في ظل المحادثات المستمرة بوساطة عمانية من أجل التوصل لاتفاق جديد للهدنة في اليمن، والتفاوض لإنهاء الحرب المستمرة للعام الثامن، برزت في الأيام الأخيرة مؤشرات على تسهيلات تقدّمها السعودية لتيسير هذه المحادثات، لا سيما بعد تهديد الحوثيين بالتصعيد وحديثهم عن عوائق أمام مفاوضات مسقط.
وأعلن الحوثيون أنهم يعتزمون تشغيل مطار مدينة الحديدة (غرب اليمن)، خلال الأيام المقبلة، في خطوة تؤشر لتحقيق تقدّم في مشاورات مسقط. وجاء ذلك بعدما كان زعيم جماعة الحوثيين، عبد الملك الحوثي، قد اعتبر في كلمة له الخميس الماضي، أن "تحالف العدوان يسعى للمماطلة تجاه الاستحقاقات والالتزامات التي لا بد منها، خلال هذه المرحلة الراهنة التي فيها حوار بوساطة عمانية". واتهم الولايات المتحدة بمحاولة عرقلة الجهود العمانية.
من جهته، قال وزير الدفاع في حكومة الحوثيين في صنعاء (غير المعترف بها) محمد العاطفي أخيراً أيضاً: "إذا لم يجنحوا للسلام العادل سيسمع العالم مدى استهدافنا للمنشآت الحيوية والاستراتيجية التي رصدناها في عمق دول العدوان (السعودية والإمارات)".
استعدادات لتشغيل مطار الحديدة
لكن مقابل هذا التصعيد، برز إعلان الجماعة قبل نحو أسبوع بدء عمليات رفع المخلّفات استعداداً لصيانة مطار الحديدة الدولي، الذي تعرّض لغارات جوية خلال السنوات الماضية، وكان مسرح جبهة عسكرية دارت فيه معارك عنيفة بين القوات الحكومية والحوثيين في العام 2018، في عملية عسكرية واسعة كان هدفها السيطرة على المدينة الاستراتيجية.
ودشن وزير النقل في حكومة صنعاء عبد الوهاب الدرة، ومحافظ الحديدة محمد قحيم، "العمل في صيانة مطار الحديدة الدولي"، وذلك في 21 فبراير/شباط الماضي، وفق ما ذكرت وسائل إعلام موالية للحوثيين. وزار وفد حوثي مع رئيس بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة (أونمها) الجنرال مايكل بيري، المطار للإطلاع على الأضرار التي تعرض لها المطار جراء القصف الجوي، إذ تتبنّى البعثة هذا الملف في إعادة تشغيل المطار، وفق ما نقلت وسائل إعلام الحوثيين.
وقالت البعثة الأممية لـ"العربي الجديد"، إن "زيارة مطار الحديدة جاءت بناء على دعوة من أعضاء لجنة تنسيق إعادة الانتشار الذين يمثلون السلطات في صنعاء بعد اجتماع اللجنة في 21 فبراير".
من جهته، قال الدرة خلال الزيارة إن "مطار الحديدة يخدم المحافظات ذات الكثافة السكانية بطاقة استيعابية تقدر بنحو 800 ألف مسافر سنوياً، إلى عدة وجهات دولية للعلاج والتجارة وغيرها". وأكد المسؤول الحوثي "أهمية قيام الأمم المتحدة بدور مسؤول في إعادة تأهيل المطار وإصلاح الأضرار التي تعرضت لها مرافقه وخدماته بما فيها صالات استقبال المسافرين والبرج ومدرجا الهبوط والإقلاع، وإعادة تشغيله لاستقبال كافة الرحلات"، وفق ما نقلت وكالة "سبأ" في نسختها التابعة للحوثيين.
وسيؤثر تشغيل مطار الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون، على مطار المخا (يبعد عن الحديدة نحو 170 كيلومتراً) الذي أنشئ حديثاً بدعم من الإمارات، لصالح القوات الحكومية التابعة لعضو مجلس الرئاسة اليمني طارق صالح، وتم تدشينه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، بهبوط طائرة لمنظمة أطباء بلا حدود.
وتوقف مطار الحديدة عن العمل منذ اندلاع الحرب في اليمن، ويعد مطار الشحن الأكبر في اليمن، إذ يقع بالقرب من أهم الموانئ اليمنية التي تصل عبرها السلع الأساسية والمشتقات النفطية للمحافظات التي تسيطر عليها جماعة الحوثي التي تعد الأكثر كثافة سكانية.
وتجري الأمم المتحدة نشاطاً لافتاً في مدينة الحديدة، إذ عقدت مديرة مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن روكسانه بازرجان، الأحد الماضي، لقاء مع مسؤولين حوثيين في ميناء الحديدة، بالتزامن مع وصول سفن تحمل بضائع تجارية لأول مرة إلى الميناء منذ العام 2016.
من جهتها، قالت البعثة الأممية في الحديدة، في بيان مقتضب نشرته على حسابها في "تويتر" في 18 فبراير الماضي، إنها أجرت في فبراير "زيارات إلى مديريات محافظة الحديدة الواقعة على جانبي خط المواجهة (بين الحوثيين والقوات الحكومية) بُغية رصد وتقييم الوضع والاستماع إلى الناس والمجتمعات على الأرض، الأكثر تأثراً بالصراع".
