يبدو أن التوترات المتصاعدة في جنوب البحر الأحمر قد تسببت بالمزيد من التداعيات الخطيرة؛ ليس لتأثيرها على المستوى الإقليمي والدولي فحسب؛ بل لأنها طالت بشكل مباشر سبل التهدئة والسلام في الداخل اليمني.
وخلطت التطورات الأخيرة في منطقة البحر الأحمر أوراق السياسة في البلد الغارق بنزاع منذ حوالي عقد من الزمن، بعدما كان قاب قوسين أو أدنى من خواتيم مفاوضات دامت أشهراً بين السعودية الراعية للحكومة اليمنية من جهة، والحوثيين المدعومين من إيران، من جهة أخرى.
وبينما أدت تلك المفاوضات إلى الإعلان عن خريطة طريق للسلام، وكان الجميع بانتظار الإعلان عن أولى محطاتها، خرج المبعوث الأممي إلى اليمن مبدياً خشيته من تعقد المسألة اليمنية بسبب حرب غزة، فهل وصلت الحلول إلى طريقٍ مسدود؟
تحذيرات أممية
منذ بدء تطورات الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر، بدت التطورات في اليمن مقلقة على التحركات الدولية لوقف الحرب في البلد العربي، ليؤكد المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، تلك المخاوف وصولاً إلى التحذير من أنها باتت "أكثر تعقيداً".
وفي إحاطة له أمام مجلس الأمن (14 مارس 2024)، قال إن عملية الوساطة "باتت أكثر تعقيداً، وأن اليمنيين يشاركونه الشعور بنفاد الصبر في سبيل تحقيق تطلعاتهم"، لكنه قال رغم ذلك: "إن الجهود مستمرة لوضع صيغة نهائية لخريطة طريق لحل الأزمة اليمنية".
وقال المبعوث الأممي إنه كان يأمل أن يأتي رمضان وقد تحسنت الأوضاع المعيشية "وتقاضى الموظفون رواتبهم، وأن تُستأنف صادرات النفط، إلا أن تلك الآمال والتوقعات لم تتحقق"، مشيراً إلى أن "الصيغة النهائية لخريطة الطريق الأممية وتنفيذها تظل مستمرة دون انقطاع".
وأشار إلى أن "مجال الوساطة أصبح أكثر تعقيداً، وهذا الوضع ما زال مستمراً"، مضيفاً: "على الرغم من جهودنا في حماية عملية السلام من التأثيرات الإقليمية منذ الحرب في غزة، فإن ما يحدث على المستوى الإقليمي يؤثر على اليمن، وما يحدث في اليمن يمكن أن يؤثر على المنطقة".
وحث غروندبرغ "جميع الأطراف المعنية على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، والعمل نحو خفض التصعيد، لحماية التقدم المحرز فيما يتعلق بعملية السلام في اليمن".
بين الحكومة والحوثي
وتؤكد الحكومة اليمنية، المعترف بها دولياً، اهتمامها بوقف الحرب، حيث أكدت في الـ13 من مارس الجاري، على لسان مندوب اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير عبد الله السعدي، حرص الحكومة على دعم الجهود الإقليمية والدولية للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة للصراع في البلاد.
وقال السفير السعدي خلال لقائه المبعوث الأممي إلى اليمن في نيويورك: إن "مليشيا الحوثي تتهرب من استحقاقات السلام بافتعال الأزمات والتصعيد في البحر الأحمر، وعدم جديتها في الانخراط بحسن نية مع جهود السلام الإقليمية وجهود المبعوث الخاص".
وشدد على "ضرورة ممارسة الضغط على المليشيات الحوثية لوقف تصعيدها في البحر الأحمر ودفعها نحو طاولة الحوار لإنهاء الصراع وإحياء الأمل في العودة إلى إمكانية تحقيق السلام المنشود"، وفق وكالة "سبأ" الرسمية.
أما الحوثيون فيقولون إن عمليات البحر الأحمر منفصلة عن مسار السلام باليمن، حيث سبق أن أكد محمد عبد السلام، كبير المفاوضين الحوثيين (8 فبراير 2024)، أن مشهد السلام في اليمن "يسير بشكل جيد".
وأضاف في مقابلة مع صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، أن عمليات الجماعة في البحر الأحمر "منفصلة" عن مسار عملية السلام، مشيراً إلى أن "خريطة الطريق تضمنت مخاوف الجميع، وأكدت الملف الإنساني المُلح الذي يعاني منه الشعب اليمني، كون الملف الإنساني سينعكس إيجاباً بشكل كبير على بقية الملفات، وفي مقدمتها الحوار السياسي".
توقعات سابقة
يؤكد الباحث اليمني نجيب السماوي، أن الإعلان الأممي بتعقيد الوضع في اليمن "كان متوقعاً في ظل الهجمات الحوثية وتصدير المشكلات الداخلية إلى الخارج".
ويشير، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن "الإعلان السابق، في ديسمبر الماضي، حول خارطة طريق كان مستغرباً، خصوصاً أنه جاء في ظل هجمات الحوثي"، مضيفاً: "لا أحد كان يتوقع جدية هذا الأمر، بل كان الجميع يتوقع أنها محاولة حوثية لاستغلال حرب غزة في لمصلحته وإقناع الشارع اليمني أن مشكلته ليست معهم وأنه مع السلام في اليمن".
