على الرغم من كونها، أكثر ما يجسد الكارثة الإنسانية الذي يعيشها اليمن منذ سنوات، ودفع الأمم المتحدة لتصنيفه لأعوام متتالية، كبلد يعيش أكبر أزمة إنسانية، إلا أن قضية مرتبات الموظفين، ظلت بعيدة عن الحلول، وجعلت منها مادة اتهامات متبادلة بين الحكومة وجماعة (الحوثيين)، حيث يحملون الأخيرة المسؤولية عن الأزمة، بسبب قرارها بنقل البنك المركزي اليمني إلى عدن، فيما تقول الحكومة إن من يرفض دفع المرتبات هم الحوثيون الذين امتنعوا عن تسليم الواردات في مناطق سيطرتهم، بما في ذلك، عائدات الضرائب والجمارك والمشتقات النفطية، إلى المصرف المركزي، بما جعله عاجزاً عن دفع المرتبات في كافة أنحاء البلاد.
ومنذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عادت قضية المرتبات إلى الواجهة، عندما منع الحوثيون تصدير النفط من مناطق سيطرة الحكومة وسط وشرقي البلاد، وهددوا باستهداف السفن، ما لم يحصلوا على عائدات من شأنها دفع المرتبات، ومؤخراً نشط حراك ديبلوماسي بين كل من العاصمة العُمانية مسقط (الوسيط مع أنصار الله الحوثيين)، وبين العاصمة السعودية الرياض التي تقود التحالف الداعم للحكومة المعترف بها دولياً، وعقد المبعوث الدولي إلى اليمن هانس غروندبرغ جملة من اللقاءات، تحدث على ضوئها عن وجود خيارات لحلول بشان القضايا العالقة، على وقع تسريبات وتكهنات تشير إلى أن دفع المرتبات ضمن مقترحات يجري بلورتها، دون أن تتضح ملامحها أو تحقق تقدماً كافياً للآمال بعد.
تضرر معظم فئات المجتمع
ويقول لـ DW عربية، الخبير الاقتصادي اليمني عدنان الصنوي إن "معظم فئات المجتمع متضررة من انقطاع الرواتب عن القوى العاملة في القطاع الحكومي، حيث اتجه معظمهم للبحث عن اعمال ووظائف لدى القطاع الخاص"، وهو ما انعكس بدوره على الشباب الخريج بالألاف من الجامعات والمعاهد والذين دخلوا في خانة العاطلين عن العمل، فأضافوا بذلك تكلفة اقتصادية واجتماعية بل وانسانية، مع اتجاه الكثير نحو الهجرة خارج البلاد والمحفوفة بالمخاطر والنزوح الداخلي بحثاً عن اعمال توفر لهم ولعائلاتهم ما يسد رمقهم.
جوهر المفاوضات الجارية
وبشأن الحديث الجاري عن اتفاق أو جهود للوصول إليه، يشدد الصنوي على أهمية إبقاء "الأمل، فهو زادنا للبقاء على قيد الحياة"، ويرى أن المفاوضات للتوصل الى حل، من واقع تغيرات المنطقة، بات خيار الجميع "فثمان سنوات من الصراع لم تمكن احد من السيطرة ولم تحقق الا المزيد والمزيد من الالم والجراح".
ويضيف أنه "في حال تم التوصل لاتفاق فأكيد ستكون اول البنود المطروحة انتظام صرف المرتبات لأن هذا الموضوع هو النقطة الحساسة في جوهر المفاوضات الجارية". على أن عودة صرف المرتبات سيمثل شريان حياة، يساعد معظم الاسر على استعادة قدرتها الشرائية ولو بالتدريج، ما سيعمل "على عودة النشاط التجاري الى زخمه والذي بدوره يعزز عودة الكثير من المشاريع خصوصاً الصغيرة والمتوسطة والتي تضررت بشكل كبير جراء انقطاع المرتبات".
قضية إنسانية بالدرجة الأولى
على ذات الصعيد، يذهب رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي مصطفى نصر إلى أن دفع مرتبات الموظفين بأقرب وقت ممكن، إلى جانب كثير من القضايا الإنسانية كفتح الطرق والمطارات والموانئ"، مسألة إنسانية بالدرجة الأولى ويفترض أن تُعامل بعيداً عن أي تسييس".
ويشدد نصر في حديثه لـDW عربية، على أهمية أن يكون هناك تهيئة لهذه العملية تتمثل بتوحيد العملة ووضع سياسة نقدية موحدة، وبالتالي "تسليم هذه المرتبات لكافة الموظفين العاملين في إطار الوظيفة العامة بالتساوي ما يضمن العدالة في توزيعها"، وبذلك فإن "هذه الخطوة فعلا تكون واحدة من الخطوات المهمة والرئيسية في بناء السلام أو استعادة مسار السلام في اليمن والبدء بحل المشكلات التي هي اعقد من موضوع تسليم المرتبات وغيرها من الملفات الانسانية".