وتعمل البعثة الأممية منذ العام 2019 لدعم اتفاق الحديدة، المنبثق عن اتفاق استوكهولم الذي وُقّع بين الحكومة اليمنية والحوثيين في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2018، والذي منع سيطرة القوات الحكومية على الحديدة. وتسعى البعثة لتثبيت وقف إطلاق ومراقبة الخروقات بين الطرفين، وتأمين ميناءي الحديدة والصليف غربي اليمن.
انفراجة في ميناء الحديدة
ويُعدّ العمل لإعادة تشغيل مطار الحديدة، امتداداً للتسهيلات التي جرت عبر تسهيل دخول سفن البضائع والمشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة، وذلك في سياق المحادثات الثنائية بين الحوثيين والسعودية في مسقط لبناء الثقة بين الطرفين. ومن ضمن شروط الحوثيين لتمديد الهدنة أو التوصل لاتفاق سياسي، إنهاء الحصار بشكل كامل عن المطارات والموانئ في المناطق التي يسيطرون عليها.
وبرزت في الفترة الأخيرة معطيات عن سعي سعودي للتوصل إلى اتفاق مع الحوثيين. وذكرت مجلة "إيكونوميست" البريطانية، في تقرير لها الخميس الماضي، أن السعوديين يتفاوضون على صفقة تسمح لهم بالانسحاب من اليمن. وأضافت أنه يمكن توقيع هذه الصفقة في الأشهر المقبلة، وربما في مدينة مكة خلال شهر رمضان، الذي يبدأ أواخر مارس/آذار الحالي.
من جهته، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن "اليمن الآن لديه أفضل فرصة سياسية لإنهاء الحرب، ووقف المعاناة التي تطارد اليمنيين". وأشار في كلمته أمام مؤتمر المانحين بشأن اليمن في 27 فبراير الماضي، "إن واشنطن مستمرة في الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب في اليمن، ولا تدخر الجهود لوقف الحرب".
وفي ظل هذه الأجواء، أعلنت جماعة الحوثي، السبت الماضي، انفراجة بدخول مختلف أنواع السفن التجارية إلى موانئ محافظة الحديدة. وقال عبد الوهاب الدرة في مؤتمر صحافي من الحديدة إن "السفن الآتية بدأت تتجه مباشرة من ميناء جيبوتي إلى ميناء الحديدة بعد التفتيش مباشرة بدون أي تأخير". ولفت إلى أن "موانئ الحديدة، والصليف، ورأس عيسى (في محافظة الحديدة) باتت تستقبل كافة أنواع السفن المحمّلة بالمواد الغذائية والمشتقات النفطية والحاويات".
وكانت الآلية المعروفة بآلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش، هي المفروضة منذ سنوات للسماح بدخول السفن إلى ميناء الحديدة، وكانت تمنح الموافقة على السفن التي تحمل السلع الغذائية والمشتقات النفطية فقط، وتستمر وقتاً طويلاً للتفتيش.
وأفادت آلية الأمم المتحدة لتفتيش السفن (UNVIM) بأن متوسط الوقت الذي أمضته سفن الوقود للتفتيش، خلال شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، انخفض إلى 4 أيام، في حين كانت المدة تزيد على 45 يوماً في المتوسط خلال الشهر ذاته من العام الماضي.
وذكرت الآلية، في تقريرها الشهري نهاية يناير الماضي، أن "سفن الغذاء أمضت خلال شهر يناير ما معدله يوم واحد في منطقة تفتيش التحالف، وأكثر من يوم في المرسى و5 أيام في رصيف التفريغ بميناء الحديدة، مقارنة بمتوسط نحو 10 أيام في الفترة نفسها من العام الماضي".
وبالتزامن مع التسهيلات إلى ميناء الحديدة، بدأ الحوثيون توجيه شركات الملاحة لتحويل مسارها إلى الحديدة، بدلاً من ميناء عدن، بعد رفع الحكومة اليمنية سعر الدولار الجمركي مطلع يناير الماضي، وسلاسة الإجراءات التي أتيحت أخيراً.
وقال الصحافي اليمني بسيم الجناني، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "لم تصل أي باخرة حاويات حتى الآن، وما تزال هناك ضغوط وتهديدات للشركات الملاحية من قبل الحكومة اليمنية في عدن". ولفت من جانب آخر إلى أن "الحوثيين منعوا وصول البضائع عبر المنافذ البرية، ووجّهوا خطابات للشركات الملاحية بتحويل السفن إلى ميناء الحديدة، وأنهم لن يقبلوا أي بضاعة تصل عبر البر إلى مناطق سيطرتهم".
وأضاف الجناني: "ما وصل إلى ميناء الحديدة خلال الأيام الماضية بضائع كان محظورا استيرادها، مثل الحديد والإسمنت والخشب، التي كان عليها حظر من قبل، وهذه هي التسهيلات التي بدأ الحوثيون يتحدثون عن انفراجة فيها". وتوقع أنه "في الأيام المقبلة ربما تصل سفن تحمل بضائع، وحينها ستكون هناك انفراجة كاملة للميناء". وبالنسبة للمطار، قال إنه "لم يبدأ العمل فعلياً وإنما كانت زيارة من قيادات الحوثي وإعلانها عن بدء إعادة تأهيل فقط".