تتجه الحكومة اليمنية نحو مرحلة جديدة من التعامل مع جماعة الحوثيين، بناء على القرار الأخير الصادر عن مجلس الدفاع الوطني اليمني (أعلى سلطة دفاعية وأمنية في اليمن، ويرأسه رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي) في 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي والقاضي بتصنيفها جماعة إرهابية.
ويعيش اليمن منذ 2 أكتوبر الماضي هدنة غير معلنة، وسط استمرار التحرك الأممي والأميركي لتمديد الهدنة رسمياً (دخلت حيّز التنفيذ للمرة الأولى في 2 إبريل/ نيسان الماضي)، رغم المعوقات التي تفرضها الجماعة، بإصرارها على تلبية عدد من شروطها. وتتعلق هذه الشروط تحديداً بدفع رواتب الموظفين في مناطق سيطرة الحوثيين، بما في ذلك العسكريون، من عائدات صادرات النفط اليمني في مناطق الحكومة المعترف بها دولياً.
إجراءات جديدة للحكومة اليمنية واجتمعت الحكومة اليمنية، الخميس الماضي، معلنة اتخاذ "عدد من الإجراءات والبرامج التنفيذية الخاصة بإعادة بناء الخطط الوزارية للتعامل مع المتغيرات الجديدة في ضوء قرار مجلس الدفاع الوطني بتصنيف مليشيات الحوثي الانقلابية جماعة إرهابية".
ووفقاً لما نشرته وكالة الأنباء اليمنية "سبأ"، بنسختها التي تديرها الحكومة، تتضمن الإجراءات والبرامج التنفيذية الجديدة "إعادة بناء الخطط الوزارية، بما يلبي احتياجات المرحلة واستحقاقاتها السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والإنسانية، وفقاً للتطورات الأخيرة، مع مراعاة الاستمرار في تنفيذ مسار الإصلاحات وتحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين".
وأكدت الحكومة أن "الإجراءات تأتي بناء على توجيهات قيادة المجلس الرئاسي، وتضمن عدم تأثير قرار تصنيف مليشيا الحوثي جماعة إرهابية على النشاط التجاري والقطاع الخاص الوطني وسلاسة تدفق السلع الغذائية، بما يحافظ على معيشة وحياة المواطنين في مناطق سيطرة المليشيات الحوثية".
وقبلها بيوم، كان رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي قد دعا في كلمته خلال القمة العربية (عُقدت في الجزائر) إلى "تصنيف عربي كامل لمليشيات الحوثي الانقلابية كمنظمة إرهابية". وتطرق العليمي إلى مخاوف المجتمع الإقليمي والدولي من تداعيات التصنيف، مشيراً إلى أن "التحول في استراتيجية تعامل مجلس القيادة الرئاسي والحكومة الشرعية مع هذه الجماعة الإرهابية يراعي كافة الشواغل، وفق آليات مدروسة تأخذ بعين الاعتبار الحقائق والواقع الاقتصادي والاجتماعي والإنساني".
وحول طبيعة الإجراءات التي يمكن اتخاذها من قبل الحكومة قال مصدر في الحكومة اليمنية رفض الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "الإجراءات الاقتصادية يُرجح أن تشمل استهداف شركات تابعة للحوثيين تستخدمها المليشيات كغطاء لبناء مركزها الاقتصادي وتمويل العمليات الإرهابية ضد الشعب اليمني ودول الجوار إلى جانب الممرات الدولية، فضلاً عن تهديد الأمن القومي لليمن وثرواته".
ولفت المصدر إلى أن "هناك وزارات بدأت فعلياً تنفيذ هذه الإجراءات والقرارات من أجل تجفيف منابع الحوثيين، بما في ذلك قطع الإيرادات المالية التابعة للعديد من المؤسسات الحكومية الإيرادية كالاتصالات وغيرها، إلى جانب نقل ما تبقى من هيئات حكومية ما زالت مكاتبها الرئيسية في صنعاء".
