أواخر يناير الماضي، عرض برنامج "مكافآت من أجل العدالة" التابع لوزارة الخارجية الأميركية مكافأة تصل إلى (15) مليون دولار، لمن يقدّم معلومات عن الشبكات المالية للحرس الثوري الإيراني التي تقوم بتغذية ميليشيات الحوثي في اليمن.
ووضع حينها البرنامج عبر حسابه على تويتر تساؤلا حول القدرة المالية الكبيرة لإيران والحرس الثوري على شراء كل هذه الأسلحة وشحنها إلى اليمن لتقوية ميليشيا الحوثي واستمرار إرهابها بحق الشعب اليمني ودول الجوار وتهديد الملاحة وخطوط نقل الطاقة في مضيق باب المندب.
التساؤل الذي وضعته الخارجية الأميركية، وجه الأنظار نحو متابعة خيوط وشبكات الحرس الثوري الإيراني الذي يدير من خلالها إمبراطورية اقتصادية لتمويل ميليشياته التي تقود حرباً بالوكالة في عدة بلدان عربية في مقدمتها اليمن.
ولعل تجارة المخدرات، تمثل إحدى أهم الموارد المالية التي استغلها الحرس الإيراني لجني أموال طائلة من العملة الصعبة، بهدف دعم وتقوية أذرعه في اليمن والمنطقة العربية. وما حجم وتصاعد عمليات تهريب المخدرات من إيران إلى اليمن يؤكد حقيقة اعتماد الحرس الإيراني على أموال هذه التجارة لشراء الأسلحة وتقوية القدرات العسكرية للحوثيين.
تجارة رابحة.. عمليات منظمة
مع سيطرة ميليشيا الحوثي على السلطة في اليمن، تصاعد نشاط تهريب المخدرات في اليمن إلى مستويات غير محدودة، بل وأصبحت هذه العمليات تدار عبر شبكات منظمة محلية ودولية بهدف إغراق اليمن ودول الجوار بهذه الآفة الخطيرة وبمساعدة شبكات المافيا التابعة للحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني الموالي لإيران.
في العام 2016 بدأت الميليشيات الحوثية وتحت إشراف ضباط من الحرس الثوري وحزب الله، على توحيد شبكة مهربي المخدرات في اليمن، فعملت على إطلاق سراح الكثيرين من التجار البارزين الذين كانوا حينها في سجون صنعاء وحجة وصعدة. وبدأت الميليشيات بإخضاع المهربين لسلطتها، وقامت الميليشيا الحوثية بتأهيل تجّار ومهربين جدد من أتباعها بالتعاون مع مافيا الحرس الثوري وحزب الله، لتغطية خططها لمضاعفة الإيرادات عبر إنعاش تجارة المخدرات.
وأفادت معلومات أمنية ووثائق رسمية بضبط أجهزة الأمن اليمنية والقوات البحرية المشتركة نحو 78 شحنة مخدرات أثناء تهريبها إلى اليمن خلال الفترة بين سبتمبر 2016 وأبريل 2022. ووفقاً للمعلومات، فقد ضبطت جميعها داخل الأراضي اليمنية عدا 12 شحنة ضبطت قبالة سواحل اليمن منذ يوليو 2020، وكانت إما ضمن شحنات أسلحة أو مستقلّة محمولة على قوارب أو سفن تهريب.
وضبط خلال العام المنصرم نحو 5 أطنان من المخدرات وجرى إتلافها بمشاركة الأجهزة المختصة. ومما تم ضبطه أكثر من 6 آلاف حبة كبتاغون، و330 كوكايين، ونحو 530 حبوب كريستال، ونحو 116 كلغ من الهروين.
وقال قائد الأسطول الأمريكي الخامس الجنرال براد كوبر: إنّ البحرية الأمريكية أحبطت في عامين عمليات تهريب مخدرات تفوق قيمتها مليار دولار، وهو مبلغ كبير جداً، وإذا كان هذا سعر المخدرات المضبوطة والمصادرة؛ فإنّ حجم هذه العمليات يبدو مهولاً، ويحقق للحرس الثوري الإيراني وميليشياته عائدات ضخمة تكفيها للاستمرار في حروبها زمناً طويلاً.
