مع استمرار التصريحات الإيرانية المشيدة بالاتفاق مع السعودية، وآخرها لوزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، برز حديث إيراني أمس عن أن هذا الاتفاق قد يؤدي إلى انفراجة في الأزمة اليمنية، فيما حصلت "العربي الجديد" على معلومات بشأن طبيعة النقاشات التي دارت بين الرياض وطهران حول الملف اليمني، والتي لم تخرج حتى الآن عن إطار الوعود المتبادلة بانتظار التوصل إلى آلية للبناء عليها بعد إطلاع الأطراف اليمنية المعنية، خصوصاً بعد أن بدت متفاجئة بالاتفاق بين طهران والرياض، وجاءت ردود أفعالها المقتضبة مرحّبة على مضض بالتطورات.
وكانت الحكومة اليمنية قد أعربت، في بيان صادر عن وزارة الخارجية أمس الأول، صِيغ بحذر شديد، عن أملها في أن يشكّل الاتفاق "مرحلة جديدة من العلاقات في المنطقة، بدءاً بكفّ إيران عن التدخل في الشؤون اليمنية"، فيما رحّبت "أنصار الله" ضمنياً بالاتفاق. وقال المتحدث الرسمي باسمها محمد عبد السلام إن "المنطقة بحاجة لعودة العلاقات الطبيعية بين دولها، لتسترد بها الأمة الإسلامية أمنها المفقود نتيجة التدخلات الأجنبية".
تلميحات إيرانية بشأن اليمن
وقال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبداللهيان، في مقابلة مع قناة "الخبر" الإيرانية بُثت أمس الأحد، إن المباحثات مع الرياض كانت "معقّدة وصعبة، لكنها أدت إلى النتيجة"، مضيفاً أن الرياض لطالما كانت تؤكد ضرورة إعادة العلاقات إلى وضعها الطبيعي، ولافتاً إلى أن الاتفاق معها لاستئناف العلاقات "ليس ضد أي دولة إسلامية في المنطقة". واعتبر أن هذا الاتفاق يخدم مصالح الشعبين الإيراني والسعودي والأمن والتنمية المستدامة في المنطقة، وأن لملفات، كاليمن وسورية وأفغانستان وأوكرانيا، آليات خاصة بكل منها. وتطرق إلى الملف اليمني قائلاً: "ستقرر الأطراف اليمنية بشأن مستقبل بلادها، لكن إيران دوماً تؤكد أن الحوار هو السبيل الوحيد لحل هذه التحديات والنزاعات الإقليمية". وتابع أن الحرب، سواء في أوكرانيا أو اليمن أو بقية المناطق، "ليست حلاً، وتعقد الظروف أكثر".
لكن التصريح الأوضح بشأن تأثير الاتفاق السعودي الإيراني على الملف اليمني جاء من خلال البعثة الإيرانية الدائمة لدى الأمم المتحدة، التي أعلنت أمس الأحد أن العلاقات بين إيران والسعودية تحظى بالأهمية على المستويات الثلاثة، الثنائي والإقليمي والدولي. وأضافت البعثة، وفق ما أورده التلفزيون الإيراني، أن استئناف العلاقات السياسية مع الرياض "سيكون إيجابياً للمستويات الثلاثة، منها المنطقة والعالم الإسلامي". واعتبرت أن هذه العلاقات "ستسرع عملية التوصل إلى وقف إطلاق النار باليمن وإطلاق الحوارات اليمنية وتشكيل حكومة يمنية شاملة في هذا البلد".