من جهته، قال مصدر عسكري في وزارة الدفاع اليمنية، لـ"العربي الجديد"، إن "الأفراد والجماعات والكيانات الحوثية أو المرتبطة بالحوثيين، سيخضعون للتعامل وفقاً للأنظمة المعمول فيها يمنياً وعالمياً في ما يخص الجماعات الإرهابية وملاحقة هذه الكيانات والأفراد داخلياً وخارجياً، وبالتنسيق مع التحالف العربي ودول الجامعة العربية، إضافة إلى الجهات الدولية". وأشار إلى أنه "سيكون جميع هؤلاء تحت المجهر والاستهداف وفقاً لذلك".
ولفت المصدر إلى أن "كل الخيارات الأمنية والعسكرية متاحة لإنهاء انقلاب مليشيات الحوثي ووقف أعمالها العدوانية، ووفق ما تراه قيادة الشرعية ممثلة بمجلس القيادة الرئاسي ومجلس الدفاع الوطني إلى التحالف العربي، ووقف تهديداتها للسلامة الوطنية والمنشآت الاقتصادية اليمنية وتهديد أمن الملاحة الدولية، إلى جانب تهديدها للأمن الإقليمي لدول الجوار".
وبحسب المصدر العسكري نفسه، فإن "جميع الموانئ اليمنية ستخضع لإجراءات جديدة، سواء في مناطق الشرعية أو الموانئ الواقعة تحت سيطرة الحوثيين". والأخيرة ستخضع، بحسب شرحه، لإجراءات رقابية جديدة بالتنسيق مع أطراف محلية وإقليمية ودولية. كما ستخضع كل الواردات في هذه الموانئ لمزيد من التدقيق والتفتيش، وقد تمنع بعض الأصناف التي تستخدمها المليشيات لأعمال عسكرية وعدائية"، بحسب ما أوضح.
حماية تصدير النفط من جهته، قال مصدر في وزارة النفط اليمنية لـ"العربي الجديد" إن "هناك خلية من الوزارة تشكلت بعد توجيهات مجلس القيادة الرئاسي، وبناء على توجيهات مجلس الوزراء، وبدأت عملها منذ فترة بهدف تأمين المنشآت النفطية وتصدير النفط عقب الهجمات الحوثية على موانئ الضبة في حضرموت والنشيمة في شبوة وحقول النفط (في أكتوبر الماضي)".
ورفض المصدر كشف الخطوات التي تم اتخاذها لتحقيق ذلك، مكتفياً بالقول إن "الخطوات ذات تأثير كبير على المستوى القريب والبعيد، وهي فعّالة، وبالتنسيق مع أكثر من طرف، لاستمرار تصدير الوقود وبنفس الوقت لحماية المنشآت النفطية وموانئ تصدير الوقود، إلى جانب إجراءات تستهدف الحوثيين في هذا الشأن".
عبيد: تشدّد واشنطن ضد موسكو وبكين وطهران شجّع الحكومة
أركان اللواء الثالث مشاة، العقيد عبد السلام الحدي، قال لـ"العربي الجديد"، إن "هذه الخطوات جاءت متأخرة ونحن كقيادات ميدانية رفعنا إلى القيادة العليا خطورة مهادنة المليشيات لأن ما تقوم به إرهاب". وأضاف الحدي: "لكن إذا ما طبقت الدولة قرارات أكثر حزماً، لا سيما في ما يخص الإيرادات ووقف عمليات التهريب من خلال تشديد الإجراءات في الحدود اليمنية البرّية والبحرية، إلى جانب وقف جميع الإيرادات التي لا تزال تورد إلى صنعاء، مع اتخاذ خطوات على الأرض، قد يُعجّل كل ذلك من إنهاء الانقلاب والحرب وبدء السلام والاستقرار". ودعا العقيد اليمني إلى اتخاذ قرارات "أكثر حزماً وفاعلية وعدم التهاون مع كل من يتعاون أو يساعد هذه المليشيات"، فيما استبعد الإجراء العسكري المباشر في هذه المرحلة.