تهريب منظم
خلال السنوات الماضية تمكنت القوات البحرية المشتركة -هي أكبر شراكة بحرية دولية في العالم تتألف من 38 دولة عضو وشريك_ من اعتراض ومصادرة عدد من السفن التي تحمل مواد مخدرة وأسلحة في خليج عمان وفي بحر العرب وهو طريق شهير يستخدم لتهريب الدعم الإيراني من إيران لميليشيا الحوثي في اليمن.
في الـ25 من فبراير الماضي، تمكنت البحرية الأمريكية العاملة بالمياه الدولية في بحر العرب من مصادرة شحنة مخدرات جديدة تقدر قيمتها بنحو 20 مليون دولار أمريكي كانت قادمة من إيران وفي طريقها إلى السواحل اليمنية. السفينة كان على متنها أربعة بحارة، وبداخلها (1350 كيلوغراما) من الحشيش، و276 كيلوغراما من الميثامفيتامين و 23 كيلوغراما من حبوب الأمفيتامين عند اعتراض السفينة.
بحسب التقارير فإن قيمة شحنات التهريب التي جرى اعتراضها من قبل القوات البحرية المشتركة يصل إلى أكثر من مليار دولار وهو رقم كبير يكشف حجم عمليات التهريب المتواصلة التي تقودها شبكات إيرانية من أجل دعم الميليشيات الحوثية في اليمن.
المعلومات الأمنية في اليمن تؤكد أن المخدرات تأتي من إيران ولبنان ومن أميركا الجنوبية وباكستان وأفغانستان، وتقوم بشرائها والإشراف على تهريبها المافيا الإيرانية التي تقوم بإيصالها عبر خطوط التهريب البحرية إلى اليمن وتسليمها للميليشيا الحوثية التي تتولى تهريبها في نطاق اليمن وأيضا صوب دول مجاورة.
وأكدت المصادر أن القيادات الحوثية مرتبطة بالمافيا الإيرانية ومافيا حزب الله، والتي تنشط منذ سنوات طويلة في تهريب وتجارة المخدّرات والآثار في مختلف دول العالم.
تقرير أممي يكشف الحقيقة
وذكر تقرير الخبراء، أن الفريق "رصد حالات تهريب المخدرات والمؤثرات العقلية وغيرها من الأصناف من قبيل المعادن النفيسة، والأوراق النقدية للتأكد من استخدام القيادات الحوثية المدرجة في قائمة الجزاءات المشاركة بصورة مباشرة أو غير مباشرة في توليد الأموال لاستخدامها المحتمل في الجهود الحربية.
وتلقى الفريق معلومات عن عدد متزايد من حوادث تهريب المخدرات والاتجار بها في اليمن، ومصادرة السلطات لبعض الشحنات، فضلا عن تقارير أثبتت تورط الحوثيين بعمليات تهريب متعددة في: علب، الخضراء، الوديعة، الطوال وميناء جيزان، هذا بالنسبة للحدود البرية فيما يتعلق مع السعودية بمفردها.
وذكر التقرير أن عدة تقارير أوردت عمليات اعتراض منتظمة لمراكب شراعية تحمل شحنات من المخدرات، لم تقم أي دولة عضو بالتحقيق فيها بسبب عدم وجود ولاية قانونية واضحة، مشيرا إلى أن ثمة حاجة إلى أن تنظر الدول الأعضاء في اعتماد صكوك قانونية مناسبة تسمح بإجراء التحقيق حسب الأصول في حالات تهريب المخدرات التي اكتشفتها القوات البحرية، وقوات خفر السواحل في المياه الإقليمية حتى يتسنى أن تقدم السلطات المختصة الجناة إلى العدالة.
حقائق صادمة
تقرير حقوقي صادر مؤخرا عن الشبكة اليمنية للحقوق والحريات، كشف أن تجارة المخدرات في اليمن يرتبط ارتباطا وثيقاً مع ميليشيات الحوثي التي حولت اليمن إلى سوق كبيرة للتجارة بهذه الممنوعات القادمة من إيران. موضحا أن تجارة المخدرات الإيرانية هدفها تمويل عملياتها العسكرية والإرهابية ضد الشعب اليمني ودول الجوار.
