كانت جولة مفاوضات الأسرى اليمنية في سويسرا، التي اختُتمت يوم الإثنين الماضي، أكثر مرونة من سابقاتها، إذ أُعلن في ختامها عن اتفاق بين الحكومة اليمنية والحوثيين لتبادل 887 من الطرفين، والذي سيتم تنفيذه خلال الأسابيع المقبلة برعاية أممية. وعلى الرغم من أن عدد المفرج عنهم جاء أقل مما كان متوقعاً، إلا أن الاتفاق يُعتبر اختراقاً لافتاً في الأزمة اليمنية التي تشهد حالة من الجمود.
وجاء توقيت المفاوضات عقب متغيرات إقليمية بإعلان استئناف العلاقات السعودية الإيرانية، وبروز مؤشرات على استعداد طهران، التي تملك نفوذاً على الحوثيين، لأداء دور في التهيئة لحل الأزمة اليمنية.
ويطرح الاتفاق حول الأسرى تساؤلات عما إذا كان سيشكل دافعاً لحلحلة الملفات الخلافية الأخرى، وأبرزها فتح الطرقات وقضية الرواتب وصولاً إلى الجلوس على طاولة مفاوضات سياسية. وفي حين يرى مراقبون أن حل الأزمة اليمنية بات بيد اللاعبين الإقليميين والدوليين، فإن الكثير من الشكوك تبقى قائمة بإمكان التوصل إلى اتفاق سياسي شامل، في ظل تعقيدات كثيرة أمامه.
نتائج إيجابية في ملف الأسرى اليمنيين
وأعلنت الأمم المتحدة مساء الاثنين الماضي، أن اجتماع اللجنة الإشرافية لتنفيذ اتفاق تبادل المحتجزين، والذي استمر لعشرة أيام في جنيف، أثمر عن تحقيق نتائج إيجابية، واتفقت الأطراف على خطة تنفيذية للإفراج عن 887 محتجزاً، ومعاودة الاجتماع في منتصف شهر مايو/أيار المقبل، لمناقشة مزيد من عمليات الإفراج، وفق بيان لمكتب المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ.
عقب يوم من إعلان اتفاق الأسرى، بدأ الحوثيون هجوماً واسعاً على مواقع تسيطر عليها القوات الحكومية شرق مأرب
وقال غروندبرغ "علينا أن نتذكر جميعاً أنه لا يزال هناك الكثير الذي يتعيّن القيام به. فمن الضروري وضع نهاية للنزاع بشكل شامل ومستدام إذا أردنا لليمن التعافي من الأثر المدمر الذي ألحقته سنوات النزاع الثماني بحياة رجاله ونسائه". وأضاف: "سأواصل عملي مع الأطراف والدول الأعضاء في المنطقة والمجتمع الدولي لإحراز تقدّم نحو عملية سياسية جامعة بقيادة يمنية تضع الأسس لمستقبل أفضل لليمن".
لكن عقب يوم من إعلان الاتفاق، بدأت جماعة الحوثي هجوماً عسكرياً واسعاً على مواقع تسيطر عليها القوات الحكومية في مديرية حريب شرق محافظة مأرب الغنية بالنفط، والتي تعد منطقة أقرب أيضاً إلى محافظة شبوة (شرق اليمن). وتمكنت الجماعة من السيطرة على جبل "البوّارة" الاستراتيجي، ضمن محاولات مستمرة خلال السنوات الماضية لتحقيق تقدم ميداني للسيطرة على موارد اقتصادية مهمة في البلاد.
ونقلت وكالة "فرانس برس" عن مسؤولَين حكوميَين يمنيَين، لم تسمهما، أن الهجوم أدى إلى مقتل "10 جنود على الأقل، بالإضافة إلى عدد غير معروف من المهاجمين" الحوثيين. وأضافا أن الحوثيين دفعوا في الأيام الأخيرة بتعزيزات إلى جبهات مأرب.
حسابات الحوثيين والحكومة اليمنية
ويُعد ملف الأسرى من ضمن الملفات الموضوعة على طاولة المحادثات السرية بين الحوثيين والسعودية خلال الأشهر الماضية برعاية عُمانية، وسبق أن زار وفد سعودي صنعاء للقاء أسراهم لدى الحوثيين. وبالمثل زار وفد حوثي مدينة أبها السعودية لذات المهمة، في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 2022، بعد فشل تمديد الهدنة التي انتهت مطلع الشهر نفسه.
