن تلقي بظلالها على الوضع الاقتصادي المتدهور، وعرقلة الجهود التي تسعى للحد من هذا الصراع وتخفيف معاناة اليمنيين جراء التدهور المعيشي الناتج عنه. يتزامن ذلك مع ما تشهده البلاد من أحداث متصاعدة في الممرات المائية والتي تأتي وسط ضغوط هائلة تتعرض لها الحكومة المعترف بها دولياً، بعد التغيير الذي جرى على مستوى رئاستها، حيث تواجه مجموعة من التحديات المتراكمة والملفات المعقدة التي تتطلب سرعة التعامل معها، كاستعادة الموارد العامة وكسب ثقة المانحين في تنفيذ برنامج الإصلاحات الشاملة في الجوانب الاقتصادية والمالية والنقدية والإدارية، ومستوى الإجراءات التصحيحية في القطاع المصرفي.
ضغوط هائلة
وتحدثت مصادر مطلعة، لـ"العربي الجديد"، قائلة إن الحكومة اليمنية تواجه ضغوطاً هائلة تلزمها بمكافحة الفساد في مؤسسات الدولة، وتفعيل الأجهزة الرقابية لتعزيز الشفافية في إدارة المال العام والمشاريع الحكومية، إضافة إلى أهمية استعادة الموارد العامة وتنظيم أداء المؤسسات الاقتصادية الإيرادية، وتشديد الإجراءات الهادفة لضبط الإنفاق الحكومي وتأمين الموارد من مصادر غير تضخمية. ونتج عن اجتماعين طارئين ونادرين، عقدهما رئيس الحكومة الجديد أحمد بن مبارك مع قيادة وموظفي مصلحتي الجمارك والضرائب، التوجيه بإحالة قيادات في مصلحة الضرائب للتحقيق بسبب الإهمال في الأداء والتغيب عن أعمالهم وعدم إنجاز المهام الموكلة إليهم بالكفاءة المطلوبة، حيث سيتم بناءً على نتائج التحقيق إيقافهم عن العمل.
الباحث الاقتصادي عصام مقبل، يؤكد لـ"العربي الجديد"، أن الوقت يبدو قد تأخر كثيراً على الحساب والعقاب بعدما فقدت الحكومة قدرتها على الوجود على الأرض وإدارة المؤسسات والموارد العامة والتحكم بها، مشدداً على أن ما يجري في البحر الأحمر والممرات المائية وتبعات العدوان الإسرائيلي على غزة جعل الحكومة التي تعاني من أزمات مالية حادة تلتفت إلى أن هناك موارد ومؤسسات عامة مفقودة وخارج سيطرتها ولا تعلم عنها شيئاً، كما حدث في الاجتماع الذي عقده رئيس الحكومة في مصلحة الضرائب، وفي الجمارك.
ركود صادرات النفط
زادت الضغوط على المالية العامة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، ويعود السبب الرئيس لذلك إلى ركود صادرات النفط، حيث يشير التراجع الواضح في إيرادات الحكومة في النصف الأول من عام 2023، إلى احتمال حدوث انخفاض بنسبة 40 في المائة في الإيرادات خلال العام 2023. هذا التراجع المتزايد ناجم في معظمه عن الحصار النفطي، وفق الخبراء، نظراً لانخفاض الإيرادات الجمركية بسبب تحول الواردات عن ميناء عدن. وفي مواجهة تراجع الإيرادات ورغبة منها في حماية المالية العامة، قامت الحكومة بتخفيضات كبيرة في أوجه الإنفاق، غير أن هذه التدابير، بحسب تقارير اقتصادية، قد تفرض مزيداً من التحديات أمام الحفاظ على الخدمات العامة الأساسية وتعزيز النمو الاقتصادي على المدى الطويل.
في السياق، علمت "العربي الجديد" أن رئيس الحكومة اليمنية صُدم من وضعية أهم المؤسسات الإيرادية العامة والتي لا تقوم بعملها المناط بها في تفعيل أوعية وقنوات الإيرادات التي لا أحد يعرف مصادرها وسبب تعطيلها، كما كانت الصدمة هائلة نتيجة ضعف الانضباط الوظيفي الذي شاهده رئيس الحكومة المعترف بها دولياً، وغياب أغلب قيادات مصلحة الضرائب الذي اعتبره مؤشراً سلبياً يستوجب المحاسبة والمساءلة.
استعادة موارد الدولة
كما شدد بن مبارك على أن التسيب والإهمال غير مقبول في أي وزارة أو مؤسسة حكومية، وسيكون الجميع محل مساءلة ومحاسبة على مستوى الموظفين أو القيادات دون استثناء، ووجه وزير المالية برفع تقرير متكامل عن كافة القضايا المتصلة بعمل مصلحة الضرائب ومقترحات معالجتها، وسيتم التوجيه فيها عبر قرارات صارمة، في حين كانت هناك توجيهات صارمة لتنمية الإيرادات الجمركية وفع كفاءة وفعالية تحصيلها.
الباحث الاقتصادي والمصرفي وحيد الفودعي يقول لـ"العربي الجديد"، إن الوقت قد حان لاستعادة موارد الدولة من ضرائب وجمارك وغيرها، إضافة إلى إيجاد حل لإعادة تصدير المورد الاقتصادي الوحيد المتمثل بالنفط، دون ذلك ستظل أهم مشكلة تواجهها الحكومة المتمثلة بأزمة تدهور العملة المحلية بمثابة معضلة مستعصية على الحل، لما لها من تبعات كارثية على مختلف الجوانب الاقتصادية والمعيشية والخدمية.
الباحث الاقتصادي منير القواس يقول لـ"العربي الجديد": "لا معنى لحكومة لا سيطرة لها على مؤسساتها الإيرادية والجبائية، حيث لا يمكن أن تبقى تعتمد على مساعدات الدول المانحة بينما لا تقوم بأي جهد لتفعيل مواردك المتاحة"، لافتاً إلى أن هذه الموارد هي أهم ما تعتمد عليه الأطراف الأخرى المتصارعة مع الحكومة، مثل الحوثيين، والسبب قدرتهم الواسعة على إدارة مؤسسات الدولة في العاصمة اليمنية صنعاء وقوة وجودهم في مختلف المناطق التي يسيطرون عليها.
كما تشهد البلاد تزايد حجم الحركة البحرية والتدفقات التجارية عبر الحدود البرية مع سلطنة عمان بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية، وهو ما مكنها من زيادة النشاط التجاري من ضرائب الاستيراد المحصلة محلياً وعائدات الجمارك، في حين أوقفت سلطتها المحلية تحويل الإيرادات إلى البنك المركزي اليمني في عدن.
وفي الوقت الذي تخوض فيه الحكومة اليمنية صراع نفوذ واسعاً مع المجلس الانتقالي الجنوبي في مختلف المحافظات التي تديرها الحكومة التي يعتبر المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات شريكاً رئيسياً فيها، يستقطع الحوثيون الذين يسيطرون على الجهة الشرقية من تعز ويطبقون حصاراً خانقاً عليها منذ أكثر من سبع سنوات جزءاً مهماً من الموارد المحصلة من عائدات ضريبية كبيرة من المحافظة الواقعة جنوب غربي اليمن نتيجة سيطرتهم على المركز الصناعي في منطقة الحوبان، شرق تعز، إضافة إلى عدم وضوح وجهة الإيرادات العامة المحصلة من مناطق الساحل الغربي لمحافظة تعز الممتد من مدينة المخاء حتى باب المندب.