بحسب المنظمة أنها تحصلت على معلومات من مصادر مختلفة، تؤكد أنّ تهريب المخدرات والاتجار بها مرتبط ارتباطاً وثيقاً بميليشيات الحوثي الانقلابية، وأوضحت ضلوع قيادات في جماعة الحوثي في تهريب المخدرات بأنواعها والمتاجرة بها وتسهيل المرور لها بكميات كبيرة، وأكدت أنّ إيران هي البؤرة الأساسية ومستنقع تهريب المخدرات الأساسي للميليشيات الحوثية الإرهابية.
وأضاف التقرير: "يعتمد الحوثيون اعتماداً كبيراً على تهريب المخدرات من خلال العائدات المهولة التي يجنونها من وراء الاتجار بها، وأن تقديرات اقتصادية أشارت إلى أنّ حجم الأموال المتدفقة في خزائن الانقلابيين من المخدرات قد بلغت (6) مليارات دولار سنوياً".
وأشار إلى أنّ "ضباطاً في الحرس الثوري الإيراني تعاونوا مع تجار المخدرات في كولومبيا لإنتاج كارتيلات ومراكب غاطسة لتهريب الأسلحة ومكونات الصواريخ والمخدرات إلى الحوثيين".
وأضاف: "يتواجد فريق يعمل بشكل خفي برئاسة محمد الحوثي وأبو علي الحاكم وشقيق زعيم الميليشيات عبد الكريم الحوثي وفارس مناع وقيادات أخرى".
وأكدت الشبكة الحقوقية "تورط قيادات حوثية بارزة في شبكات الاتجار بالمخدرات والاعتماد عليها كمصدر مهم لتمويل ما تسميه المجهود الحربي، واستدراج واستقطاب الآلاف من الشباب للانخراط في صفوفها، والزج بهم في معاركها العبثية".
وأوضحت أنّها تحصلت على معلومات خاصة تفيد بوجود (39) مستودعاً في صنعاء وحدها يستخدمها تجار حوثيون في إخفاء أنواع متعددة من المخدرات التي يتم استيرادها من إيران، حيث يتم تهريبها عبر ميناءي الحديدة والصليف ومرافئ صيد في شمالي الحديدة، وهذه الشحنات تابعة لشبكات منظمة تشرف عليها قيادات حوثية عليا.
اليمن محطة تهريب
الكثير من التقارير والمعلومات الأمنية كشفت أن شحنات المخدرات التي تنقلها السفن الإيرانية إلى ميليشيات الحوثي، يتم تفريغها إما في السواحل الغربية لليمن وعبر موانئ الحديدة الخاضعة لسيطرة الميليشيات، أو عبر محافظة المهرة المحاذية لسلطنة عُمان، وهذه أكدت حجم عمليات التهريب التي تم ضبطها في بحر العرب قبالة سواحل المهرة.
لم تكتف الميليشيات بإغراق اليمن بهذه المخدرات والممنوعات، بل كان الهدف أكبر منه، وهو استخدام اليمن كمحطة لتهريب المخدرات وتصديرها نحو السعودية ودول أخرى. وتُعتبر محافظات: صعدة والجوف وحجة خطوط تهريب رئيسية تشرف عليها الميليشيات لإيصال المخدرات لدول الخليج.
بحسب تقرير الشبكة اليمنية للحقوق والحريات فإنّ ميليشيات الحوثي ومن خلفها إيران عمدت على إبقاء مساحات شاسعة على الحدود بين اليمن والسعودية كممرات آمنة لتهريب المخدرات إلى المملكة والخليج. وأشار التقرير إلى أنّ الحدود اليمنية حالياً بالنسبة إلى السعودية تُعتبر من أخطر المصادر إن لم تكن هي الأخطر، لتمويل هذه الآفة، وما زالت تتدفق أنواع المخدرات نحو المملكة بشكل مهول، وطبقاً لمصادر أمنية فإنّ ما يتم ضبطه لا يُذكر مقارنة بالكميات التي تتدفق يومياً عبر الحدود اليمنية السعودية