وعود متبادلة بين طهران والرياض
وفي السياق، قالت مصادر على دراية بطبيعة الحوار الإيراني السعودي في بكين، لـ"العربي الجديد"، إن الملف اليمني استحوذ على "أكبر مساحة من النقاش الثنائي" بين الطرفين، مشيرة إلى أنه تم الاتفاق على "تفاهمات اتخذت بالأساس طابع وعود متبادلة". وأضافت أن هذه التفاهمات لم ترتق إلى مستوى اتفاق ثنائي لحل الأزمة اليمنية، و"إنما آليات مرحلية للتحضير لعملية سياسية في البلد". وفي السياق، كشفت المصادر أن الجانبين اتفقا على دفع الوضع قريباً نحو الهدنة لفترة أطول مما كانت عليه سابقاً، بما يخلق أجواء إيجابية ويساعد في إطلاق العملية السياسية من خلال مسار تفاوضي بين الحكومة اليمنية المعترفة بها دولياً و"حكومة صنعاء" غير المعترف بها دولياً. ولفتت إلى أن الجانب الإيراني وعد السعودية، بطلب صيني، بأنه "سيحثّ" الحوثيين على وقف استهداف الأراضي السعودية ومنشآتها، وأنه في المقابل طلب من السعودية إنهاء الحصار على صنعاء. مع العلم أن الهجمات الحوثية على الأراضي السعودية تراجعت منذ العام الماضي، وسُجل آخرها في شهر مارس/ آذار 2022، أي قبل وقت قصير من التوصل إلى الهدنة في 2 إبريل/نيسان 2022، والتي على الرغم من انتهاء تمديدها إلا أنها لا تزال سارية ضمنياً.
وبحسب المصادر نفسها، فإن الجانب السعودي ربط إنهاء الحصار بالكامل بالتوصل إلى "حل نهائي" للأزمة اليمنية، واعداً بأنه سيسعى إلى تخفيفه "بشكل كبير" إذا تم التوصل إلى هدنة طويلة الأمد في المباحثات التي سيتم التحضير لها. وأكدت المصادر أن زيارة نائب وزير الخارجية الإيراني، علي باقري كني، إلى سلطنة عُمان، أمس الأحد، والتي التقى خلالها وزير الخارجية العُماني بدر البوسعيدي ونائبه الشيخ خليفة الحارثي، لها علاقة بـ"التفاهمات" في بكين بشأن الأزمة اليمنية، لمتابعتها مع المسؤولين العُمانيين.
مسار طويل من المحادثات بين الحوثيين والرياض
وتعود آخر التسريبات بشأن محادثات بين الحوثيين والرياض إلى يناير/ كانون الثاني الماضي، عندما نشرت وكالة "أسوشييتد برس" تقريراً نقلت فيه عن مسؤولين يمنيين وسعوديين وآخرين في الأمم المتحدة تأكيدهم إحياء المحادثات بين الرياض والجماعة. وأكد مسؤول في الأمم المتحدة يومها أن السعودية طوّرت خريطة طريق مرحلية للتسوية، أيّدتها الولايات المتحدة والأمم المتحدة، مشيراً إلى أن التحالف الذي تقوده السعودية قدّم بموجبها عدداً من الوعود الرئيسية، بما في ذلك إعادة فتح المطار في صنعاء وتخفيف الحصار عن الحديدة.
في المقابل، طالب الحوثيون بأن يقوم التحالف بدفع رواتب جميع موظفي الدولة، بمن فيهم العسكريون، من عائدات النفط والغاز، بالإضافة إلى فتح كلّ المطارات والموانئ الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وقال مسؤول حوثي مشارك في المداولات إن السعوديين وعدوا بدفع الرواتب. إلا أن دبلوماسياً سعودياً أوضح للوكلة أن دفع الرواتب مشروط بقبول الحوثيين بضمانات أمنية، بما في ذلك إقامة منطقة عازلة مع مناطق يسيطر عليها الحوثيون على طول الحدود اليمنية السعودية.
وأكد الدبلوماسي السعودي أن على الحوثيين أيضاً رفع حصارهم عن تعز، ثالث أكبر مدينة في اليمن، مشيراً إلى أن السعوديين يريدون أيضاً من الحوثيين الالتزام بالانضمام إلى محادثات رسمية مع الأطراف اليمنية الأخرى.
