يُنتَظر خلال الأسبوعين المقبلين أن يتم الإفراج عن 887 من سجون أطراف الحرب في اليمن ضمن مرحلة أولية، على أن يتم استئناف التفاوض في مايو/ أيار المقبل، وفقاً لاتفاق تنفيذ تبادل الأسرى بين وفدي الحكومة اليمنية وجماعة "أنصار الله" (الحوثيين) الذي أعلن الإثنين الماضي.
وتحدث عضو الوفد الحكومي في مفاوضات سويسرا، وكيل وزارة حقوق الإنسان ماجد فضائل، لـ"العربي الجديد"، عن كواليس المفاوضات، وأبرز المعوقات التي تقف أمام ملف التبادل، ومبدأ "الكل مقابل الكل" للإفراج عن الجميع وتصفير السجون، وعن قضية المخفيين قسراً، بمن فيهم السياسي محمد قحطان، وملف تبادل جثث القتلى.
* بعد اتفاق الإفراج عن أكثر من 800 من الجانبين، متى سيتم التنفيذ، وهل هناك خطة ومتى، وماذا عما أعلنتم عنه في مبدأ التفاوض "الكل مقابل الكل"؟
ما تم في مفاوضات سويسرا هو الاتفاق على آلية تنفيذية على ما تم التوقيع عليه سابقاً، بتبادل 2223 من الطرفين، على أن يتم البدء بجزء من هذا العدد وليس كله. وما حصل هو اتفاق تفصيلي على عدد 887 سيتم الإفراج عنهم، بمعنى الاتفاق على أشخاص محددين وآلية تنفيذية، على أن تتم عملية التبادل ما بين 15 و20 من شهر رمضان (بدأ يوم الخميس الماضي).
ماجد فضائل: ما زلنا في الحكومة متمسكين بمبدأ "الكل مقابل الكل" في عملية التفاوض
والتأخر لمدة ثلاثة أسابيع (لبدء الإفراج) من تاريخ إعلان الاتفاق يعود لأسباب لوجستية تخص اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لأنها تريد توفير الطائرات التي ستنقل المفرج عنهم بالإضافة إلى المقابلات، ونقل الأسرى والمختطفين لنقاط التجمع ومن ثم عبر المطارات. ما زلنا في الحكومة متمسكين بمبدأ "الكل مقابل الكل" في عملية التفاوض، وكل ما يتم هو ضمن هذا المبدأ، لكن بمراحل مجزأة، نظراً لصعوبة تنفيذ الكل مقابل الكل دفعة واحدة. واتفق الجميع على أن يكون هناك تنفيذ مرحلي وصولاً إلى إخراج كل الأسرى والمختطفين من جميع السجون والمعتقلات.
* ماذا عن السياسي اليمني محمد قحطان. ماذا قال لكم وفد الحوثيين أثناء التفاوض، وهل طرح الملف؟
محمد قحطان أحد القيادات السياسية الحزبية المهمة في اليمن، ومن الذين ذكروا في قرار مجلس الأمن 2216، ودائماً نكرر طرح قضيته في كل الاجتماعات، منذ مفاوضات الكويت إلى استوكهولم نضع اسمه على الطاولة. وفي الجولة الأخيرة التي تمت في برن السويسرية، تم وضعه على الطاولة، وتم الأخذ والعطاء (البحث) في قضيته.
كان مطلب الوفد الحكومي بشكل أساسي الكشف عن مصير السياسي قحطان بشكل واضح ودقيق كجزء أخلاقي، إذ إن مواصلة إخفائه بشكل قسري، من دون الإفصاح عن أي معلومة عنه، انتهاك للقانون الدولي الإنساني. وفي هذا الاتفاق على الآلية التنفيذية ربطنا بند الزيارات المتبادلة (للأسرى) بأن تشمل زيارة محمد قحطان والمسؤولين المعتقلين المشمولين بقرار مجلس الأمن (يَقصِد المسؤولين الذين يفترض أن يفرج عنهم، مثل وزير الدفاع السابق محمود الصبيحي وشقيق الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، ناصر منصور، والقائد العسكري فيصل رجب). وكان وفد الحوثيين حريصاً على أن يُجري زيارة لمأرب، ونحن قلنا مسموح لكم الزيارة، ولكن لا بد قبل ذلك السماح بزيارة محمد قحطان، ومن يوجدون لديكم من المخفيين في جهاز الأمن والمخابرات في صنعاء.