مفارقات التصنيف المتأخر وتعليقاً على قرارات الحكومة اليمنية بتصنيف الحوثيين، رأى الباحث السياسي صدام عبيد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الحكومة "في بداية الأمر لم تصنف الحوثيين كجماعة إرهابية رغم مناقشة هذا الخيار في مجلس النواب". لكن اللافت برأيه أنه "عندما أعلنت الولايات المتحدة تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية (في آخر يوم من ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب في يناير/ كانون الثاني 2021) كان ردّ الحكومة اليمنية بالترحيب الكبير". واعتبر أن "هذا الأمر كان من المفارقات المضحكة المبكية للأسف". ولفت عبيد إلى أن "الهدف الأساسي من عدم تصنيف الحوثيين في البداية كان فتح قنوات تواصل لحلّ سياسي مستقبلاً". وأوضح أن هذه القنوات "كان يصعب على الحكومة اليمنية فتحها إذا ما صنّفت الحوثيين جماعة إرهابية".
وبرأي الباحث السياسي، فإن التحول الذي حدث بتصنيف الحكومة اليمنية للجماعة "قد يكون الدافع الأساسي وراءه التوجه الدولي الغربي ضد روسيا والصين وإيران، وهذا التصنيف يعني أن الحكومة تستطيع الاستعانة بالولايات المتحدة في ضرب الحوثيين بحكم الاتفاقيات الأمنية بين اليمن والولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب".
واعتبر عبيد أنه "حالياً لن تضرب الولايات المتحدة الحوثيين مباشرة، لكن هذا الخيار سيظل ورقة (يمكن استخدامها) خصوصاً أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أوقفت (في فبراير/ شباط 2021) تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية ولم تلغ القرار تماماً". مع العلم أن القرار الأميركي الذي أعلنه يومها وزير الخارجية أنتوني بلينكن تمّ ربطه بـ"الاعتراف بالوضع الإنساني المريع في اليمن". وأشار بلينكن حينها إلى أن "الولايات المتحدة تراقب أنشطة الحوثيين، وتعكف على تحديد أهداف جديدة للعقوبات، لا سيما على المسؤولين عن هجمات على الملاحة التجارية في البحر الأحمر وعن الهجمات الصاروخية على السعودية". ولفت عبيد إلى أن هذه الورقة ستكون "بيد الولايات المتحدة في حال تعرضت الملاحة الدولية أو سفن الولايات المتحدة أو حلفائها في باب المندب أو في خليج عدن لأي ضربات من الحوثيين، حيث سيتم الرد عليها من منطلق مكافحة الإرهاب".
وتوقف الباحث عند التطورات الدولية، وتحديداً المواقف من روسيا والصين وخصوصاً إيران، وقول بايدن إنه لن يتم ترك الإيرانيين. واعتبر أن في ذلك إشارة واضحة إلى أن أموراً جديدة قد تحدث في المستقبل ضد إيران، والتي قد تستدعي أذرعها في المنطقة لتقوم بمهاجمة المصالح الأميركية، خصوصاً في اليمن الذي يطل على بحرين (البحر الأحمر والبحر العربي) ومضيق باب المندب، وسيشكل ذلك مشكلة حقيقية للملاحة الأميركية ولحلفائها في العالم. وعندها، بحسب شرحه، فإن الولايات المتحدة، إذا ما استهدفت الحوثيين، فسيكون لها مبرر، وهو أن الجماعة مصنفة إرهابية من قبل الحكومة اليمنية والسعودية، وكذلك في الولايات المتحدة، على اعتبار أن تجميد التصنيف من قبل واشنطن كان لمحاولة دفع الحلّ السلمي لكنه لم ينفع.
واعتبر أنه "عندها ستتم إعادة التصنيف وستكون أي خطوة متخذة من قبل القوات الأميركية ضد الحوثيين، مبرّرة قانونياً أمام الأمم المتحدة". مع العلم أنه في 28 فبراير الماضي، اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار 2624 (2022) تحت البند السابع، الذي يقضي بتجديد نظام العقوبات على اليمن، ويصنف جماعة الحوثيين في إحدى فقراته بـ"الإرهابية". كما يُدرج القرار الحوثيين ككيان تحت حظر السلاح المستهدف.
وبرأي عبيد، فإن تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية لا يزيد المشكلة اليمنية إلا تعقيداً، ويبدو أنّ الحل السلمي بات ضعيفاً نوعاً ما، والتوجه الأميركي هو نحو الحسم العسكري، بحسب اعتقاده.