وبحسب معلومات "العربي الجديد" فإن المحادثات توقفت في آخر يناير عندما تقدم الحوثيون بعرض نهائي للرياض من دون أن يصدر أي رد من المملكة، مع العلم أن الجماعة كانت قد وضعت شروطاً عدة، من بينها أن يتم الاتفاق بينها وبين السعودية من دون أي إشراك للحكومة اليمنية. كما أن الجماعة اشترطت أن تتولى الرياض تنفيذ بنود الاتفاق، بما في ذلك ضمان الحصول على جميع الأذونات التي تتيح فتح وجهات السفر الجديدة أمام الطيران من صنعاء أو وصول السفن إلى ميناء الحديدة.
المعوقات لن تكون غائبة
وفي السياق، قال رئيس مركز صنعاء للدراسات ماجد المذحجي، لـ"العربي الجديد"، إن التفاهمات بما تمثله من "إرخاء المناخ الإقليمي الداعم لأطراف الحرب في اليمن ستؤدي إلى خفض التوتر والصراع الموجود فيها"، مشيراً إلى أنه "في الإجمال فإن وتيرة المعركة في اليمن منخفضة منذ فترة طويلة حتى الآن، منذ بداية الهدنة الأولى (2 إبريل/ نيسان 2022)".
ولفت المذحجي إلى أن "هناك مسؤولية الآن على الرياض وطهران الآن لخفض دعمهما للأطراف ذات الصلة معهما، وتشجيعهم على الانخراط بشكل أوسع (في محادثات)، وخصوصاً طهران، التي تملك علاقة وثيقة بالحوثيين وهي الداعم الأساسي لهم بالسلاح، ويمكن أن تقوم بتقييد هذه الإمدادات، ودفع شركائها في صنعاء إلى مزيد من الانخراط في النقاش". وفي حين توقع ألا تواجه الرياض الكثير من المشكلات مع شركائها في اليمن، فإنه شدد على أن عليها أن "تقوم بتطمين (هذه) الأطراف في الداخل، لا إجبارهم على الدخول في المسار التفاوضي". وشدّد على أنه "من دون عملية حوار تشمل الجميع، فإنه يمكن أن ينتهي الوضع بهيكل اتفاق ضعيف، وهناك أكثر من طرف يمكن أن يفسده، ولا ضمانة فيه". وأكد المذحجي أن "هناك معوقات كثيرة، مثل رغبة طرف بالاستيلاء على كل الأطراف"، موضحاً أن "الحوثيين يعتقدون أن المعركة انتهت لصالحهم، وأن الأطراف الأخرى يمكن أن يتم طيّها عبر التفاوض مع السعودية فقط. وأياً تكن طبيعة العلاقات بين السعودية وهذه الأطراف، وهي علاقة تهيمن فيها السعودية على جزء منهم، فإن عدم الأخذ بمخاوفهم سيزيد من تعقيد الوضع" على حد تعبير المذحجي. وتابع: "حتى الشركاء الموجودون مع السعودية يعتقدون أن صفقة تُخرج الرياض من هذا التفاوض الساخن لا تشكل مصلحة لها، وهذا أمر خطير.
وثانياً، فإن الحوار الآن مغلق بين الرياض وطرف يمني واحد (الحوثيين)، وعلى أهمية قوته العسكرية فإنه لا يمثل كل اليمنيين، وبالتالي سننتهي إلى دورة أخرى من البنيان الضعيف، يهيمن فيه طرف بقوة السلاح، بينما الآخرون لديهم وسائلهم المتعددة لتقويض ذلك، وإعادة إنتاج معركة جديدة حتى بالشروط المحلية". واعتبر أن "هناك أكثر من طرف إقليمي لديه مصلحة في غرق السعودية في بحر من الرمال، وما لم تفتح نقاشاً واسعاً مع الطرف المناهض للحوثيين، فإنه لا يمكن أن تضمن بأي شكل من الأشكال صمود أي تسوية في اليمن"، محذراً من أن "أي حرب داخلية في اليمن ستعبر شراراتها الحدود".