* هل لديكم إحصائيات بعدد الأسرى من القوات الحكومية، وأيضاً المختطفين المدنيين؟ وكيف تنسّقون مع الأطراف المساندة للحكومة للحصول على الأسماء؟
لدينا إحصائيات، لكن ليس العدد الحقيقي والدقيق، لأنه متغير وليس ثابتاً. هناك أشخاص يخرجون وآخرون يدخلون. ونحن على تنسيق مستمر، سواء ما يخص الأسرى المقاتلين في الخطوط الأمامية، مع قادة الألوية العسكرية ووزارة الدفاع، وأيضاً المختطفين المدنيين عبر رابطة أمهات المختطفين ومنظمات المجتمع الدولي ووزارة حقوق الإنسان. ونحن على تنسيق مستمر مع الجميع، والحكومة تمثل الجميع ونطالبهم دائماً بأسماء الأسرى والمعتقلين من دون استثناء أو تمييز. وهذه توجيهات واضحة من قبل قيادتنا السياسية المتمثلة بمجلس القيادة الرئاسي ورئاسة الحكومة الشرعية.
*ماذا عن ملف المخفيين قسراً من الأسرى والمختطفين الذين لا يعرف مصيرهم؟
طُرح هذا الموضوع، ودخلنا في نقاش كبير جداً وتفصيلي حوله، واتفقنا على أن تكون هناك لجنة خاصة بهذا الجانب، مهمتها الكشف عن مصير المخفيين قسراً والمفقودين، بالإضافة إلى فحص الرفات والجثث وغيرها من الأمور. لكنها ستعمل في وقت متأخر، بعد أن يتم تصفير السجون وإطلاق سراح جميع الأسرى والمختطفين.
* جرى في جولات ماضية من المفاوضات الحديث عن ملف تبادل الجثث. هناك كثير من الأسر أُبلغت بمقتل أبنائها لكنهم بلا جثث. كيف يُناقش هذا الملف؟
ماجد فضائل: اتفقنا على أن تكون هناك لجنة خاصة مهمتها الكشف عن مصير المخفيين قسراً والمفقودين
الموضوع هذا شائك حقيقة، وهو يطرح باستمرار. طبعاً يجرى تبادل الجثث بشكل دائم بين الجبهات والخطوط الأمامية، لكن في الحقيقة لن يتم ذلك بشكل واسع كما يجب أن يكون إلا بعد أن تضع الحرب أوزارها، ويتم الوصول إلى اتفاق سلام دائم. ولكن في الوضع الحالي صعب جداً الدخول إلى مناطق التماس لانتشال مئات من الجثث من الشعاب والجبال، والتي أصبحت غير معروفة، ولا حتى من قبل ذويها.
* ما هي أبرز التحديات والعراقيل التي تواجهونها خلال المفاوضات، وماذا عن حسن النوايا بين الطرفين؟
التعنت وعدم الالتزام والمراوغة من قبل مليشيات الحوثيين واستغلال الملف إعلامياً وسياسياً، رغم أنه ملف إنساني، هي المعرقل الأكبر في عدم حصول تقدم في هذا الملف بالشكل الذي كان يجب أن يحصل.
والحقيقة أنه لا توجد لديهم جدية، وهناك مراوغة كبيرة وعدم مبالاة. ويركزون على انتقاء بعض الأسماء من الأسر الهاشمية أو القبائل الكبيرة، ونحن نؤكد لهم عدم معرفتنا بهم، وهم يصرون على وجودهم. وكان هذا أحد العراقيل الكبيرة التي حالت دون التقدم في الجولات كافة.
وخلال الجولة الأخيرة، كان للجهود الكبيرة من قبل ممثلي التحالف العربي، عبر اللواء ناصر الثنيان واللواء فلاح الشهراني، في تقريب وجهات النظر بيننا وبين وفد مليشيا الحوثيين خلال الاجتماعات البينية، بعيداً عن مكتب المبعوث الأممي والصليب الأحمر، دور كبير جداً في تحقيق ما تم التوصل إليه. وهذه الجهود سوف تستمر حتى يتم تصفير السجون والمعتقلات. وأتوقع أن الأمور مرتبطة بسياق الدفع بالأطراف إلى طاولة المفاوضات والنقاش حول حل شامل ودائم للحرب في اليمن.