واعتبر الباحث اليمني عاتق جار الله أن "الاتفاق على الإفراج عن مئات الأسرى إيجابي وله أثر مهم من الناحية الإنسانية، ويبدو أن الحكومة الشرعية كانت أكثر حرصاً لأنها قبلت بالعدد الزهيد من أسراها مقابل نحو أربعة أضعاف من أسرى الحوثيين، على الرغم من أن لدى الحكومة الآلاف من الأسرى".
ورأى جار الله، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "التقارب السعودي الإيراني السعودي انعكس على هذه المفاوضات وسرّع من نجاحها، وربما تكون إحدى خطوات بناء الثقة بين الرياض وطهران". واستدرك "لكن هل ستبني ثقة بين الأطراف اليمنية؟ هذا الأمر مشكوك فيه حتى الآن، لأن الحرب ما زالت إحدى خيارات الأطراف، لاعتبارات تتعلق بالفجوة في الموقف السياسي ورؤية الحوثيين للشراكة السياسية".
ولفت إلى أن "الحوثيين الآن يريدون حجز مساحة سياسية وألا يتم إقحامهم في متطلبات ومقايضة بناء على الاتفاق السعودي الإيراني، وأعتقد أن إيران متفهمة لهذا المطلب، في المقابل لا تستطيع السلطة الشرعية فرض مساحة سياسية يتم المناورة فيها بعيداً عن الموقف السعودي، وهذا خطأ سيؤدي إلى خسارة لهما (السعودية والحكومة اليمنية) على المدى الطويل".
الحل اليمني بيد الخارج؟
من جهته، قال المحلل السياسي خليل العمري إن "ملف الأسرى والمختطفين الإنساني، تحوّل للأسف إلى ورقة للابتزاز السياسي بين الأطراف المختلفة، لكنها لم تعد حالياً مجدية في ظل تفاهمات الكبار (إيران والسعودية)، وكل المؤشرات تسير باتجاه تنفيذ اتفاق الأسرى".
ورأى العمري، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "إذا تم تنفيذ الاتفاق خلال الثلاثة الأسابيع المحددة، فإن الملفات الأخرى والتي من بينها الجلوس على طاولة المفاوضات السياسية، والوصول إلى تفاهمات اقتصادية متعلقة بالرواتب وتوحيد العملة، وفتح الطرقات، ستكون هي الخطوة التالية". وأضاف: "حل الأزمة اليمنية أصبح بيد اللاعبين الإقليميين والدوليين، ولهذا كانت التفاهمات السعودية الإيرانية مؤشراً على انفراط عقدة الأزمة التي ظلت مستعصية على الحل منذ ثماني سنوات".
وخلال الأشهر الماضية شهدت الأزمة اليمنية حراكاً دبلوماسياً في فترات متقطعة، ضمن مسارين، الأول تمثّل بمحادثات ثنائية سرية بين السعودية والحوثيين في مسقط، والآخر قاده المبعوث الأممي إلى اليمن لمحاولة الوصول إلى تسوية سياسية بين الأطراف اليمنية برعاية أممية.
وعلى الرغم من تلك الجهود المكثفة، لم يُعلن عن أي اتفاق حول الملف الأبرز والمتمثل في تمديد الهدنة المنتهية في 2 أكتوبر الماضي، لكنها في الواقع مستمرة على الرغم من مرور ستة أشهر على انتهائها، ويبرز ذلك خصوصاً في توقف كلّي للهجمات العابرة للحدود بين السعودية والحوثيين، على الرغم من أن بعض المعارك في الجبهات الداخلية تندلع بين الحين والآخر بهجمات متبادلة.
ومن أجل تمديد الهدنة بشكل رسمي، يضع الحوثيون عدداً من الشروط، أبرزها دفع رواتب الموظفين في مناطق سيطرتهم من قِبل الحكومة الشرعية، ومطالب أخرى إنسانية، ومن ثم بحث ملف التسوية السياسية للحرب. ويُعد الإفراج عن الأسرى من ضمن الملفات التي يجرى التفاوض حولها.
وفي هذا السياق، قال الباحث السياسي براء شيبان، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "على الرغم من أهمية الإفراج عن الأسرى، لكن لا أستطيع ربطه باتفاق سياسي شامل للأزمة اليمنية، لأن اتفاق الأسرى يمثل مصلحة وحاجة للطرفين، أما الاتفاق السياسي فتدخل فيه تعقيدات كثيرة، وأهمها الجاهزية العسكرية للطرفين".
وأوضح شيبان أن جماعة الحوثي تفسر أي اتفاق لوقف إطلاق النار مع السعودية على أنه اتفاق محصور بالحدود والهجمات الصاروخية على المنشآت السعودية ولا يعني بالضرورة أنه يشمل الأطراف اليمنية الأخرى، وهذه المقاربة لم تتغير حتى الآن.