وأكمل: "الحوثي أفشل ولا يزال يفشل كل خطوات السلام في اليمن، ولذلك كل شيء كان متوقعاً ومنها أن تفشل أي تحركات دولية، وما حدث خلال الأشهر الماضية ما هو إلا ذر للرماد على العيون".
وتابع: "نحن أمام مرحلة جديدة من الأزمة في اليمن مع دخول الحوثي في حرب إقليمية لم يكن هدفها نصرة غزة، بقدر ما كان الحوثي يريد ترسيخ وجوده محلياً ودولياً ولو على حساب قضية كان ولا يزال اليمنيون يقفون إلى جانبها". بدوره يرى الكاتب والصحفي عبد الله المنيفي، أن المبعوث الأممي "عود اليمنيين على أنه لا يتجاوز توصيف الحالة، التي تؤكد باختصار أن الموقف الدولي تجاه الحرب في اليمن طوال السنوات الماضية قد أتاح لمليشيات متمردة أن تتحكم بمسار الحرب والسلام على الضد من إرادة الشعب اليمني".
وأضاف في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "لا نبالغ إن قلنا إن مواقف القوى الكبرى يجعلها شريكاً في تعقيد الأوضاع كما هو الحال اليوم".
ويلفت إلى أن هجمات الحوثيين في البحر الأحمر "ستعقد أي عملية للتوصل إلى حل سياسي"، موضحاً بقوله: "مليشيا الحوثي، ومن خلفها إيران، كانت تهدف من هذه الأعمال إلى تقوية وضعها التفاوضي".
وتابع: "ومن ثم فإن الحوثي قد رفع سقف الاشتراطات التي لو تم الاستجابة لها فلن يكون السلام المزعوم إلا ممراً جديداً إلى حرب أوسع".
ويعتقد أن الحوثي ومن خلفه إيران "قد جعلا ملف السلام في اليمن مرهوناً بالصراع الإقليمي"، مضيفاً: "هذا يعني المزيد من تحكم القوى الإقليمية والدولية في هذا الملف لتحقيق مصالحها الخاصة التي لا علاقة لها باليمن ولا باليمنيين".
وأكد أن الوضع الشائك بمسار الحل السياسي في اليمن "يفرض على القوى اليمنية أن تكون أكثر تماسكاً ويقظة، حتى لا تسلم اليمن للوكيل الإيراني الذي يجيد استغلال الأحداث بصورة سافرة".
وأشار إلى أن ذات الأمر "ينطبق على دول الإقليم، وفي مقدمتها دول الخليج، إذ سينعكس أي اختلال في الحل السياسي لمصلحة الذراع الإيرانية في اليمن على مستقبل أمنها واستقرارها".
خارطة طريق متوقفة
ويبدو أن مخاوف اليمنيين ومثلهم في الخليج وعلى المستوى الدولي قد تحققت بسبب توسع الحوثيين في الهجمات بالمنطقة، وهو ما مثل ضربة قوية للرهان على التوصل إلى اتفاق يساعد اليمن على الخروج من الحرب المستمرة منذ 9 سنوات.
و"تضامناً مع غزة" التي تواجه حرباً إسرائيلية مدمرة بدعم أمريكي، يستهدف الحوثيون بصواريخ ومسيّرات سفن شحن إسرائيلية أو مرتبطة بها في البحر الأحمر، فيما يرد تحالف تقوده الولايات المتحدة بغارات يقول إنها تستهدف "مواقع للحوثيين" في مناطق مختلفة من اليمن.
وفي ديسمبر الماضي، بدت معالم انفراجة في ملف السلام اليمني إثر جولات تفاوض مكثفة احتضنتها العاصمتان السعودية والعُمانية، لكن ومع تصاعد التوترات في البحر الأحمر والإقليم، وتصريحات المبعوث الأممي الأخيرة، بدا أن كل شيء يتراجع إلى الوراء. وفي خضم حالة الاحتقان التي تمر بها المنطقة منذ الـ7 من أكتوبر الماضي، من جراء العدوان الإسرائيلي على غزة، كان الإعلان الأممي، أواخر ديسمبر الماضي، عن توصل الأطراف اليمنية إلى جملة من التدابير تسبق خريطة طريق مرتقبة لحل الأزمة في البلاد، أشبه ببوابة تفتح للسلام نحو اليمن.
وعند الإعلان حينها لم يتم الاتفاق على مكان وزمان التوقيع على خريطة الطريق بين الأطراف اليمنية، وسط مخاوف من غياب الآلية الضامنة لتنفيذ جملة الإجراءات التي كشف عنها غروندبرغ في بيانه (23 ديسمبر)، وهو ما بدا من خطابه الأخير.
وتتلخص أبرز عناصر الخريطة في "الالتزام بوقف إطلاق النار، وصرف الرواتب، واستئناف تصدير النفط، وفتح الطرقات، وتخفيف القيود على مطار صنعاء وميناء الحديدة".