* كيف ترون دور الوسيط الأممي (هانس غروندبرغ) بملف الأسرى والمختطفين، ولماذا يسير هذا الملف ببطء، رغم أن الطرفين بحاجة للإفراج عن أسراهم والمختطفين؟
مكتب المبعوث الأممي يقوم بجهود كبيرة جداً، ممثلاً بنائب المبعوث معين شريم وفريقه. لكن خلال المفاوضات المباشرة تكون هناك تحفظات كبيرة، وكل طرف يحاول إمساك نقاط على الآخر وهذا يعقد الوضع ويزيده صعوبة. لكن التفاهمات الجانبية كان لها دور كبير في التوصل إلى اتفاق، ونتمنى أن تستمر تلك الجهود من أجل ذوي الأسرى والمختطفين. في الواقع، أي اتفاق لا يوجد فيه طرف منتصر من الأطراف المتفاوضة، لأن المسألة إنسانية، تتعلق بتلك الأسر المكلومة التي تنتظر ذويها، والتي سيعود الانتصار لها بفرحتها بخروج أبنائها خلال شهر رمضان.
وهنا أشير إلى الدور الكبير الذي يقوم به الصليب الأحمر في المهام اللوجستية كافة والتعرف إلى الأسرى والمختطفين، وعلى رأسهم السياسي محمد قحطان، وهذا كان مطلبنا من مكتب المبعوث ولم يستجب حتى اللحظة. نريد أن يكون له دور كبير في الضغط على الحوثيين للالتزام بالقانون الدولي لحقوق الإنسان للكشف عن وضع الأسرى والمختطفين الذين يخفونهم.
* لماذا وافقت الحكومة على إقرار تبادل مختطفين مدنيين بمقاتلين ومن بينهم الصحافيون الأربعة؟
هذه نقطة خلاف كبيرة جداً منذ أول جولة مفاوضات مع الحوثيين. في الحقيقة نحن قبلنا من أجل مصلحة ذوي المختطفين المدنيين، لأن 95 في المائة من إجمالي من نطالب بالإفراج عنهم هم من المدنيين الذين اختُطفوا من منازلهم والطرقات، بينما 99 في المائة ممن يطالب بهم الحوثيين هم مقاتلون، وفي القانون هم متمردون ضد الدولة وتجب معاقبتهم، لكننا قبلنا بالإفراج عنهم.
ماجد فضائل: التعنت وعدم الالتزام والمراوغة من قبل مليشيات الحوثيين المعرقل الأكبر في عدم حصول تقدم في هذا الملف
وافقنا على ذلك تغليباً لمصلحة أهالي المختطفين لدى الحوثيين، وإذا لم نفعل ذلك لن يخرج أحد من سجون الحوثيين وسيبقون لسنين طويلة. مثلاً هناك أربعة صحافيين مختطفين (هم عبد الخالق عمران وأكرم الوليدي وحارث حميد وتوفيق المنصوري) منذ ثماني سنوات وحكم عليهم بالإعدام، ومثلهم الكثير من الأكاديميين والسياسيين والناشطين. هل من المعقول أن نتركهم تحت رحمة المليشيات واحتمال تصفيتهم، كما حصل مع 340 مختطفاً مدنياً تمت تصفيتهم في سجون الحوثيين. فرأينا أن يُبادلوا بالمقاتلين الأسرى لإنقاذهم من الموت.
*هل تتوقع مرونة أكثر في المفاوضات التي ستُعقد في مايو المقبل وفق ما أعلن مكتب المبعوث الأممي؟
أتمنى ذلك، وهذا مرتبط بمدى جدية مليشيات الحوثيين، ونحن مستعدون لإجراء تبادل "الكل مقابل الكل"، وإخراج كل من هم في المعتقلات والسجون. لكن السؤال هل لدى المليشيات الرغبة والإرادة والجدية لتنفيذ ما تبقى من الاتفاق وتوسعته ليشمل "الكل مقابل الكل". هذا سوف يتضح في المفاوضات والمشاورات المتوقع عقدها بعد شهر رمضان، ولكل حادث حديث حينها.
.....
*ماجد فضائل هو وكيل وزارة حقوق الإنسان والشؤون القانونية في الحكومة اليمنية.
*يشغل أيضاً منصب عضو اللجنة الإشرافية لتبادل الأسرى والمختطفين. وهو مفاوض ضمن الوفد الحكومي في ملف الأسرى.
*وسبق أن كان عضو مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي عقد أول جلساته في العاصمة اليمنية صنعاء في 18 مارس/ آذار 2013 واستمرت حتى أواخر يناير/ كانون الثاني 2014. وشارك فضائل في الحوار ضمن فريق الحقوق والحريات، ممثلاً عن مكوّن الشباب المستقل